(ومضى مثل الأولين ..)

وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)

ما هو مقصد هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة وما هي الرسالة التي يحملها؟

هذا المقطع تأكيد لما سبق سياقه من معان وأفكار، ولا أحسن للتأكيد من ضرب الأمثلة ولذلك أكثر القرآن منها، والمثال هنا كان لقوم فرعون مستحضرا العذاب الذي نزل بهم، والمقصود بالفتنة هنا اختلال الأحوال، فكما أصاب قوم فرعون الآيات التي جاء بها موسى من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم- ووصفها الله بقوله ( آيات بينات )- هدد الله قريشا بالجوع والقحط الذي سيأتيهم، وأن حالهم سيكون مثل حالهم من الإعراض والصدود بعد كشف العذاب، ثم يكون هلاكهم كما هلك من كان قبلهم مهما بلغت قوتهم.

وفي هذه القصة ارتباط وثيق بما سبق الحديث عنه في سورة الزخرف من حكاية نفس هذا الجزء من القصة ( أخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عنك إننا لمهتدون فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )

وهذا هو الموضع الوحيد الذي أتت به كلمة ( ولقد فتنا قبلهم ) وباقي المواضع يأتي بها عادة ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ) ونحو ذلك.

ما هي مناسبة ترتيب الآيات في الحديث بين موسى وقومه؟

جاء ترتيب الآيات ومعانيها في هذا الخطاب مناسبا لترتيب ما بدا من فرعون وقومه عند إلقاء موسى دعوته عليهم، إذ ابتدأ بإبلاغ ما أرسل به إليهم فآنس منهم التعجب والتردد فقال: إني لكم رسول أمين، فرأى منهم الصلف والأنفة فقال: وأن لا تعلوا على الله، فلم يرعووا ولم يستجيبوا له فقال: إني آتيكم بسلطان مبين، فلاحت عليهم علامات إضمار السوء له فقال: وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون، فما أصروا على أذاه وعدم متاركته جاء التعقيب بقوله: فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون، فكان هذا الترتيب بين الجمل مغنيا عن ذكر ما أجابوا به على أبدع إيجاز.

ما المقصود بقوله ( أن أدوا إلي عباد الله )؟

قيل فيها وجهان:

الأول: أن المقصود بها خطاب بني إسرائيل فيكون المعنى : أدوا إلي بني إسرائيل يا قوم فرعون واتركوهم فإنهم كانوا كالأمانة عندكم.

الثاني: أن المقصود بها خطاب قوم فرعون ويكون المعنى: أدوا إلي الطاعة يا عباد الله يا ملأ فرعون واتركوا بين إسرائيل.

والأول أرجح خاصة وأنها اتبعت قريبا بقوله تعالى ( فأسر بعبادي )، والقول الثاني ليس بعيدا والله أعلم.

ما مناسبة قوله تعالى ( ولقد نجينا بني إسرائيل .. ) إلى آخر الآيات،و ما مناسبة ترتيبها ؟

جاءت هذه الآيات في سياق مدح بني إسرائيل وبيان النعم التي نزلت عليهم، وقد ابتدأت الآيات بذكر كشف الضر ثم الاجتباء والاصطفاء ثم الزيادة وهي الابتلاء كطريق للتمكين والتقريب، وكما يقال فالتخلية قبل التحلية.

screenshot 06

والآيات هنا زيادة في التشريف فإن إيتاء الأمم آيات من لوازم الاختيار والاصطفاء فإنه من عناية الله بالأمة فمثل هذه الآيات تزيد الأمم يقينا في دينهم فتعلوا مراتبهم، والآيات منها فلق البحر وإنزال المن والسلوى وغيره.

 وقدقلنا أن قصة موسى وفرعون هنا جاءت مثالا لقريش يشبه حالهم بحال قوم فرعون وحال موسى بحال محمد صلى الله عليه وسلم، فهذه الجملة هنا ذكر لشرف المؤمنين الذين كانوا مع موسى في إشارة وتمثيل لشرف المؤمنين الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأن الله قد اختارهم على أمم عصرهم كما اختار بني إسرائيل على أمم عصرهم، وأن ذلك يقتضي أن ينصرهم كما نصر بني إسرائيل من قبلهم، كما أن فيها باللزوم تعريضا بالمشركين بأن المسلمين سيغلبونهم فإن من ضمن الآيات التي أوتيها بنو إسرائيل نصر الفئة القليلة عى الجيوش الكثيرة من عدوهم.

وكما ابتدأت الآيات بذكر الافتتان انتهت بذكر الابتلاء وهما أخوان، فتعود نهاية المقطع إلى بدايته ويلتقي طرفا الحلقة.

ما وجه الاختصار في ذكر هلاكهم والإطناب والتطويل في ذكر ثرواتهم ونعيمهم؟

من الملاحظ أن الآيات فصلت في ذكر الجنات والعيون والزروع ثم تابعت انتقال ملكية هذه الأملاكبعد تدمير وهلاك أصحابها، وربما كانت مناسبة ذلك الرغبة في توضيح السبب الذي أدى إلى انغماسهم في لعبهم وفي شكهم وهو شعورهم بالاستغناء نتيجة ما رزقوا من الخيرات والنعيم

 

Map Shot 1

Map Shot 2

 

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved