(من مشاهد يوم القيامة)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)
ما هو مقصد هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة وما هي الرسالة التي يحملها؟
ختم المقطع السابق بالحديث عن العذاب الأليم الذي توعد الله به الكافرين الذين استسلموا لزيوف الباطل وتمويهه، ثم جاءت هذه الآيات تصف بعض المشاهد في ذلك اليوم، ولو وضعنا جملة ( فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم ) لم يكن بعيدا، وقد جاء بكلام جديد يحدث عن عالم آخر غير العالم الذي انهمكت السورة في الحديث عنه، كمل البيان والاستدلال بالترغيب والترهيب. وجاء الكلام وكأنه يخاطب الناس قائلا لهم: ألا زلتم مصرين على البقاء على ما أنتم عليه بعد أن كشفنا لكم كل زيوف الباطل وتناقضاته، بادروا بالمسارعة إلى خلعه فالساعة آتية من حيث لا تنتظرون وستضيع منكم حينها فرصة الرجوع ، فالقرآن ليس كتاب علم فحسب بل هو كتاب علم وتزكية.
وقد نفت الآيات الانتفاع من أي خلة سوى خلة المتقين، في معرض الرد على زيوف القرناء السابقة، ثم فصلت في نعيم هؤلاء المتقين وعذاب أضدادهم من الكافرين.
وتأمل كيف اقتصرت الآيات على ذكر قصة عيسى مع قومه المكذبين كما مر في المثلين السابقين، وذلك لأن السورة كلها تدور حول هدم تناقضاتهم.
وهذه الجملة ( لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ) هي آخر جملة حدثت عن عذابهم، وكانت هذه الآية واسطة بين ما سبقها من كلام وبين الآيتين الأخيرتين في المقطع، ولو جعلتها عنوانا للمقطع التالي لم يكن بعيدا، ثم انتقلت الآيات إلى الوراء لوصف أحوالهم في حياتهم الدنيا،
ولما كانت الآيات في مقام التخويف والترهيب، فناسب أن تختم بآيتين مليئتين بالتهديد والوعيد، وربما كان فيهما تناسب مع قوله تعالى ( العزيز العليم ) في أول السورة.
ما مناسبة قوله تعالى ( ولكن أكثركم للحق كارهون ) ؟
ذكرت الآيات الأكثرية هنا لأن الكافرين فيهم تبع وأتباع، فالتبع هم الذين يصدون الناس عن الإيمان، وأما الأتباع فهم لا يكرهون الحق لنفسه ولم تكن عداوتهم له أصلية ولكنهم اغتروا بالزيوف المذكورة في السورة والتي سولها لهم قرناءهم من الشياطين، وقادهم ضلّالهم فانقادوا، فلم تنفعهم معرفتهم بالآيات ولم ينجوا بها إذ لم يؤمنوا ويتبعوا، وقد أكدت الآيات أن الجميع يوم ذلك سواء كانت العداوة أصلية أم كان السبب في حرب الدين هو مجرد الاتباع، فإن الجميع في الوزر سواء، وفي نفس المصير.
ما مناسبة ذكر كتابة الرسل بعد ذكر علم الله ( بلى ورسلنا لديهم يكتبون ) ؟
ذكر كتابة الرسل هنا ليس مذكورا لتأكيد علم الله، بل هي جملة جديدة ومعنى جديد المقصود منه: أنهم سيحاسبون حسابا عادلا تحصى فيه أعمالهم وتكتب عليهم فإذا جاء يوم القيامة نشرت الصحف وحوسب الخلق.
ما مناسبة ذكر النجوى قبل الكتابة مباشرة؟
ابتدأت الآيات بذكر علمه جل وعلا للسر، ثم جاء ذكر النجوى ملاصقا للكتابة، وذلك لارتباط النجوى بالحساب، وإشارة إلى أن ما يسر به الإنسان ليس محاسبا عليه، لأن السر إنما هو حديث النفس الذي لم تحدث به أحدا، أما النجوى فهو حديث السر بين الأقران، فالأول معفو عنه مغفور، وأما الثاني فهو مما يكتب ويحاسب عليه الإنسان.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved