في المدافعة
في المدافعة
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ(38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41)
ما هو موضوع هذا الفصل وما هي علاقته بمقصد السورة؟
هذا الفصل يأتي جوابا لسؤال يخطر في بال القارئ المتدبر عندما يقرأ قوله تعالى (هذان خصمان اختصموا في ربهم)، ويقرأ قوله تعالى (وإن أصابته فتنة)، وقوله تعالى (ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام)، وقوله تعالى (والصابرين على أصابهم)، هنا يطرأ سؤال عن تصرف الله عز وجل مع الخصوم في الدنيا، لأن المقاطع السابقة بينت عاقبتهم في الآخرة خاصة الفصل الأول، ويبقى السؤال عن فعل الله عز وجل معهم في الدنيا، خاصة وقد سبق أنه على كل شيء قدير، وأنه الحق، فجاءت هذه الآيات لتطمئن المؤمنين بأن الله معهم يدافع عنهم مهما بدا الأمر بعكس ذلك، بل ويبشرهم بالنصر والتمكين إن هم انتصروا لما أصابهم من ضر وإخراج من ديارهم لا لشيء إلا أن يقولوا ربنا الله.
ويشبه أن يكون الكلام هنا شرحا وبيانا لقوله تعالى سابقا ( من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة )، فجاء الجواب هنا عن النصر في الدنيا.
والذي يبدو من السياق أنه كان عقب الهجرة بوقت قليل حيث عانى المسلمون من إخراجهم من دورهم وأهلهم وعانوا طويلا من أذى المشركين حتى استبطأوا النصر، فجاءت هذه الآيات بلسما شافيا تبين لهم.
ما مناسبة افتتاح الكلام ههنا بالآية الأولى؟
الآية الأولى جملتان مؤكدتان بحرف التوكيد ليفيدي معنيين:
الأول: تحقيق الوقوع
الثاني: تعريض بمن يشك أو يتردد في أن الله سينصره أو في من استبطأ النصر.
والثانية في معرض بيان سبب الأولى، فإن الأولى بشارة لهم بأن الله يدفع عنهم أذى الخصوم الكافرين، وسبب هذا الدفع أن الله لا يحب هؤلاء الخونة شديدي الكفر، وسماهم خونة لأنه الكفر خيانة لعهد الله الذي أخذه على المخلوقات بأن يوحدوه وجعله في الفطرة وأبلغه للناس على لسان الرسل، فلأجل أنه لا يحبهم دافع عن المؤمنين.
ما مناسبة الآية التالية ( أذن للذين يقاتلون .. )؟
هذا فيه بيان لأمرين:
الأول: ماهية المدافعة عن المؤمنين: وهي الإذن لهم بالقتال.
الثاني: سبب الإذن هذا وهو رفع الظلم الواقع عليهم.
ثم عادت الآية لتطمئن المؤمنين الذين أجابوا نداء القتال بأن الله ناصرهم وأنه قادر على إنفاذ وعده لهم بالنصر، فلم تترك الآيات المؤمنين للفتنة إلا ريثما يستعدون للمقاومة ويتهيأون للدفاع ويتمكنون من وسائل الجهاد، وعندئذ أذن لهم في القتال فالله لم يشأ أن يترك الإيمان أعزلا لا شوكة له تدفع الشر والباطل، فإن القوة المادية التي يملكها الباطل قد تزلزل القلوب وتفتن النفوس وتزيغ الفطر، والله أعلم بقلوب العباد ونفوسهم وما يصلح لهم وما يصلحهم.
فقبل أن يأذن لهم بالانطلاق إلى المعركة آذنهم أنه سيتولى هو بنفسه الدفاع عنهم، وأن لهم أن يطمئنوا إلى حماية الله لهم ونصره إياهم.
ما مناسبة الآية التالية ( الذين أخرجوا من ديارهم ..)؟
هذا فيه بيان للظلم الواقع على المؤمنين وهو: إخراجهم من ديارهم لا لشيء إلا لأنهم آمنوا بالله،
ما مناسبة الحديث عن الأعمال المطلوبة من المتمكنين بعدها؟
هذا الكلام في هذا الموضع فيه معنيين:
الأول: بشارة لهم بأن سيكون لهم تمكين ونصر في الدنيا، وهذا على معنى كون الجملة بدلا من (الذين أخرجوا من ديارهم).
الثاني: تنبيه لهم بما يجب عليهم إن مكنهم الله في الأرض، وهذا من موجبات التعظيم لله ولأمره ولحرماته، وهذا شرط لاستدامة النصر وزيادته، وهذا على معنى كونها بدلا من جملة ( ولينصرن الله من ينصره).
وذيلت الآية بجملة عجيبة (ولله عاقبة الأمور)، معطوفة على قوله تعالى (ولينصرن الله من ينصره)، أو على جملة (إن الله لقوي عزيز)، والمعنى واحد وهو تحقيق وعد النصر فإن القوي العزيز لا يعجز عن النصر وهو يملك عاقبة الأمر كله وهو المتحكم بسيرورة الأحداث وهو الذي يدبر الأمر حقيقة.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved