بين المشركين وأهل الكتاب

( مقارنة بين أهل الكتاب والمشركين )

وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)

ما موضوع هذا المقطع وما هي مناسبته لما قبله وما هي مناسبته لمقصد السورة؟

في هذا المقطع بدأ الحديث والتجهيز عن الابتلاءات الجديدة التي سيواجهها المسلمون، ولكنها ابتلاءات من نوع جديد، ولذلك يستطيع القارئ بأن يشعر بأن السياق قد بدأ بالتغير هنا، وقد يظن كذلك القارئ المتعجل أن لا رابطة للكلام هنا بما قبله، خاصة إن كان يقرأ السورة أوزاعا، أما لو استحضر القارئ ما قبل هذا الكلام والحال التي نزلت فيه السورة اتضحت لديه المناسبة كما ذكرنا سابقا.

إذا ابتدأ الكلام هنا عن التجهيز لابتلاءات من نوع جديد ابتلاء الهجرة وما سيلاقونه فيها، خاصة وجود أهل الكتاب، ولم يكن المسلمون يعلمون مكان هجرتهم، لكن مجرد حديث الآيات عن أهل الكتاب فيه إشارة لهم بانتقالهم إلى مكان فيه أهل كتاب، وهذا سيكون حكما خارج مكة.

وهذا وجه من أوجه الإعجاز في القرآن وهو الإخبار بما سيكون من أخبار الغيب التي لا يستطيع أحد أن يتبأ بها.

ما مناسبة البداية بقوله ولا تجادلوا في قضية التبشير بالهجرة؟

فيه إشارة لما سيكون من التحديات والابتلاءات في المرحلة القادمة ، وإذا عرف الإنسان هذا استعد له وتجهز وهان عليه ما سيأتيه.

وقد نبههم القرآن سلفا إلى أنهم سيواجهون نوعين من أهل الكتاب:

الأول: من يريد جدالا بالحسنى

الثاني: الذين ظلموا

وفي هذا تهيئة وتوطئة لهم لما سيأتي بعد ذلك من تحديات وابتلاءات من نوع جديد حتى يكونوا في غاية الاستعداد للمرحلة القادمة.

ما مناسبة الوصاية بالحسنى في مجادلة أهل الكتاب؟

أهل الكتاب مؤمنون بالله أولا فهم متأهلون لقبول الإسلام، وهم عندهم علامات عرفوا بها النبي صلى الله عليه وسلم ثانيا، فقبول الإسلام عندهم أقرب، بخلاف المشركين الذين ظهر من القسم الأول في السورة صلفهم وجلافتهم وتكبرهم عن أدلة التوحيد، كما سيأتي الحديث عن هذا الأمر لاحقا أيضا.

وهكذا ينبغي أن يكون الحال في ابتداء الكلام معهم، رجاء الاهتداء من طريق اللين فإن قابلوا الحسنى بضدها انتقل الحكم إلى الاستثناء ( إلا الذين ظلموا منهم ).

وقد كان يهود قبل هجرة المسلمين مسالمين للإسلام ويعتقدون أن محمدا رسول الأميين كما جاء في حديث ابن صياد، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وبدأ يدعوهم أخذوا يتنكرون للإسلام.

ونلاحظ هنا كيف أن الإسلام دين الواقعية فلا هو دين رخو معطل ولا هو دين صلب متشدد، ولا غرو فهو دين الله عز وجل ينزل اللين في مكانه وينزل الشدة في مكانها.

ما مناسبة قوله بعدها: وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وإليكم.. إلى آخر الآية؟

هذا تفصيل في الدعوة بالتي هي أحسن، وهي تحرير نقاط الاتفاق والاختلاف، حتى ننطلق من نقاط الاتفاق إلى الحديث عن نقاط الاختلاف،

ما المراد بقوله ونحن له مسلمون؟

المقصود بقوله نحن له مسلمون أي جميعا اليهود والمسلمين، فيكون الإسلام هنا هو إسلام الوجه لله أي عدم الإشراك به،

ما تفسير التي هي أحسن؟ وما تفسير إلا الذين ظلموا؟

التي هي أحسن: من قبل الجلوس والنقاش أكثر المفسرين

الآخرين: لم يقبلوا النقاش ولا الدعوة أصلا وطلبوا الجزية أو القتال.

واختار البعض تفسيرا آخر:

التي هي أحسن: من يرجى قبوله للكلام

إلا الذين ظلموا: أي الذين يدخلون النقاشات لمجرد إلقاء الشبهات والسخرية.

قول ثالث:

التي هي أحسن: الذين أسلموا

إلا الذين ظلموا : أصروا على عدم الإسلام

ما هي التي أحسن؟

الطبري على الكلام الزمخشري على الوسيلة

الطبري الجميل من القول ( وهو الدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه )

الزمخشري: مقابلة الخشونة باللين.

والاثنين مطلوبين: ( القول والطريقة )

ما مناسبة وقولوا؟

هذه فيها إرشاد إلى الانطلاق من نقطة في الجدال تكون مشتركة بين الطرفين، وفيه أيضا إشارة إلى محاولة تقريب وجهات النظر وهذه إحدى معاني المجادلة بالحسنى، فليس الهدف الغلبة والشقاق ولكن الهدف جلب أهل الكتاب إلى الدين الحق بالحسنى.

ما مناسبة قوله تعالى بعد ذلك وكذلك أنزلنا إليك الكتاب..؟

نلاحظ أولا أن كل ما جاء بعد هذه الآية وحتى قوله تعالى ( أولئك هم الخاسرون ) هو حديث عن القرآن، سواء في إثبات أنه من عند الله في النقطة الأولى، أو في قيامه مقام الآيات الحسية الظاهرة في النقطة الثانية، والذي يظهر أن في هذا إرشادا لهذه الأمة بالاعتماد على القرآن فيما أمرت به في أول المقطع من مجادلة أهل الكتاب، سواء بالاعتماد عليه من ناحية المواضيع، أو طريقة الجدال، كما أن فيه إشارة إلى جعل القرآن هو محور الاهتمام في دار الهجرة الجديدة في مقابل أهل الكتاب.

والمراد من هذه الآية واضح في ختامها، وهو قوله تعالى ( وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون )، فبعد الحديث عن مجادلة أهل الكتاب باللي هي أحسن، جاءت هذه الآية تحمل الرسالة التالية:

ومثل هذا التنزيل البديع أنزلنا إليك الكتاب العزيز، الذي يؤمن به بعض أهل الكتاب ممن تغلب على استكباره وحسده، والذي أيضا من أهل مكة من يعلم أنه الحق، ولكن كلا الطرفين ممن كذب به من أهل الكتاب أو من أهل مكة إنما تنكبوه جحودا وإعراضا.

والجحود هنا موجه للكافرين ابتداء لأن جحودهم واقع، وفيه تهيئة لتوجهه إلى من سيجحد من أهل الكتاب لاحقا.

ما تفسير من وهؤلاء؟

ومن هؤلاء:فيها قولان:

الأول: يعني اليهود إبان بعثة النبي صلى الله، ويكون المعنى:

فالذين آتينهم الكتاب من قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يجدون نعته في كتبهم فيصدقونه والذين جاؤوا بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كذلك يؤمنون به ويصدقونه كما صدق به من كان قبلهم

الثاني: فالذين آتيناهم الكتاب في وقت البعثة يؤمنون به ومن هؤلاء المشركين في مكة من سيؤمن به من عتاة الكفر كأبي سفيان رضي الله عنه، أو من يؤمن به يعني أنه يعلم أن محمدا على الحق ولكنه جحد كفرا وإعراضا.

والذي يظهر أن المراد بهؤلاء: هم أهل مكة، وأن المراد بقوله من يؤمن به:

سواء من آمن وأعلن إيمانه: وفي هذا إغراء لأهل الكتاب باتباع هؤلاء

أو من آمن ولم يعلن إيمانه وجحد كفرا وعنادا: وكأنه يحذر أهل الكتاب من أن يكونوا مثل هؤلاء.

ما مناسبة قوله لاحقا وما كنت تتلو؟

هذه هي النقطة الأولى من نقطتين تحدثت عنها الآيات:

الأولى: الحديث عن أمية النبي صلى الله عليه وسلم.

الثانية: الاكتفاء بالقرآن عن طلب الآيات الحسية.

وملمح الجحود والعناد ظاهر في كلتيهما، والذي يظهر أن فيها مناسبات:

منها: أنها جاءت وكأنها بيان وشرح لما سبقها من قول الله تعالى ( وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون )، فلما سبقها حديث عن القرآن وأنه أنزل إليك كما أنزل على من قبلك، وأن بعض الناس آمنوا به، وإنما كفر به من كفر جحودا وإعراضا ساق القرآن مثالين يبين فيها جحود وإعراض من كفر، سواء كان من أهل مكة أو من أهل الكتاب.

ومنها: أنها تعريض بأهل الكتاب، يحمل الرسالة التالية: إياكم أن تكفروا بهذا الكتاب، ولا يدفعنكم جحودكم وإعراضكم أن لا تؤمنوا به، إذ قد آمن به بعضك منكم، وبعض من أهل مكة، خاصة مع ظهور البينات على صدقه، ألم تروا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبله أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يخالط أهل حضارة قبله فيتهم بأنه أتى به من عندهم، ثم جاء به كاملا معجزا على هذا الوجه، يحفظه الناس في صدورهم، وقد وجدتم صفته أميا في كتبكم كما قال عز وجل ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾، ووري أنه مما جاء في كتبهم من صفات الصحابة ( صدورهم أناجيلهم )

كما وإياكم أن تتعنتوا كما فعل أهل مكة حين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم دلائل حسية على صدقه، ليس بغرض التأكد من صحة دعواه، إذ لو كان الأمر كذلك لاكتفوا بهذا القرآن المعجز دليلا على صدقه، خاصة وقد عرفوه من قبل لا يقرأ ولا يكتب، ولو كانوا يريدون فعلا ما يثبت صحة دعواه لاكتفوا بهذا القرآن الذي ما أنزلناه إلا رحمة وهدى، لا لأي أحد ولكن لمن آمن به وصدق به.

ومنها: أن القرآن آيات بينات في صدور الأمة، وذكروا عن الطبراني ( أناجيلهم في صدورهم )، بعكس الأمم السابقة قلة كانوا يحفظونه وإنما كانوا يقرؤونه من كتبهم فحسب.

ما هو الأجل المسى في قوله تعالى: ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب؟

الأول: جهنم لأن الله قدر أن يؤجل عذاب هذه الأمة ليوم القيامة .

الثاني: عذاب بدر أو فتح مكة.

والذي يظهر أن مثل هذا العموم يشمل الأمرين فإن من قضى في بدر أو فتح مكة فقد قامت قيامته، وورد العذاب، وعذاب الآخرة أشد وأبقى، فلا يمنع أن يشمل أي موعد يأخذ الله به أهل الكفر.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها تكرار العذاب ثلاث مرات؟

تكرار كلمة العذاب ثلاث مرات في هذا الموضع القصير فيه شدة تخويف وتهديد لهم، خاصة أنه مضى زمن طويل ولم يستجب منهم أحد، وفوق هذا كله يسخرون من النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الطلبات، ومن عادة القرآن أنه في مواضع الجحود والسخرية والنكران الظاهر، لا يناقش ولا يعرض حجة بل ينتقل إلى التخويف والتهديد لأن الموضع لا يحتاج مزيد بيان، فالدافع ليس شبهة أو جهل، بل هو الجحود والعناد والاستكبار.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها وصف القرآن بأنه: يتلى عليهم؟

هذا الوصف فما بعده فيه إشارة إلى مجموعة من النعم في هذا القرآن:

منها: كونه مما يتلى أي يعرف بالتفكر وهذا أرفع وأعلى حالا من المعجزات الحسية المرئية، لإن إدراكه عمل فكري وهو أعلى من العمل الحسي، خاصة أنه من الممكن أن يصل إلى الأجيال القادمة يهتدوا بنوره بعكس المعجزات الحسية التي كانت لأهل زمن صاحبها وحسب.

ومنها: معجزة تيسير تلاوته للناس كلها.

ومنها: كونه رحمة، لكون الخلق تهتدي به وبما فيه، ونكرت الرحمة للتعظيم، أي: رحمة لا يقدر قدرها أحد.

ومنها: كونه ذكرى، فهو مشتمل على ما يتذكر به الناس أحوالهم المستقبلة وأحوال من قبلهم من الأمم، ويذكرهم بخلق الله وأمره في السموات والأرض.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها تذييل الآية بقوله: لقوم يؤمنون؟

كل ما سبق من الحديث كان عن المبطلين، والكافرين، والظالمين، ومن يجحد، ومن يرتاب، فجاءت هذه الآية لتحصر المزايا السابقة التي تم ذكرها سابقا في قوم بخصوصهم، وهم الذين فتحوا أبواب قلوبهم للإيمان بهذا القرآن العظيم، فدخلت معانيه إليها، وتشربت بها.

ما مناسبة قوله تعالى بعدها: قل كفى بالله شهيدا .. الآية؟

هذه الآية تعتبر خاتمة العقد بعد الحديث عن المبطلين الكافرين الظالمين الجاحدين المرتابين، تخوفهم وتعظهم، وتنصب المولى عز جل حكما وشهيدا بين الفريقين، لعلهم ينتهون أو يراجعوا أنفسهم فيرجعون ويهتدون، بعد أن ظهرت لهم الدلائل القاطعة.

ما مناسبة ذكر الاستعجال بالعذاب في آخر المقطع؟

هذا نوع آخر من إبطالهم وجحودهم.

 

 

 

 

Map Shot 5

 

Map Shot 6

 

 

Map Shot 7

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved