في ختام السورة

( في ختام السورة )

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴿٤۸﴾ لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ﴿٤۹﴾ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿٥۰﴾ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴿٥۱﴾ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴿٥۲

ما موضوع هذا الفصل، وما هي مناسبته لمقصد السورة؟

ليس في هذا الموضع وفي هذا الظرف ختام أحلى من هذا الختام، وهو ختام تسلية وتثبيت، وهذا فيه دليل على الشدة التي كانت تعتري النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأثناء بسبب أذى قومه له، والضيق الذي نزل به بأبي هو وأمي لأجل أن يبلغ الرسالة، وليس هذا قاصرا على النبي صلى الله عليه وسلم بل هو سنة ورثة الأنبياء كلهم من بعده، فالآية تخاطبه خطابا مباشرا وتخاطب ورثته من بعده خطابا مستمرا على مدى حياة الدعوة إلى أن تقوم الساعة، ولأجل هذا افتتح المقطع بأمره صلى الله عليه وسلم بالصبر، فالصبر مفتاح الخير كله

ما مناسبة ذكر صاحب الحوت هنا؟

صاحب الحوت هو يونس عليه السلام، وما جرى معه أنه غضب من تكذيب قومه له وظن أنه في سعة أمره أن يخرج دون أن يستأذن الله في ذلك، فابتلعه الحوت ومكث في بطنه ثم إنه كان المسبحين فكشف الله عنه البلاء ونجاه، فجاء الحديث عنه هنا لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من أن يضيق صدره من تكذيب قومه فيدفعه إلى تركهم أو ما شابه، كما فعل يونس عليه السلام، فهي تسليه وتثبته في دروب الدعوة إلى التوحيد.

ومما يلفت النظر في سياق القصة: ذكر النعمة ( لولا أن تداركه نعمة من ربه ) فجيء بقصة صاحب الحوت عليه السلام ليلفت الأنظار إلى نعمة الله عليه في سلسلة من الأمور:

ابتداء بتوفيقه للدعاء

ثم إنجائه من بطن الحوت

ثم في اصطفائه واختياره وجعله من الصالحين وإرساله مرة أخرى.

وتأمل ذكر النعمة منكرة للإشارة إلى عظم هذه النعمة، وتأمل ذكر كلمة الرب الممتدة على طول هذه السورة.

ما مناسبة ذكر إزلاق الكافرين للنبي صلى الله عليه وسلم في ختام السورة؟

هذا فيه رد العجز على الصدر، فكما أن الآية بدأت بنفي الجنون ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) عادت هنا مرة أخرى لذكر قالتهم الشنيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مجنون ( ويقولون إنه لمجنون )، ويزلقونك بأبصارهم: أي ينظرون إليك نظرا شديدا يكاد أن يصرعك أو يسقطك من مكانك لشدة إبغاضهم وعداوتهم.

وربطت هذه العداوة وهذا الغيظ بوقت تلاوته القرآن ( لما سمعوا الذكر )، فكان هذا الغيظ وهذه الكراهية هي الداعي لهم لوصفه بالجنون، وليس دليلا عقليا أو نقليا يستندون إليه.

وختمت السورة برد هادئ حاسم: وما هو إلا ذكر للعالمين، أي لا يدركه ولا يتعاطاه إلا من هو أكمل الناس عقلا وأمتنهم رأيا.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر توجيه الذكر للعالمين؟

ختام هذه السورة بالكلام عن القرآن فيه عودة على أولها: ففي أولها قال ( بنعمة ) أي بالقرآن، وهنا ختم بالحديث عن الذكر وهو القرآن، لكن مسك الختام كان بالحديث على القرآن كذكر للعالمين، تأمل أن الرسالة تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة حين يصفه قومه بالجنون، لتقول له: ستكون دعوتك هذه دعوة عالمية للناس جميعا، هذا أمر لا يقدر عليه إلا من يكتب التاريخ ويتحكم في سيرورته، وأي بلسم وتثبيت وبشرى مثل هذه: أن رسالتك هذه ستكون رسالة – لا للناس فقط – وإنما للعالمين جميعا.

 

 

 

Map Shot 1

 

Map Shot 2

 

Map Shot 3

 

Map Shot 4

 

Map Shot 5

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved