الهجرة ومخاوف الهجرة

( الهجرة ومخاوفها )

( الرزق والأمن )

يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)

ما موضوع هذا المقطع وما هي مناسبته لما قبله وما هي مناسبته لمقصد السورة؟

هذا المقطع في غاية اللطف والطمأنينة، إذ أنه جاء ليبدد مخاوف المسلمين من المرحلة الجديدة في الهجرة، وبقدر ما كانت المقدمة مباشرة وقوية، جاء الختام لطيفا مطمئنا، ليعالج مخاوف المؤمنين من الهجرة.

ولئن كان ظهور الهجرة ومعانيها فيما قبله من باب التصريح البعيد، فقد صار الحديث عنها هنا بشكل قريب جدا من الأسلوب المباشر، فزاد معنى الهجرة وضوحا في السياق هنا أكثر من ذي قبل بشكل واضح، ثم يتدرج الكلام في المعاني حتى ينتهي إلى آخر آية في السورة.

ما مناسبة الآيات الخمسة الأولى في هذا المقطع؟

والإنسان يتخوف من الهجرة لأجل ثلاثة اشياء:

الأول: قطع العلائق الاجتماعية

الثاني: الأمن

الثالث: الرزق

وقد عالج المقطع هذه الثلاثة واحدا واحدا:

الأول: حيث نسبهم إلى نفسه بقوله يا عبادي، وهذا نداء في غاية التلطف والتحبب.

الثاني: بقوله: كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون – فما بعدها- ، وكأنه يقول لهم: سواء أهاجرتم أم لم تهاجروا فسوف يدرككم الموت، ولن ينتهي الأمر عند هذا فحسب، بل سترجعون إلينا فنوفيكم أجور أعمالكم بما صبرتم وتوكلتم جنات تجري من تحتها الأنهار.

الثالث: بقوله: وكأين من دابة لا تحمل رزقها أي لا تحمل أسبابه ولكن الله يرزقها، وكما رزقها الله وهي لا تحمل رزقها فهو سيرزقكم وإن لم تحملوا معكم أسباب الرزق.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها التذييل بقوله تعالى: فإياي فاعبدون؟

هذه إشارة إلى الغرض الرئيس من الهجرة: وهو تمكينهم من إظهار التوحيد وإقامة الدين، وهذا هو المعيار في وجوب الهجرة، وفي تحديد وجهتها، فحيثما لم يستطع إقامة دينه وجبت الهجرة، ولا يهاجرن إلا إلى مكان يستطيع فيه أن يعبد الله ويقيم دينه.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر لفظ العاملين ههنا؟

هذا فيه إشارة ولفت عناية لقضية العمل، وهي الصبر على البلاء عامة، والهجرة هنا خاصة.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها وصف العاملين بأنهم: صبروا وعلى ربهم يتوكلون؟

هذا فيه إشارة إلى متطلبات المرحلة القادمة وهما:

الصبر

والتوكل

وكون الصبر من متطلبات المرحلة القادمة، هذا يعني أن المرحلة القادمة ستكون صعبة شديدة تحتاج أن يتحلى الإنسان فيها بحبس نفسه على المصاعب.

وكون التوكل من متطلبات المرحلة القادمة، هذا يعني أن المسيرة غير واضحة وليس لها خط محدد للعطاء والصبر، بل المطلوب منك أن تعطي وتبذل وتصبر، وكلما صبرت أكثر سيفتح الله لك بابا بسبب صبرك، ثم تمر بك الشدة فتتوكل فيفتح الله لك بابا وهكذا دواليك.

وكثير من الناس يفوته هذا الأمر ولا يعطي إلا إن رأى الطريق واضحة متميزة، وهذا بخلاف الصواب، فالمسلم في طريق الدعوة لا بد أن يتحلى بالتوكل على الله وتسليم الأمر له وهو يقضي فيه ما شاء.

منا مناسبة قوله تعالى ولئن سألتهم.. الآية، وما بعدها من آيتين في هذا الخصوص؟

هذه تتمة لما سبق من تطمين لهم على الرزق فكأنه يقول لهم: لا تخافوا أن تهاجروا ولا تقولوا لن نجد ما ننفق، فإن الله خو خالق هذه الأشياء، فإن من بيده تكوين الكائنات لا يعجز عن رزق البد.

ولهذا جاء في وسط هذه الآيات الثلاث تقرير قاعدة: الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له، وقد سبقها حديث عن الخلق والتسخير، وتبعها حديث عن الزرق بالماء وإحياء الأرض بعد موتها، فالآية في الأولى في الخلق والتدبير، والثانية في الرزق.

ما مناسبة قوله تعالى:قل الحمد لله؟

بعد أن جاء الحديث عن آيات الله في خلقه، جاء الأمر بالحمد على ما سبق وهما أمران فيما يظهر:

الأول: على أن الآيات الدالة على الله وتدبيره مبثوثة في الكون ظاهرة لا تخطئها العين.

الثاني: على أن الله لقنك الحجة ونصرك عليهم بها.

ما مناسبة قوله تعالى بعدها: وما هذه الحياة الدنيا .. ؟

بعد الحديث عن الرزق انتقل الكلام هنا إلى الحديث عن حقيقة هذا الرزق المحدود الذي نعتاش عليه الآن، وفي هذا بيان حقيقة هذه الدنيا للمؤمنين وكأنها تقول لهم: لا تحزنوا لأجل الدنيا ولا تهمنكم، فإنما هي عبارة بكل حذافيرها من علاقاتكم الاجتماعية وأموالكم وأنفسكم، مجرد انشغال بما لا ينفع ولا يبقى، وأما الباقي فهو الحياة الآخرة، فإنها مستمرة فيها حياة لا تنقطع، لمن كان لديه علم. +

كما أن فيها رسالة للمشركين: أن هذه الدنيا التي تركتم ولاية الله وعبادته لأجلها إنما هي لهو ولعب، وأن النعيم الذي لا ينقطع إنما هو الآخرة.

ما دلالة وصف الدار الآخرة بالحيوان؟

الحيوان مصدر على ورزن فعلان وفيه معنى الامتلاء، فهي وقت فيه حياة لا موت فيها، فالمراد هو المبالغة في كونها محلا للحياة.

ما مناسبة إيراد قصة الفلك في هذا الموضع؟

المقطع الماضي كان فيه حديث عن الرزق واستشهاد بأمثلة محسوسة على مرد الرزق لله وحده، ثم جاءت هذه الآيات لتؤكد على نفس ما أكدته الآيات السابقة لكن ليس للرزق ولكن للأمن، وتحت هذه العبارة يختبئ ما شئت من المعاني:

فمنها: تعريض بهم إذ أنهم أقروا بأن الرزق لله وأن الأمن لله بدليل أنك لو سألتهم من خلق السموات ومن أنزل لقالوا الله، ولو أنهم اضطروا في البحر لسألوا الله أن ينجيهم، الله الذي قدر لهم حرما يأمنون فيه.

ومنها: بيان تناقضهم للمؤمنين، فكيف يقرون بأن الله هو صاحب الرزق، وأنه صاحب الأمن، ثم هم يفترون على الله الكذب ويكذبون بالحق لما جاءهم.

ومنها:أن الهجرة مثل السفر في البحر كله مخاطر غير معلومة ولأجل ذلك أثنى عليهم سابقا بقوله يتوكلون.

ومنها: التأكيد على التوحيد في كلا المقطعين وهذا واضح في إقرارهم بانفراده بالصنعة في الأول، وتوجههم إليه وحده عند اضطرارهم في الثاني.

كما أن فيه عودا على معنى مهم، وهو ذات المعنى الذي تدور حوله قصة العنكبوت، وهي في مثال عملي عن انفضاض الأولياء من دون الله وعدم إغنائهم شيئا عن أتباعهم، وهؤلاء الأتباع يعرفون ذلك ففي وقت الحاجة الحقيقية والاضطرار لا يلجؤون إلا إلى الله،

ما هي المعاني التي ينتهي إليها قوله تعالى: فليتمتعوا؟

جاء فيها قراءتان:

الأولى بسكون اللام وتكون اللام للأمر، والكلمة هنا مساقة للتهديد.

الثانية بكسر اللام وتكون اللام للتعليل، أي ليتمتعوا باجتاعهم على عبادة الأصنام وتوادهم عليها.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها تقديم المسند إليه في قوله : الله يبسط الرزق؟

التقديم هنا لإفادة الاختصاص، فمثل هذا التصرف في ترتيب الجملة يفيد أن الله يبسط الرزق ولا أحد غيره يبسط ويقدر.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها استخدام الفعل بصيغة المضارع يبسط؟

هذا لإفادة تجدد البسط والقدر، فالله قيوم لا يزال قائما على خلقه يدبره.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر كلمة: فينا ههنا؟

جاءت كلمة ( فينا ) هنا لتؤكد على معنى مهم، معنى يسقط من كثير منا في منتصف الطريق، خاصة مع طول الطريق وكثرة الألم، فجاءت هذه الكلمة على قصرها في هذا الموضع لتحدد الوجهة وتبين المقصد، وتحفظ على الإنسان قلبه وقصده طول الطريق.

 

Map Shot 5

 

Map Shot 6

 

Map Shot 7

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved