(استهلال)

بسم الله الرحمن الرحيم

حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)


ما هو مقصد هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة وما هي الرسالة التي يحملها؟

هذا المقطع يعتبر مقدمة للسورة بين يدي مواضيعها، وعادة ما تأتي المقدمات مختصرة جامعة مهيئة لمواضيع السورة، وقد احتوت هذه المقدمة على المعاني التالية:

1-  تعظيم شأن القرآن وذلك بالقسم به بداية، وجعل المقسم به هو المقسم عليه إضافة وهذا يشير غلى أن المقسم على شأنه بلغ غاية الشرف فلم يوجد ما هو أولى بالقسم به منه، فلذلك أقسم به، ثم أتبع ذلك وصفه بعلو المرتبة والحكمة.

2-  التأكيد على كونه بينا واضحا وذلك بوصفه بالمبين.

3-  تأنيب المشركين بسبب إعراضهم عنه وذلك بحكاية إعراضهم عنه بعد إسباغ كل هذه الصفات عليه، وذلك واضح في قوله ( لعلكم تعقلون ) وقوله ( أن كنتم قوما مسرفين ) وهذا معنى غير مباشر.

4-  بيان سعة رحمة الله وذلك بالتأكيد على استمرار نزول الهدي على الرغم من شدة إعراضهم عنه، وذلك بقوله ( أفنضرب عنكم الذكر .. ) الآية. ومعناها: أتحسبون أن إعراضكم عما نزل من هذا الكتاب يبعثنا على أن نقطع عنكم تجدد التذكير بإنزال شيء آخر من القرآن، لا، فإني رحيم بكم مريد لصلاحكم، رحيم بكم لا تنقطع عنكم نعمتي وفضلي والذكر أعلاها، وسيظل الذكر يلح عليكم فإذا تعقلتم دخلتم في رحمتي، وإن بقيتم على رفضكم وإسرافكم كان هذا الذر شاهدا عليكم.

ولما كان الدعاة هم أداة الدعوة، فإن في الآية أيضا رسالة إلى الدعاة بالاستمرار في دعوتهم والصبر عليها والثبات فيها برغم ما يمكن أن يلقوه من إعراض وصد واستخفاف لأن ذلك من مقتض حكمة الله في خلقه.

5-  تسلية النبي صلى الله عليه وسلم بذكر حال الرسل الكثر من قبله.

6-  تهديد المشركين المعرضين عن الرسالة بالهلاك وظهور أهل الحق عليهم، مهما كانت قوتهم وجبروتهم، وذلك واضح في قوله ( فأهلكنا أشد منهم بطشا ) فإن تتمة الكلام: فلا نعجز عن إهلاك مثل هؤلاء وهم أقل بطشا، ثم توعدهم بالاستئصال الكامل ( ومضى مثل الأولين ) وهذه كناية عن انقراضهم وذهابهم عن بكرة أبيهم، وتأتي هذه الآيات في مقام الترهيب بعد الترغيب ولكن بطريق لا مواجهة فيه وإنما ذكر أحوال الأمم قبلهم دون مواجهة بانتقامه منهم.

ما هو المراد من وصف القرآن بالعربي هنا؟

المقصود منه أمران:

الأول: الثناء على القرآن ومدحه باعتبار أنه منسوج بأفصح اللغات

الثاني: التعريض بمشركي العرب خاصة كونهم لم يهتدوا به مع كونه نازلا بلغتهم.

مامناسبة التذييل بقوله ( لعلكم تعقلون ) في الآية؟

نهاية الآية بهذه العبارة فيها أيضا تعريض بالمشركين إذ أنهم أهملوا التدبر في هذا الكتاب مع ما سبق من التنويه بعلو مرتبته وشأنه، ومن كونه نازلا بلغتهم، وكأن الآية تخاطب المشركين قائلة: لقد أنزلنا إليكم كتابا شريف القدر، نازلا بلغتكم التي تفهمونها وعجزتم عن الإتيان بمثله، راجين هدايتكم وفهمكم، إلا أنكم أعرضتم عنه وتركتموه.

والمتأمل في مثل هذه المقدمات يرى أنها تتميز بمزيد من قوة البيان وغزارة المعاني وشدة الأسر وجزالة اللفظ، وأن هذا وغيره هو الذي هيأها لأن تكون زاخرة بالإشارات المختلف والمعاني المتنوعة للأغراض والمقاصد، ولا يكاد يمر معنى في السورة لاحقا إلا وله ارتباط بأحد المعاني في هذه المقدمة.

وبهذه الآية ( ومضى مثل الأولين ) تنتهي مقدمة السورة لتدخل السورة في المواضيع المباشرة التي ستعالجها.

ما معنى قوله تعالى ( أم الكتاب ) ؟

اختلف المفسرون في معنى أم الكتاب، وما هو المقصود منها، وخلاصة الأقوال أن الغرض من ذكر أم الكتاب هنا هو تعظيم القرآن وبيان رفعة شأنه، والله أعلم بتحديد المقصود من هذه الكلمة هنا.

Map Shot 1

 

Map Shot 2

Map Shot 3

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved