في ختام السورة
(في ختام السورة)
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴿۱۰٥﴾ إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ﴿۱۰٦﴾ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴿۱۰٧﴾ قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴿۱۰۸﴾ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۖ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ ﴿۱۰۹﴾ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ﴿۱۱۰﴾ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴿۱۱۱﴾ قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ۗ وَرَبُّنَا الرَّحْمَٰنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴿۱۱۲﴾
ما هو موضوع هذا الفصل وما هي علاقته بمقصد السورة؟
هذه الآيات هي مقطع السورة وختامها، وتكاد تجمع معاني السورة السابقة جميعها مختصرة، وانتقل من الحديث عن الانتصار في الآخرة إلى الحديث عن الانتصار في الدنيا وتمكين النبي صلى الله عليه وسلم بذكر الزبور ثم استمرت الآيات في سرد المعاني إشارات مختصرة.
ما مناسبة الانتقال بعده إلى قوله تعالى: ولقد كتبنا في الزبور .. الآية؟
هذه الآية بشرى للنبي صلى الله عليه وسلم بالتمكين في الدنيا بعد أن تطاول الكلام في ذكر نصره في الآخرة، وغالبا ما يأتي ذكر الزبور للبشارة بالتمكين في الدنيا، فإن صاحب الزبور كان ملكا نبيا، وقد أصاب من التمكين ما لم يصب غيره من الأنبياء فقدر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن ينال تمكينا كما ناله داود وسليمان عليهما السلام.
وبغض النظر عن المراد بالزبور وعن المراد بالذكر يبقى المعنى: في بيان سنة الله المقررة في وراثة الأرض.
وصيغت بأبلغ نظم إذ اشتملت هاته الآية بوجازة ألفاظها على مدح الرسول ﷺ ومدح مرسله تعالى، ومدح رسالته بأن كانت مظهر رحمة الله تعالى للناس كافة وبأنها رحمة الله تعالى بخلقه. فهي تشتمل على أربعة وعشرين حرفا بدون حرف العطف الذي عطفت به. وذكر فيها الرسول، ومرسله، والمرسل إليهم، والرسالة، وأوصاف هؤلاء الأربعة، مع إفادة عموم الأحوال، واستغراق المرسل إليهم، وخصوصية الحصر، وتنكير (رحمة) للتعظيم؛ إذ لا مقتضى لإيثار التنكير في هذا المقام غير إرادة التعظيم وإلا لقيل: إلا لنرحم العالمين، أو إلا أنك الرحمة للعالمين. وليس التنكير للإفراد قطعا لظهور أن المراد جنس الرحمة وتنكير الجنس هو الذي يعرض له قصد إرادة التعظيم. فهذه اثنا عشر معنى خصوصيا، فقد فاقت أجمع كلمة لبلغاء العرب، وهي:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
إذ تلك الكلمة قصاراها كما قالوا: أنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل دون خصوصية أزيد من ذلك فجمع ستة معان لا غير وهي غير خصوصية؛ إنما هي وفرة معان. وليس تنكير حبيب ومنزل إلا للوحدة لأنه أراد فردا معينا من جنس الأحباب وفردا معينا من جنس المنازل، وهما حبيبه صاحب ذلك المنزل، ومنزله.
ما مناسبة قوله بعدها: قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون؟
لا زالت المعاني ترد تترا لترد عجز السورة على صدرها، فكما أنهم اعترضوا في بدايتها عليه (إن هذا إلا بشر مثلكم) جاءت هذه الآيات لتؤكد كونه بشرا صلى الله عليه وسلم، منوطا به مهمة واحدة: وهي تبليغ الناس ما يوحى إليه من التوحيد فحسب.
وهي مسك الختام في دعوة التوحيد المتطاولة في كل السورة.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها تذييل الآية بهذه العبارة؟
المقصود من هذا الاستفهام حثهم على الدخول في الإسلام.
ما مناسبة قوله تعالى بعدها: فإن تولوا.. الآية؟
معنى الآية: فإن تولوا بعد هذا البيان المفصل والجامع فأبلغهم بلاغا يستوي فيه الجميع لا يدعي معه أحد أنه لم ينذر، أبلغهم الإنذار بحلول ما توعدهم الله به من الإهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة.
ما مناسبة قوله بعدها: إنه يعلم الجهر من القول .. الآية؟
هذه الآية رد على قوله تعالى في أول السورة (قال ربي يعلم القول في السماء والأرض), والجملة معترضة، ومناسبتها تعليل الإنذار بحلول الوعيد بهم، فإنه يعلم ما يجهرون به وما يكتمونه من الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن نية الكيد به، ولكن الله منجيه كما نجى من قبله من الرسل وناصره كما نصرهم.
ما مناسبة قوله تعالى بعدها: وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين؟
هذه الجملة معطوفة على قوله تعالى (وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون)، فإنها جاءت لتبين سبب تأخير حلول العذاب بهم، قائلة لهم: أن هذا الإمهال الذي أنتم به لحكمة يعلمها الله، فلربما أراد بكم فتنة إذ بتأخير الوعيد تزيدون في تكذيبكم وتغترون بإمهاله جل وعلا.
ما مناسبة الختام بهذه الآية؟
يتجدد تأكيد الآيات مرة بعد مرة على تكذيبهم، فبعد أن ألمح إلى ذلك في قوله: فإن تولوا، جاء هذا المعنى مجددا في ثوب آخر في قوله تعالى: قال رب احكم بالحق، أي بيننا وبينهم وهذا دليل على توليهم واستمرارهم على الكفر.
وهي آخر مرة يأتي فيها ذكر اسم الله (الرحمن) في هذه السورة، والقصد به على ما جاءت به السورة: تخويفهم من الاستمرار على كفرهم مع إغرائهم بالإيمان، لما يحمله اسم الرحمن من جلال في ثوب جمال.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved