(ختاماً)
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
ما هو مقصد هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة وما هي الرسالة التي يحملها؟
هذا المقطع جاء في ختام السورة ومجيؤه دون حرف يعطف للدلالة على أن هذا الكلام إنما هو نتيجة لما سبقه من الكلام، فقد سبق الكلام عن البعث وإثباته بإجمال ثم فصل الكلام ههنا.
وقد ذكر الله فيه فريقا من المرحومين على وجه الإجمال ثم قابله بفريق من المعذبين وهم المشركون ووصف بعض أصناف عذابهم، ردعا وزجرا وتوعدا وتفظيعا لما سيصيبهم من العذاب الأزلي نتيجة شكهم، ثم فصل في حال المنعمين كما فصل في حال المعذبين.
وجاءت آخر آيتين في السورة فذلكة لها، أي إجمال واختصار لأغراضها بعد تفصيلها فيما مضى استحضارا لتلك الأغراض وبيانا للأسباب والنتائج المترتبة عليها.
فكما بدأت الآيات بالحديث عن القرآن انتهت كذلك بالحديث عنه فالضمير في قوله ( يسرناه ) عائد على القرآن، وهذا من رد العجز على الصدر، ومعنى الآيات: أننا جعلناه بلغة عربية ليعقلوه فذكرهم به ولا تسأم لعنادهم فيه ودم على ذلك حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، فارتقب هذا النصر الذي سألته بأن يعينك الله عليهم بسني القحط فإنهم لاقون ذلك في البطشة الكبرى وأشد منه في عذاب الآخرة.
وقد ذكر الزمان في المطلع وذكر اللسان في المقطع، كما أن فيه عودة على ما ذكر في سورة الزخرف ( إنا جعلناه قرآنا عربيا ) وهذا ما يؤكد على أن الدخان إنما هي امتداد للزخرف
ما مناسبة التعقيب بالعزيز الرحيم؟
جاءت هاتان الصفتان لتشملا من سبق ذكره من ضرب الأمثال، فعاد العزيز على قوله تعالى ( واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون ) وكان هذا التصرف في حال فرعون وقومه، وعاد الرحيم على قوله تعالى ( ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين ) وكان هذا التصرف في حال موسى وقومه، وكذلك تعود العزيز إلى قوله تعالى ( إنا كنا منذرين )، وتعود الرحيم إلى قوله ( إنا كنا مرسلين رحمة من ربك ).
ليس هذا فحسب، بل وطئت ( العزيز الرحيم ) لما سيأتي بعدها، فوطئت العزيز لقوله تعالى ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم )، ووطئت الرحيم لقوله تعالى ( إن المتقين في مقام أمين ).
ما مناسبة استخدام كلمة ( يوم الفصل ) في الحديث عن اليوم الآخر دون غيرها من الألفاظ؟
من المناسبات التي يمكن التوصل إليها، أن الله عز وجل أراد في هذا الموضع إظهار الفصل في ذلك اليوم خاصة وأنه أتبع بالحديث عن الفصل بين الموالي والتفريق بينهم ( يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا )، وفي مثل هذه المواضع يحسن بنا أن نسأل عن الرسالة من وراء استخدام هذا اللفظ في هذه الموضع، بدلا من السؤال عن سبب استخدامه في الأصل وهل يصلح غيره مكانه، لأن هذا اللفظ بخصوصه يحمل دلالة معينة يريدها الله لا يناسبها سواها.
كما أن من المناسبات ذكر صور العذاب مسلطة على الفرد، وهذه الصورة الفردية يراد منها التركيز على انفصاله عن غيره من المشركين، فهو ( أثيم )، يغلي المهل في بطنه وحده، ويقاد وحده قودا شديدا، ويصب فوق رأسه الحميم، ويسخر منه ويستهزأ به.
ما مناسبة تقديم ذكر العذاب على ذكر النعيم في هذه السورة؟
سبق الحديث على أن مقصد سورة الدخان هو ( تهديد الشاكين اللاعبين )، والسورة ممتلئة غضبا وتهديدا، فناسب أن يتقدم ذكر العذاب فيها على ذكر النعيم.
ما مناسبة التذييل بقوله ( إن هذا ما كنتم به تمترون )؟
في هذه الجملة عودة إلى قوله تعالى في أول آية بعد المطلع ( بل هم في شك يلعبون ) فإن المراء هو الشك الناتج عن اللجاجة والسخرية وعدم الاكتراث وعدم التدبر، لا عن نقص في الدليل ولا غموض فيه.
كما نلاحظ أن الخطاب انتقل في هذه الفاصلة إلى الحديث الجماعي بعد أن كان الحديث عن الفرد، وفيها تجديد لنشاط القارئ وإبعاد الملل الذي قد ينشأ عن سلوك سبيل واحد، كما أن فيها أمرا معنويا جليلا وهو رسالة تحملها للملأ تقول لهم: قد بينا لكم صورة مفردة لعذاب كل واحد منكم فاحذروا من موضع اللعب والامتراء موضع الجد والاهتمام.
ما مناسبة ترتيب أصناف النعيم في هذه السورة؟
جاء ترتيب الأصناف على الشكل التالي:
المسكن
الملبس
القرين
الفاكهة..
وجاءت الأخيرة دعوة مفتوحة على المستقبل لكل ما يستطاب ويتفكه به، وهذا فيه تدرج لمعاني النعيم من أحسن ما يكون.
ما وجه الاستثناء في قوله ( إلا الموتة الأولى ) مع أنه لا موتة أولى في الجنة؟
أصل المعنى أن تختم النعم بانعدام الخوف من ذهاب هذه اللذات، وأصل الكلام أن يقال ( لا يذوقون فيها الموت البتة ) لأنها علقت ذوقهم الموت فيها على المحال وهو أن تعود الموتة أولى، وعودة ما قد سلف محال.
ما وجه قوله تعالى ( ووقاهم عذاب الجحيم ) مع أن الوقاية من عذاب الجحيم ظاهرة في ما سبق من الكلام عن النعيم؟
جاءت هذه العبارة لتؤكد معناها الذي سبق أن دل الكلام عليه، فالمعنى ذكر مرتين مرة كانت الدلالة عليه بسياق الكلام، والأخرى كان بدلالة ظاهرة، ومثل هذا مستخدم في التأكيد، فهذه الجملة متقدمة في المعنى متأخرة في اللفظ، وهي لا تؤسس لمعنى لأن المعنى سبق ظهوره، ولكنه تؤكده وتلفت النظر إليه إذ أن الوقاية من عذاب الجحيم هي الغاية الأسمى التي يريدها هؤلاء المتقون.
ما مناسبة قوله تعالى ( فضلا من ربك )؟
جاءت هذه الجملة مشابهة لجمل ( رحمة من ربك ) في أول السورة، ولم يفصل بينهما بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا في قوله ( فارتقب )، وكأن الجمل تقول لك: إن مما فرق في هذه الليلة المباركة وقايتهم من عذاق الجحيم وإقامتهم في المقام الأمين وإكرام الله لهم في الفضل في الآخرة وكل ذلك إنما هو من ( ربك ).
وعند هذه الجملة بدأ المعنى يغير اتجاهه، وجاء بعدها كلام مستأنف، يختصر معاني السورة القديمةَ، وهذا الاستئناف له غاية وهدف، وهو بيان قدر المعنى السابق وأنه الفوز العظيم الذي لا فوز أعظم من وأنه هو الغاية التي يسعى نحوها المؤمنون بالغيب من أول ما خلق الله خلقه.
ما مناسبة قوله ( فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ) ؟
في الآية تعريض بهم وتوبيخ وتقريع فكأنها تقول: كيف يشكون ويلعبون في هذا الخبر العظيم المهم وقد عرفوه حق المعرفة كونه بلغتهم التي يعرفونها حق المعرفة.
ونسب اللسان له صلى الله عليه وسلم مناسب لما سبق من نسبة الرب إليه في قوله ( ربك ) مرتين مضتا في السورة.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved