المقطع الخامس: أحوال الناس في سلوك النجدين
المقطع الخامس: أحوال الناس في سلوك النجدين
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴿17﴾ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ﴿18﴾ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ﴿19﴾ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ ﴿20﴾
– ما مناسبة هذه الآيات لسياق الكلام ولمقصد السورة عموما؟
جاءت هذه الآيات لتؤكد على أهمية وجود الفرد المسلم في جماعة المسلمين، ولتنسف مفهوم التدين الفردي الذي شاع كثيرا في الآونة الأخيرة، فلا يكفي في الإيمان أن تنفق أو أن تطعم أو أن تعين، لا، لا بد بعد ذلك من التعاون والتواصي على ما سبق، ولا بد من الدعوة إلى ما يناسب الحال والمقام، كالصبر والمرحمة هنا، في مقابل قسوة الحياة وشدتها، وهذا واضح في قوله تعالى ( ثم كان من الذين ) أي لا بد للمؤمن أن يحيى ضمن جماعة المؤمنين، يتقوى بهم ويقويهم، ويكون فيهم داعية افتحام لا داعية عزيمة ومهبط طمأنينة لا مثار جزع.
– ما دلالة ثم في هذه الآيات؟
ثم لها معنيان:
الأول التراخي الزمني: فيكون المقصود قبل ثم غير المقصود بعدها ويكون المعنى في هذه الحالة: بعد أن أتى مثل هذه الأمور من المعروف آمن بالله فهذا فيه ثناء
والمعنى الثاني: التراخي الرتبي: أي أنه أطعم وأنفق ثم فوق هذا كان مؤمنا بالله ..
والمعنى الثاني هو المراد، والمقصود الحث على إعانة الضعفاء بفك الرقاب، وإطعام الجياع عندما تمس حاجة المجتمع كاملا للطعام وبالذات اليتيم القريب، والفقير الذي لا يملك شيئا، وفوق ذلك وقبله أن يكون من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة فالإيمان هو السابق والمقدم على غيره ولا يثبت عمل صالح إلا به.
2- لم عبر عن الإيمان باستخدام الاسم الموصول؟
استخدام الاسم الموصول في هذه الحالة المقصود منه الإشارة إلى شيء معين في المذكور فخصهم بذكر صفة محددة فيهم وهي الإيمان.
3- ما وجه الجمع بين التواصي بالصبر والمرحمة؟
التواصي بالصبر خاص بالفقراء والتواصي بالمرحمة خاصة بالأغنياء وهكذا تكتمل الصورة ويشمل التواصي جميع شرائح الناس.
4- ما دلالة ذكر اسم الإشارة أولئك؟
أولئك اسم إشارة يستخدم للبعيد ويفيد تشريف المشار إليه وكأنه في مرتبة عالية جدا
8- لم ذكر الميمنة بدلا من الجنة أو غير ذلك؟
ذكر الميمنة باعتبارها جهة تدل على الكرامة والبركة بعكس جهة الشمال التي تدل على عكس ما سبق وهذا ما يناسب النجدين أي الطريقين فمفترق الطرق عادة يكون يمين وشمال وهكذا.
9- لم لم يذكر العمل الصالح مع الإيمان في هذه الآية بخلاف عادته في قرن الإيمان بالأعمال الصالحة؟
هذا لأنه سبحانه وتعالى قد ذكر الأعمال الصالحة فيما سبق من الآيات في السورة (فك رقبة، إطعام في يوم ذي مسغبة) فذكر كل ما يتعلق بمكابدة المال وذكر العمل لذا كان معنى العمل واضح في الآيات.
10- ما وجه تقديم الصبر على المرحمة في الذكر؟
ذكر التواصي بالصبر أولاً ثم التواصي بالمرحمة لأنه تعالى قدّم في السورة ما يحتاج إلى الصبر من المكابدة والمشقة واقتحام العقبة والنجدين وكلها يحتاج إلى صبر ثم إلى مرحمة (في اطعام اليتامى والمساكين) هذا والله أعلم.
11- ما وجه ذكر المرحمة بدلا من الرحمة؟
والمرحمة هي ليست الرحمة فقط ولكنها عامة وهي أهم من الرحمة
12- ما وجه تكرار فعل التواصي؟
هناك ثلاثة احتمالات لهذه الجملة:
الأول: وتواصوا بالصبر والمرحمة: بالعطف دون حرف جرّ.
الثاني: وتواصوا بالصبر وبالمرحمة: بتكرار حرف الجر دون الفعل.
تواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة: بتكرار الفعل وهي أقوى التعبيرات لأن فيها توكيد لأهمية كل واحد من الصبر والمرحمة. فالتواصي بالصبر مهمٌ بذاته والتواصي بالمرحمة مهمٌ بذاته أيضاً وهذه السورة مبنية كلها على الصبر والمرحمة.
بيان أوجه الاهتمام بالصبر: (وأنت حلٌ بهذا البلد) لما يلاقيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الأذى ، (ووالد وما ولد) لأن تربية الأولاد تحتاج إلى صبر طويل، وكذلك سلوك النجدين يحتاج إلى صبر واقتحام العقبة والرقبة المسترقّة والغارم واليوم ذي المسغبة كله يحتاج إلى صبر طويل وكذلك اليتيم والمسكين والذين آمنوا يحتاجون إلى الصبر على الطاعات والصبر عن المعصية.
بيان أوجه الاهتمام بالمرحمة: (وأنت حلٌ بهذا البلد) بمعنياها (حلّ) الأحرى أن يُعامل بالمرحمة وليس بالأذى وإذا كان بمعنى حلال فالرسول r قال يوم فتح مكة (اليوم يوم مرحمة)، (ووالد وما ولد) والعلاقة بينهما علاقة رحمة وبر، (أهلكت مالاً لبدا) الذي أهلك المال يحتاج إلى رحمة، الرقبة المسترقّة واليوم ذي المسغبة واليتيم والمسكين والذين آمنوا ينبغي أن يتواصوا بالمرحمة (رحماء بينهم) فالسورة كلها مبنية على الصبر والمرحمة لذا ينبغي التواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة.
13- لم لم يذكر مع الكفر أعمالا؟
الكفر أعظم الذنوب وليس بعده ذنب فذكر الأعظم واستغنى به عما دونه
14- ما وجه ذكر الآيات هنا وتخصيص الكفر بها دون إبهام كما هي عادة السياق القرآني؟
خصصت الآيات هنا للتعجيب وللتدليل على أن الكفر بهذا أمر شنيع والآية العلامة ولا تكون إلا إن كانت ظاهرة فالكفر بشيء بين أعظم من كفرهم بشيء خفي بآياتنا : أي علاماتنا السابقة التي تسوقهم إلى الإيمان ومنها العينين والشفتين والقوة وغير ذلك
15- ما سبب عدم ذكر ضمير الفصل هم مع المؤمنين وذكره في حالة الكافرين؟
لو قال هم أصحاب الميمنة لكان أصحاب الميمنة حصراً على هؤلاء الذين ذكرهم في الآيات السابقة ولكن أصحاب الميمنة أكثر من هؤلاء . الذين يتواصون بالصبر ويتواصون بالمرحمة هؤلاء فقط أصحاب الميمنة وهذا غير صحيح لأن رأس الأمر الإيمان بالله وهؤلاء إذن من أصحاب الميمنة وليسوا أصحاب الميمنة حصراً فلا يصح القصر هنا أبداً بمعنى أن من عداهم ليسوا من أصحاب الميمنة. (عدم القصر هو السبيل الصحيح الذي لا يصح غيره هنا). أما الذين كفروا هو أصحاب المشئمة حصراً. هنا القصر في اصحاب المشئمة هو السبيل الصحيح الذي لا يصح غيره.
16- ما وجه تقديم حرف الجر عليهم في الجملة؟
تقديم الجار والمجرور هو للقصر بمعنى أنها مؤصدة عليهم حصراً أما إذا أخّر الجار والمجرور فقد يُفهم المعنى على أن النار المؤصدة ليست محصورة بالكفار ولكنها قد تكون مؤصدة على غيرهم أيضاً إذن الآيات متفقة مع بعضها النار على هؤلاء الذين كفروا وأصحاب المشئمة النار مؤصدة عليهم حصراً فالقصر هو الذي يؤدي المعنى المطلوب.
17- ما وجه عدم ذكر وصف للنار كما في سورة الهمزة؟
في سورة الهمزة نلاحظ أنه تعالى قد توسّع في ذكر صفات المعذّب (ويل لكل همزة لمزة، الذي جمع مالاً وعدده،…) وكما توسّع في الصفات توسّع أيضاً في العذاب (في عمد ممددة) أما في سورة البلد فلم يتوسع في ذكر صفات المعذبين وإنما قال (والذين كفروا) هذا والله أعلم.
ثم إن المعذّبين في سورة الهمزة كفّار وزيادة فهم كافرون، يتعدون على الآخرين، يجمعون الأموال، يحسبون أن مالهم يخلّدهم وهذا كله لم يُذكر في سورة البلد ولهذا ناسب الإستيثاق في الحبس والجعل في عمد ممددة للكفار في سورة الهمزة.
18- ما وجه عدم ذكر جزاء المؤمنين في السورة في مقابل ذكر جزاء الكافرين؟
السورة تدور كلها على معاني الكبد والمشاق وهذا لا يناسب ذكر الجزاء وإنما ذكر الإشارة إلى المؤمنين أنهم أصحاب الميمنة. والسورة كلها في المشاقّ والمتاعب فلم يناسب ذكر الجزاء للمؤمنين مع كل ما في السورة من مشقة وتعب وسلوك النجدين واقتحام العقبة واليوم ذي مسغبة والكبد هذا والله أعلم.
– ما مناسبة استخدام لفظ الميمنة والمشأمة؟
الميمنة لها معنيين:
الأول: اليمن والبركة.
والثاني: جهة اليمين
وكذلك المشأمة لها معنيين أيضا:
الأول: الشؤم
الثاني: جهة الشمال.
فأفادت كل لفظة فيهما هاذين المعنيين.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved