نتيجة الدعوات
(نتيجة الدعوات)
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ۖ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴿۹۳﴾ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴿۹٤﴾ وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿۹٥﴾ حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ﴿۹٦﴾ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿۹٧﴾ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴿۹۸﴾ لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا ۖ وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿۹۹﴾ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ ﴿۱۰۰﴾ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴿۱۰۱﴾ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴿۱۰۲﴾ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴿۱۰۳﴾ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴿۱۰٤﴾
ما هو موضوع هذا الفصل؟ وما علاقته بالمقصد؟ وما علاقته بما قبله من الكلام؟
يدور هذا الفصل حول أول آية في السورة ( اقترب للناس حسابهم) فإن الحديث المتطاول عن الرسل الذي جاء يربط بعضهم ببعض، تتشوف بعده نفس القارئ المتدبر لمعرفة نتيجة هذه الدعوة المتطاولة وما آلت إليه حال المدعوين، فجاء هذا الفصل ليبين هذا الأمر.
ما مناسبة البداية بقوله تعالى: وتقطعوا أمرهم .. الآية؟
هذه الآيات يبدأ ببيان حال أمم هؤلاء الأنبياء في حياتهم وبعد موتهم، إذ نقضوا وصايا أنبياءهم بالتوحيد، وتقطعوا أمرهم بينهم، كأنما اقتطع كل منهم قطعة وذهب بها، وثار بينهم الجدل والعداوة والبغضاء باسم الدين، والواو هنا للحال أي: أمرنا رسلنا بالإسلام وهي الملة الواحدة فكان حالهم أن تقطعوا أمرهم وخالفوا الرسل وعدلوا عن دين التوحيد.
أما الجزء الثاني ( كل إلينا راجعون) فكأنه جواب لسؤال يجيش في نفس القارئ عن عاقبة هذا التقطع، والكلام يفيد التهديد فإن التهديد بالرجوع معنى بارز على طول القرآن.
ومن هنا فرع على هذا التهديد بشارة للقوم الذين اجتمع فيهم أمران:
العمل الصالح
الإيمان
وذكرت هذه الطائفة دون غيرها فيما يظهر والله أعلم بمراده: لأنها هي صاحبة الطريق الوحيدة للنجاة يوم القيامة، فبينما تقطع الآخرون أمر دينهم وحالهم، ثبتت هذه الفرقة على الطريق الحق المستقيم المؤدي إلى النجاة يوم القيامة فاستحقت هذا الثناء.
ما مناسبة ذكر عدم رجوع القرى المهلكة بعدها؟
ما مناسبة ذكر يأجوج ومأجوج في هذا الموضع؟
ما مناسبة قوله تعالى بعدها: واقترب الوعد الحق .. الآية؟
هنا تبدأ تشعر بأن نهاية السورة قد أزفت، وإياك ثم إياك أن تقرأ قوله تعالى (واقترب الوعد الحق) دون أن يحضر في قلبك قوله تعالى في أول السورة (اقترب للناس حسابهم) وهذا يتجمع آخر السورة بأولها ليكون المعنى الذي يضم أولها وآخرها هو تخويف الكافرين المعاندين بما هم عليه من استهزاء وكيد للنبي صلى الله عليه وسلم بالحساب القادم لا محالة.
وإياك أن تمر على قوله تعالى (يا ويلنا) دون أن تستحضر قوله تعالى في أول السورة (قالوا يا ويلنا).
وإياك أن تمر على قوله تعالى (قد كنا في غفلة من هذا) دون أن يخطر في ذهنك قوله تعالى في أول السورة (وهم في غفلة معرضون)
وإياك أن تمر على قوله تعالى (بل كنا ظالمين) دون أن يخطر في بالك في أول السورة قوله تعالى (إنا كنا ظالمين)، بيد أن الأولى في إهلاك قراهم في الدنيا والثانية في خزيهم يوم يرون العذاب في الآخرة.
ثم تلت هذه الآية ثلاثة آيات في وصف حال هؤلاء الظالمين يوم القيامة وذكرت نقاط منها:
اشتراكهم هم وآلهتهم في كونهم وقودا للنار.
الاستدلال على دخول هذه المعبودات النار على كونها آلهة مزيفة لا تستحق العبادة بادي الرأي.
استحضار صوت جنهم وهي تزفر ملء السمع حتى أنهم لا يسمعون شيئا غير ذلك الصوت.
ثم تبعت هذه الآيات الثلاث، ثلاثة آيات أخريات في وصف الحالة المعاكسة لهذه الحالة تماما، وهي حالة المؤمنين الذين:
هم عنها مبعدون
لا يسمعون صوت جنهم وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون.
ناجون من الحزن يوم الفزع الأكبر والملائكة هي التي تتولى تطمينهم بنفسها قائلة لهم: (هذا يومكم الذي كنتم توعدون) في إشارة إلى قوله آنفا ( واقترب الوعد الحق)، وهي تتلقاهم: أي تتعرض لهم تعرض كرامة واللفظ يشعر بشيء من التكلف والتهيء لأجل هذا التلقي زيادة في الكرامة، ناهيك عن قولهم: هذا يومكم باسم الإشارة الذي يفيد الاهتمام به وتمييزه، وبإضافته لهم للتنبيه على كرامتهم ورفعتهم فيه كقول القائل: هذا زمانك، أي المختص بك لتتصرف به.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها التعبير: سبقت لهم منا الحسنى وقوله تعالى: مبعدون؟
المتأمل في هذه التراكيب لوصف حال الناجين يرى أنها تشير إلى أن نجاتهم لم تكن من عند أنفسهم، ولكنها بسبب الحسنى التي سبقت لهم من الله، فهم عنها: مبعدون، ولم يقل بعيدون، لأن هذه الحسنى التي سبقت لهم من الله هي التي أبعدتهم، وكل هذا لمزيد تعلق النفوس بالله عز وجل فهو سبب النجاة يوم القيامة.
ما مناسبة ذكر طي الكتب بعدها؟
هذه الآية مستأنفة ابتدأت كلاما جديدا، والغرض منها إعادة ذكر البعث في مظهر آخر من مظاهر العظمة، وهو طي السماء كطي السجل للكتب، وفي هذا توطئة وتهيئة بين يدي إثبات البعث بدلالة ابتداء الخلق.
وقد رتب نظم الجملة على التقديم والتأخير لأغراض بليغة. وأصل الجملة: نعيد الخلق كما بدأنا أول خلق يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب وعدا علينا. فحول النظم فقدم الظرف بادئ ذي بدء للتشويق إلى متعلقه، ولما في الجملة التي أضيف إليها الظرف من الغرابة والطباق إذ جعل ابتداء خلق جديد وهو البعث مؤقتا بوقت نقض خلق قديم وهو طي السماء. وقدم ﴿كما بدأنا أول خلق﴾ وهو حال من الضمير المنصوب في (نعيده) للتعجيل بإيراد الدليل قبل الدعوى لتتمكن في النفس فضل تمكن. وكل ذلك وجوه للاهتمام بتحقيق وقوع البعث
وعقب ذلك كله بما يفيد تحقيق حصول البعث من كونه وعدا على الله بتضمين الوعد معنى الإيجاب، فعدي بحرف (على) في قوله تعالى وعدا علينا؛ أي حقا واجبا. وجملة إنا كنا فاعلين مؤكدة بحرف التوكيد لتنزيل المخاطبين منزلة من ينكر قدرة الله لأنهم لما نفوا البعث بعلة تعذر إعادة الأجسام بعد فنائها فقد لزمهم إحالتهم ذلك في جانب قدرة الله، والمعنى: إنا كنا قادرين على ذلك.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved