(سنة التكذيب الماضية في الأمم)

 (سنة التكذيب الماضية في الأمم)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (32) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44) ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)

ما مناسبة هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة؟

انتقل هنا إلى ذكر حقيقة الإيمان كما جاءت بها الرسل بعد الحديث عن دلائل الإيمان الظاهرة في الأنفس والآفاق

كل ما سبق هذا المقطع جاء توطئة وتهيئة له، وقد جاء هذا المقطع ليقرر الحقيقة التالية: سنة التكذيب سنة ماضية في الأمم ابتدأت مع قوم نوح وتكذيب قومه له واتهامه بحب التفضل وبالجنون، مرورا بأمم أخرى اتهموا أنبياءهم بالكذب وسخروا منهم حين جاؤوا بالحديث عن البعث وكان للمترفين الكفل الأكبر من هذا التكذيب، وصولا إلى فرعون في تكذيبه لموسى ثم بني إسرائيل لتكذيبهم عيسى عليه السلام، وما قريش منهم ببعيد ولذلك جمعوا لك يا محمد كل ما سبق من أنواع التكذيب والاتهامات سيرا على سنن الذين من قبلهم فلا تحزن ولا تيأس واعلم أنها سنن جارية في خلقنا ( كل حزب بما لديهم فرحون ).

ويكاد أن يكون الغرض من هذا المقطع موجودا في قوله تعالى: {إن في ذلك} أي الأمر العظيم الذي ذكر من أمر نوح وقومه وكذا ما هو مهاد له {لآيات} أي علامات دالات على صدق الأنبياء في أن المؤمنين هم المفلحون، وأنهم الوارثون للأرض بعد الظالمين وإن عظمت شوكتهم، واشتدت صولتهم {وإن كنا لمبتلين} أي فاعلين فعل المختبر لعبادنا بإرسال الرسل ليظهر في عالم الشهادة الصالحُ منهم من غيره، ثم نبتلي الصالحين منهم بما يزيد حسناتهم، وينقص سيئاتهم، ويعلي درجاتهم، ثم نجعل لهم العاقبة فنبلي بهم الظالمين بما يوجب دمارهم، ويخرب ديارهم، ويمحو آثارهم، وجعلناهم غثاء، ونجينا رسولهم ومن معه من المؤمنين، فخاب الكافرون، وأفلح المؤمنون، وكانوا هم الوارثين للأرض من بعدهم.

 هذه عادتنا المستمرة إلى أن نرث الأرض ومن عليها فيكون البلاء المبين،

وتأمل ما تفعل قراءة مثل هذه الآيات وتأملها وتدبرها في نفوس الدعاة إلى الله وما تبثه فيها من ثبات ويقين.

من اللطائف انه ورد في سورتي الانبياء  والمؤمنون قوله

( وإن هذه أمتكم أمة واحدة )

والجميل أن سورة الحج توسطت السورتين وهي سورة يتجلى فيها مشهد وحدة الأمة ( الحج )


ومن اللافت للنظر في سورة الرسول المبهم الذكر الدور الخطير الذي يلعبه أهل الترف والمصالح في الصد عن سبيل الله ورفع راية ذلك الصد من خلال محاولة إقناع القوم بكذب النبي بإطلاق سيل من المغالطات لأجل الصد عن سبيل الله.

ما مناسبة أمر الله لنوح بدعاء ( الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ) ؟

سيأتي لاحقا في السورة أمر الله عز وجل لنبيه ( رب فلا تجعلني في القوم الظالمين ) وفي تقدم هذا الأمر لنوح على أمر الله عز وجل لنبيه بشارة له وللمؤمنين معهم بأن الله منجيهم مما يريد بالكافرين من عذاب إن أتاهم.

ما مناسبة ذكر أقوام أخر جرى منهم نفس ما جرى من قوم نوح بنفس الألفاظ تقريبا بعد ذكر قصة نوح ؟

لما بين سبحانه وتعالى تكذيب قوم نوح وما عذبهم به، وكان القياس موجباً لأن من يأتي يعدهم يخشى مثل مصرعهم، فيسلك غير سبيلهم، ويقول غير قيلهم، بين أنه لم تنفعهم العبرة، فارتكبوا مثل أحوالهم، وزادوا على أقوالهم وأفعالهم، ليبين أن سنة التكذيب سنة ماضية على الرغم من ظهور الآيات القاطعات على صدق المرسلين وعاقبة المكذبين.

ما سبب إبهام ذكر هؤلاء الأقوام بعد نوح؟

لما كان المقصود – مع التهديد والدلالة على القدرة والاختيار – الدلالة على تخصيص المؤمنين بالفلاح والبقاء بعد الأعداء، وكان إهلاك المترفين أدل على ذلك، اقتصر على ذكرهم وأبهمهم ليصح تنزيل قصتهم على كل من ادعى فيهم الإتراف من الكفرة، بين نوح وموسى وأن العبرة بالأفعال لا بالأشخاص والمسميات.

ما دلالة الإتيان بالواو في قوله ( وقال الملأ من قومه الذين .. ) ؟

لما كان الكلام استمرارا لما سبق من الحديث عن التكذيب وكان التقدير: فلم يؤمنوا ولم يتقوا وساروا على نهج قوم نوح عطف القول عليهم مشيرا إلى تقدير سؤال: ما كان جوابهم إذ جاءهم رسول بعد أن رأوا ما حل بقوم نوح؟

وهذا التقدير أبلغ في التسلية من الأولى المبتدئة وفيه إشارة أيضا إلى الاستمرارية في الكلام واتصال بعضه ببعض.

ما مناسبة طي ذكر من بعدهم من الأقوام؟

ذكر الله تعالى أقواما في قوله ( ثم أرسلنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث ) فطوى الإخبار عمن بعدهم بغير التكذيب والإهلاك لعدم الحاجة إلى ذكر شيء غيره، فهو العبرة والغاية.

ما مناسبة قوله تعالى : ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون؟

في هذا جواب على استعجال المشركين للعذاب فإن عادة المكذبين أن يقولوا تكذيباً: هذا تعريض لنا بالهلاك، فصرِّح ولا تدع جهداً في إحلاله بنا والتعجيل به إلينا، فإنا لا ندع ما نحن عليه لشيء، ثم أخبر بأنه لم يعجل على أحد منهم قبل الأجل الذي حده له

ما مناسبة ذكر الإيواء خاصة مع عيسى وأمه عليهما السلام؟

ذكر الإيواء هنا يشير إلى أمرين:

الأول: إشارة إلى الحياطة والرعاية والعناية والإنجاء، فعيسى عليه السلام ولد ضعيفا من غير عشيرة تحميه، ولم يقدر من خالفه من الملوك وغيرهم على كثرتهم وقوتهم على قتله لا في حال صغره، ولا في حال كبره، كما مضى نقله عن الإنجيل وصدقة عليه القرآن، مع كونه مظنة لتناهي الضعف بكونه، من أنثى فقط ولا ناصر له إلا الله، ومع ذلك فأنجح الله أمره وأمر من اتبعه، وخيب به الكافرين، ورفعه إليه ليؤيد به هذا الدين في آخر الزمان، ويكون للمؤمنين حينئذ فلاح لم يتقدمه مثله، وكان ذلك من إحسان خالقه ونعمته عليه، وبشرى لمن بعده من المؤمنين بأن الله حافظهم مهما بلغوا من الضعف حتى يستقيم أمرهم.

الثاني: الإشارة إلى التوحيد والتدليل عليه وأن عيسى عليه السلام وأمه عليها السلام بشرين محتاجين إلى العناية الإلهية، إنجاء من المعتدين ورعاية في شؤون حياتهما من الطعام والشراب وهذا ما أشارت إلهي كلمة ( معين ) أي ماء ظاهر للعين ونافع كالماعون وفي هذا تأكيد واستمرار لمعنى التوحيد المتكرر في هذه السورة مرارا.

ما مناسبة أمر الرسل بالأكل من الطيبات؟

ورد في أول السورة ذكر النعم المتعلقة بالأكل

( منها تأكلون ، للآكلين . ومنها تأكلون )

ثم جاء استنكار القوم أن هذه الرسل بشر تأكل الطعام ( ن هذا الا بشر مثلكم يأكل .. ويشرب )

لذلك قال تعالى ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ) تبكيتا للمكذبين وإعلاما لهم بأن ما تذرعتم به من بشرية الرسل لتكذيبهم، مقدمة لا تستلزم تكذيبهم فإنهم أصلا لم يدعوا غير ذلك ولم يثبت لهم الله عز وجل سوى أنهم بشر.

ما مناسبة ذكر الأكل من الطيبات والعمل الصالح؟ وما مناسبتها لموضوع المقطع؟

. ودل سبحانه على أن الحلال عون على الطاعة بقوله: {واعملوا صالحاً} أي سراً وجهراً غير خائفين من أحد، فقد أهلكت عدوكم وأورثتكم أرضكم، ولم يقيد عملكم بشكر ولا غيره، إشارة إلى أنه لوجهه ليس غير، فإنهم دائماً في مقام الشهود، في حضرة المعبود، والغنى عن كل سوى حتى عن الغنى، ثم حثهم على دوام المراقبة بقوله: {إني بما} أي بكل شيء {تعملون عليم*} أي بالغ العلم ، وكل هذا متسق مع ما فات من الحديث عن عيسى عليه السلام وعناية الله البالغة له.

 

Map Shot 1

 

Map Shot 2

 

 

 

Map Shot 4

 

Map Shot 5

 

Map Shot 6

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved