مقدمة
( مقدمة )
بسم الله الرحمن الرحيم
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)
ما موضوع هذا المقطع، وما هي مناسبته لمقصد السورة؟
هذا المقطع يعتبر بداية السورة، وبعد أن نوهت الآية بالكتاب في آية مقتضبة، دخلت في القصة دخولا مباشرا.
ومن ميزات هذه القصص في هذه السورة أنها تبدأ برسم الجو الذي تدور فيه الأحداث، والظف الذي جاءت فيه، ويكشف عن الغاية المخبوءة وراءها والتي من أجلها يسوق هذه القصص، فعرضت البداية لشأن فرعون وسنته في ملكه، ثم لإرادة الله ولليد التي تتحكم بالأمور وتسيرها.
والحديث عن قصة التمكين لموسى وقومه ليست مرادة لذاتها، وإنما هي مثال ضربه لله للأمة، أنه: متى أخذت الأمة بالأسباب نصرت ومكنت، فإن وعد الله لعباده لا يتخلفن ولكن عليهم الأخذ بالأسباب الشرعية والدنيوية لتحقيقه، وقد تحققت الآية في زمن النبي ﷺ حيث كانت كذلك عاقبة كفار فريش وفرعونها أبي جهل، فكان زوالهم على أيدي المستضعفين من المؤمنين الذين من الله عليهم ومكن لهم في الأرض.
والمتأمل في هذا المقطع لا تكاد عينه تخطئ فعل ( نريد ) وما بعده، والعاقبة هنا واضحة ظاهرة فالأمر بيد الله هو من يمكن وهو من يمن وهو من يؤتي الإمامة من يشاء وهو الذي يورث من يشاء ما يشاء.
فهو يعلن واقع الحال، وعاقبة المآل، لتقف القوتان وجها لوجه: قوة فرعون المنتفشة وقوة الله الحقيقية الهائلة، ولمن ستكون العاقبة.
ومن ثم تنبض القصة بالحياة وكأنها تعرض لأول مرة، وكأنها رواية معروضة الفصول لا حكاية غبرت في التاريخ كما سيأتي في المقطع التالي.
وإن عرض نتيجة القصة منذ بدايتها يدل أعظم الدلالة على أن الله هو الخالق المالك المدبر، فبيده مقاليد الأمور، وإرادته هي النافذة، وأن العاقبة له يهبها لمن يشاء.
أضف إلى ذلك نقطة في غاية الأهمية في الدلالة على مقصد السورة: وهي أن إظهار القدرة في التحكم التام بالعاقبة وجعلها حيث شاء .. ليس معناه أن الله إذا أراد أن يهلك قوماً جبارين، يرسل عليهم جنود السماوات والأرض، فيهلكهم ويدمرهم تدميراً.
إظهار القدرة في التحكم بالعاقبة هو أن يجعل الجبابرة والمستكبرين يدمرون أنفسهم بأيديهم، يلهم قلوبهم بإلقاء أنفسهم في البئر التي حفروها لغيرهم، وأن يصنعوا لأنفسهم سجناً يموتون فيه! وأن يرفعوا أعواد المشانق ليعدموا عليها!..
فموسى قيل أنه ولد في العام الذي كانت يقتل فيه الذكور، ثم أنجاه الله، بل و كانت نجاته على أيديهم هم وربي بين أظهرهم سنين، ثم كانت هلكتهم على يديه.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها استخدام اسم الإشارة للتنبيه على الآيات؟
اسم الإشارة تلك يدل على البعد، وعندما تستخدم أسماء الإشارة في الدلالة على أشياء، إما أن يكون من باب تعظيمها باعتبار علوها، أو العكس باعتبار سفولها، والإشارة هنا إلى الآيات للتعظيم.
ما مناسبة وصف الكتاب بالمبين هنا؟
المبين لها معنيين:
مبين في ذاته: أي واضح لا لبس فيه
مبين لغيره: فهو في هذا الموضع سيكشف لنا عن مقصد السورة التي سيتم الحديث عنها وهي بيان أن العاقبة تكون دائما للمؤمنين، خاصة منها ما يكون من أمر الآخرة.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها التذييل بقوله: لقوم يؤمنون؟
هذا التذييل يلفت النظر غلى أن هذا الكتاب إنما هو موجه للقوم المؤمنين، يربيهم وينشؤهم ويرسم لهم المنهاج ويشق لهم الطريق، وبه ينتفعون.
وهذه التلاوة المباشرة من الله لهم، تلقي ظلال العناية والاهتمام بالمؤمنين، وتشعرهم بقيمتهم العظيمة ومنزلتهم الرفيعة، كيف لا والله ذو الجلال يتلو على رسوله الكتاب لأجلهم ولهم.
ليس هذا فحسب بل المعنى أن من لا يؤمن بمثل هذه الأخبار لن يستفيد من مثل هذه الأخبار، وأن الخير الذي يكون فيها لن يكون إلا للمصدقين بما جاء فيها والموقنين بمعانيها.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها استعمال الأفعال في هذه المقدمة بصيغة المضارع؟
المتأمل في الأفعال في هذه المقدمة يلحظ أنها جاءت كلها في الفعل المضارع ( يذبح، يستحيي، نريد، نمن ، نجعلهم )، وهذا له غرضان:
أولا: أن فيه تصوير للحالة الماضية بصيغة المضارع لاستحضارها، ففيه إلماح وإيماء للمؤمنين بأنه يريد بهم ما أراد ببني إسرائيل يومها، وحتى يستحضروا مثل هذا الأمر في أذهانهم فيرسخ في نفوسهم، بخلاف ما جاء بعدها ( وأوحينا إلى أم موسى ) فهذه عملية انتهت.
ثانيا: الدلالة على التجدد، فكلما وجد السبب وجد المسبب فإذا وجد الفساد أعقبه إهلاك المفسدين والتمكين للصابرين المستضعفين، ومما يؤيد هذا العموم في قوله ( الذين استضعفوا في الأرض )، والسنن لا تتخلف ومشيئته تعالى نافذة.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها البدء بالفعل ( نتلو )؟
الغرض منه التشويق فلو أنك قلت لشخص ما: سأتلو عليك قصة كذا وكذا، لتشوق السامع ماذا يريد المتكلم أن يتلو عليه، وهي هنا هكذا للتشويق ولفت الانتباه.
والبداية بالخبر المجمل عموما للدلالة على أنه نبأ له شأن عظيم وخطر بما فيه من شتى العبر.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها الافتتاح بحرف التوكيد إن؟
الافتتاح بحرف التوكيد للاهتمام بالخبر.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها استخدام هذه الصيغة ( لقوم يؤمنون )؟
لم يقل للمؤمنين وإنما قال لقوم يؤمنون للدلالة على أن الإيمان من سجياهم ومن خصائصهم ومن مقومات قوميتهم، وأن الإيمان دأبهم بصيغة المضارع التي تدل على التجدد والاستمرارية.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها استعمال صيغة الجمع في التكلم؟
المتأمل في هذا المقطع – بل في السورة كلها – أن أكثر الأفعال التي وصف الله بها فعله جاءت بصيغة الجمع ( نريد – نمن – نجعلهم – نمكن – نري ) إلى آخر ذلك من الأفعال، واستخدام ضمير الجميع للمتكلم فيه إشارة إلى عظمة المتكلم وتدبيره للأمور، لذلك تجد البقاعي غالبا يقول بعد الفعل بصيغة الجمع ( أي بما لنا من العظمة ).
ما مناسبة استخدام كلمة شيعا للتعبير عن الفرق؟
الشيعة هي القوم الذين ينتصرون لسيدهم دائما، ففرعون فرق الأقباط وفرق بني إسرائيل وكل شيعة تحاول أن تنتصر لنفسها وألب بينهم العداوات، وقد جاء بعد ذلك ( من شيعته على الذي من عدوه ) فناسب استخدام كلمة الشيعة بدلا من الفرقة أو الطائفة أو ما شابه.
وهذا صنيع الظالم بأهل البلد حتى يمنع تألبهم عليه واجتماعهم ضده.
ما إعراب فعل يذبح؟
هو بدل من ( يستضعف ) والبدل يشرح المبدل منه ويبين محتواه، فكل ما جاء بعد يستضعف إنما هو لبيان حال الاستضعاف الذي وقع فيه بنو إسرائيل.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها قوله ( إنه كان من المفسدين )؟
لم يقل كان مفسدا وإنما قال كان من المفسدين، وفي هذا مبالغة في المعنى فهو لم يكن مفسدا عاديا، وهذه العبارة لا تضعه في دركه الذي يستحقه في الإفساد، بل كان من المفسدين: أي راسخا في طائفة المفسدين وإماما لهم.
والفعل الماضي الناقص يفيد تجذر الفساد فيه.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved