(نقض حجج الشرك)

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)


ما هو مقصد هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة وما هي الرسالة التي يحملها؟

جاء هذا المقطع ليفند حجج المشركين كما سيأتي في تلبيس باطلهم وتزيينه للناس، ويمكن تقسيم المقطع إلى جزئين:

الأول: في إثبات ربوبية الله عز وجل

الثاني: وهي مبني على الأول، فبعد تقريرهم بالربوبية لله وحده، وسرد بعض من خلقه وأمره، بنت السورة على هذا استدلالا وهو نفي الشريك عنه بأي شكل من الأشكال، وقد تدرج الأمر من:

نفي الجزء أيا كان

نفي كون هذا الجزء إناثا  

ما مناسبة الحديث عنا عن عبادة الملائكة خاصة على الرغم من عدم شيوعها بين العرب؟

لم يتبين لنا وجه قوي في الإجابة على هذا التساؤل، وربما كان غياب الحديث عن الأصنام هنا لشيوعها وشهرتها، فكأن السورة نحت نحو جمع غير المشهور وغير المتعارف، والله أعلم في الحكم من وراء ذلك.

ما مناسبة البدء بأمره صلى الله عليه وسلم بالسؤال؟

تكرر السؤال ومشتقاته كثيرا في هذه السورة، وكأن السورة ترشدنا إلى طريقة مهمة في نقض المغالطات التي يتعلقون بها، وهي طريقة إلقاء الأسئلة، فإن الأسئلة من أهم الأمور التي تحرك الأذهان وتدفعها إلى التفكير، وهذا أهم محاور السورة وهو الدفع باتجاه التفكير المنطقي العقلاني ( لعلكم تعقلون ) وقد ذكر التفكير المنطقي العقلاني كأحد علل إنزال القرآن وجعله عربيا، وهذه الطريقة أنفع بكثير من طريقة الإجابة المباشرة على الشبهات، فإن الإنسان إذا أتته معلومة من خصم لربما أخذته العزة بالإثم ولم يقبل بها، أما إذا توصل إلى هذه النتيجة بعد خوضه في معتركات التفكير والبحث والتمحيص صارت أقرب للقبول.

ما مناسبة التعقيب بقوله ( العزيز العليم ) جوابا عن السؤال عن الخالق؟

الجواب ههنا ليس من مقول جوابهم وإنما حكاية جوابهم بالمعنى، فقد كان جوابهم عن مثل هذا السؤال ( خلقهن الله ) كما جاء في سورة لقمان وكما جاء في أكثر كلامهم، وإنما عدل عن ذكر لفظ الجلالة إلى الوصف بالعزة والعلم لمناسبته لما سيأتي من التوحيد والحديث عنه، فإن الكلام في القسم الثاني والذي يبدأ بقوله تعالى ( وجعلوا له من عباده جزءا ) وينتهي بنهاية المقطع، يمكن تقسيمه إلى قسمين فرعيين، كل قسم يبدأ بقوله تعالى ( وجعلوا )، فالأول يرد شبهة ( وجعلوا له من عباده جزءا )، والثاني يتحدث عن ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا)، وهذين القسمين الفرعيين ردا شبهات القوم بأمرين:

 الأول: إثبات العزة لله وعدم احتياجه للولد،فهو إشارة إلى أنه غالب لا يحتاج ولدا يعينه فإن بني آدم يرغبون بالأولاد عونا لهم، ناهيك عن جعلهم بنات لا عزة في اتخاذهن لضعفهن.

 والثاني: نفي استنادهم على نوع من العلم في ادعاءاتهم تلك فعاد العلم إلى الله عز وجل وحده، فجاء الوصف بالعزيز العليم وما تبعه من رد شبهاتهم في مقابلة تامة وتناسب ظاهر.

كما أن في الاسمين مناسبة أخرى:

فإن العزيز: فيه استمرارا وصلة لما أتى سابقا من قوله ( فأهلكنا أشد منهم بطشا ) وتوطئة وتهيئة لما سيأتي لاحقا من مثل قوله ( ففما آسفونا انتقمنا منهم ) وقوله ( فإنا مبرمون ) وغير ذلك من عبارات التهديد.

وأما العليم: ففيه تهيئة وتوطئة لما سيأتي من قوله ( أم آتيناهم كتابا ) وقوله ( ما لهم بذلك من علم ) وقوله ( ويسألون )  وقوله ( وعنده علم الساعة ) فهو سبحانه العليم بحقائق الأمور لا يخفى زيفها، بل هو صاحب العلم الحقيقي الذي يدل الناس على حقائق الأمور وطريقها السليم.

ما مناسبة الصلات هنا لمقصد المقطع وما وجه ترتيبها؟

جاءت هذه الجمل كلها معترضة بين قوله تعالى ( العزيز العليم ) وبين قوله تعالى ( وجعلوا له من عباده جزءا )، وقد جاءت الصلات هنا لتخدم الموضوع الأول في هذا المقطع ألا وهو التأكيد على الربوبية وعلى النعم وعلى الإقرار بالعجز وعلى الرجوع إلى الله تعالى، وقد جاءت لتؤكد كون التصريف خاصا به بعد أن أثبتت له الخلق، وقد كانت كلها في خلق أشياء لخدمة الإنسان في الأرض فذكر:

1-  خلق الأرض

2-  تمهيدها

3-  خلق السبل فيها ليتواصل الناس مع بعضهم.

4-  إحياءها بالمطر اللازم لما سيأتي ذكره.

5-  تعميرها بأنواع الخلق أزواجا أزواجا، نباتا وحيوانات.

6-  تسهيل حياة الناس فيها بعد تمهيدها وتسبيلها بحملهم في البحر على ظهور الفلك وفي البر على ظهور الأنعام، وتعليمهم حمل أنفسهم في الفلك وترويض الأنعام وتسخيرها لهم.

وهذا الترتيب في غاية المناسبة والتدرج.

كما أنها جاءت متناسبة في البناء، فكانت الصلات كلها جملا فعلية، ووراء كل اسم موصول جملتان، 

وكل ما سبق تعريض بالمشركين في تقلبهم في النعم، وكأنها تقول لهم: أليس الله هو الذي خلق لكم كل هذا وأصلحه لمعاشكم، وأنتم تتقلبون في هذه النعم ثم يكون عاقبة كل ذلك أن جعلتم له من عباده جزءا.

ما مناسبة ذكر خلق الأزواج هنا؟

ذكر خلق الله للأزواج كلها هنا فيه إشارة إلى وحدانية الله عز وجل، فكل ما سواه زوج، إلا هو جل وعلا فهو وتر يحب الوتر، فهذا تأكيد على أمر التوحيد لله جل وعلا.

ما مناسبة التوسع في ذكر استخدام الفلك والأنعام في قوله تعالى ( لتستووا على ظهوره .. )؟

هذه الكلمة هي بداية تغير في الكلام وأسلوبه، فانتقلت من الحديث عن المنعم إلى الحديث عن الواجبات تجاه النعم.

التوسع في ذكر الاستواء واستخدام هذه المركوبات له هدفين:

الأول:  استحضار نعمة الله بهذه المركوبات، فإن التوسع في الحديث عن النعمة ومنافعها أوقع في النفس وأدعى للشكر عليها وأجدر بعدم نسيانها والذهول عنها، فكأنه قال: جعل لكم ذلك نعمة لتشعروا بها فتشكروه عليها.

الثاني: تعريض بالمشركين إذ تقلبوا في نعم الله وشكروا غيره وهذا هو أس توحيد الألوهية أي صرف العبادة للرب وحده.

ما مناسبة جملة ( وما كنا له مقرنين )؟

جملة ما كنا له مقرنين معناها: لولا أن الله سخر لنا هذه الأنعام القوية وسخر الماء ليحمل لنا هذه الأفلاك العظيمة، لما أطقنا ذلك بقوتنا المجردة فالمقرن هو المطيق، وهذا أيضا من استحضار نعمة الله وشكره عليها.

ما مناسبة جملة ( وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) في الدعاء الخاص بالسفر؟

هذه الجملة أيضا لها عدة مناسبات ورسائل:

الأولى: دعوة المسلمين إلى شكر هذه النعم.

الثانية: دعوة مبطنة بإرجاع المسافر إلى أهله فإن القادر على إرجاع الأموات إلى الحياة قادر على إرجاع المسافر إلى أهله.

الثالثة: التعريض بتوبيخ المشركين على كفر نعمة الله، فإن قوله ( وتشكروا نعمة ربكم ) له تتمة معنى ألا وهو: فلم يفعلوا ذلك إذ أمرهم.

الرابعة: وهي أهمها وأجلها وهي تذكر أن الحياة الدنيا إنما هي مثل السفر، بل هي سفر إلى المستقر والمنقلب ألا وهو الآخرة.

وهذه الرسالة الثالثة مناسبة غاية المناسبة لمقصد السورة، ألا وهو عدم الاغترار بالزيف والزينة والنظر إلى حقائق الأمور فهذه النعم كلها تشبه تمتع المسافر بها ثم هو يفقدها إذا انقلب إلى أهله، وهذه إشارة إلى المؤمن أن يكون منتبها لحقائق الأمور ناظرا إلى غاياتها وحكمها مستدلا ببسيطها على عظيمها.

ما مناسبة الترتيب في الآيات التي في القسم الثاني من المقطع؟

أجابت هذه الآيات عن ثلاث شبهات:

الأولى: ادعاء شريك لله من عباده صرفوا له بعض العبادة التي كان ينبغي أن تكون كلها لله.

الثانية: اتخاذ الإناث أولادا.

الثالثة: ادعاء أنوثة الملائكة.

أما الشبهة الأولى فقد تم الرد عليها مطولا في الجزء الأول من المقطع وهي تثبت حقيقة الإلهية لله عز وجل وجده باعترافهم هم.

أما الشبهة الثانية فقد أجاب الله عنها باستدلال عقلي بنقطتين اثنتين:

الأولى: كون البنات مما يكرهونه، ويتبرمون منه، فكيف ينسبون لله ما يكرهون؟

الثانية: أن البنات لضعفهن، لا يتخذن للعزة والقوة، فما الفائدة إذا من اتخاذ البنات أولادا؟

وبعد أن فرغت كل الاستدلالات العقلية على جعل الولد لله، نفى الله نوعين آخرين من الاستدلال:

الأول : استدلال حسي بنفي شهودهم لخلق الملائكة

الثاني: استدلال نقلي بعدم وجود خبر مصدق بهذا.

فإذا انتفت الاستدلالات العقلية والحسية والنقلية، بينت المقطع أن دافعهم وراء ذلك إنما هو اتباع سنة الآباء في العبادة فحسب.

ما الرسالة التي يحملها قوله عز وجل ( فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين )؟

هذه الجملة بمثابة تهديد ووعيد لكفار قريش فهي تقول لهم: إن بقيتم في تكذيبكم وإعراضكم فسننتقم منكم ونستأصلكم كما استأصلنا الذين من قبلكم من الأمم المكذبة.

screenshot 104

screenshot 103

 

 

 

 

 

Map Shot 2

 

Map Shot 1

 

Map Shot 3

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved