المقطع الرابع: كفر الإنسان واغتراره بالنعم

المقطع الرابع: كفر الإنسان واغتراره بالنعم

–   ما وجه التناسب بين هذا المقطع والذي قبله وبين المقطع والمقصد العام للسورة؟

بعد أن ذكر الله نعمه على الإنسان التي ظن بها أنه سينتهي من الكبد أو التي استعملها في التنعم ولم يستعملها في الاستدلال على وحدانية الله كما فعل الخليل عليه السلام وبخه الله بترك الاستفادة الحقيقية من هذه النعم في هذا المقطع بما ينفعه

فهؤلاء الغارمون والمطلوبون والمسترَقّون واليتامى والمساكين كلهم مكابدون وكذلك مرتبطة بقوله تعالى (أهلكت مالاً لُبدا) كان ينبغي له أن يُنفق على هؤلاء المساكين واليتامى والغارمين شيئاً من ماله الذي أهلكه في غير وجه حق، ومرتبطة بقوله (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) لأن فك الرقاب وإطعام المحتاجين من المرحمة وهؤلاء من أحوج الناس إلى الصبر أيضاً.

2-   ما هو المراد بالعقبة؟

العقبة المذكورة هنا هي إزالة الكبد عن المضطرين، وكأن الآيات تهيب بالمؤمنين في حالة الشدة والشقاء والتعب، أن لا يبحثوا عن النجاة بأنفسهم فحسب، بل أن يسارعوا في كشف التعب والشقاء عن المحتاجين.

       ما وجه تشبيه الازالة هذه بالعقبة؟

وجه الشبه أن هذه الإزالة تحتاج منه إلى تجاوز شهوته في القوة وامتلاك أسبابها من مال وسلطة وهذا أمر عسير على النفس لا تستطيعه إلا بتصديق وعد الله في الآخرة أي بالإيمان به كما سيأتي في المقطع اللاحق وذكر فيها أمرين: الأول: التحرير والثاني: الإطعام وكلاهما لهما تعلق بالإنفاق وهذا ما له تعلق بالإيمان كما سيأتي لاحقا.

كما أن المنفق على اليتيم والمسكين غالبا لا يراه أحد ولا يوجد من يظن أن يرد له معروفا في الدنيا وهذا مناسب لقوله تعالى ( أيحسب أن لم يره أحد) لذلك فإن هذا يزيد أمر الإنفاق صعوبة ويحتاج إلى مزيد من الإيمان والتصديق بوعد الله والطمع فيما عنده في الدار الآخرة.

       ما وجه اختيار فعل الاقتحام دون غيره؟

الاقتحام هو الدخول في الشدة أو المهلكة أو الأمر الشديد الذي لا يدخله كل أحد ولا يدرى ما عاقبته وهذا اللفظ مناسب لجو السورة العام بخلاف لفظ تجاوز أو عبر للدلالة على صعوبة الأمر في الإنفاق والإطعام دون إدراك لمقابل عاجل كما سبق شرحه

       ما معنى لا في قوله ( فلا اقتحم العقبة )؟

لا هنا تفيد معان أربعة مجتمعة :

الأول: النفي: ويكون التقدير ( فما اقتحم العقبة ) وهذا جار على غير سنن العرب في الكلام وورد في بعض الأشعار ( وأي أمر سيء لا فعل) مع أن الأصل أنها تفيد النفي في حالة التكرار فقط ( فلا صدق ولا صلى)، واعترض البعض بأن التكرار أكثري وليس لازما وذكر ابن هشام في المغني شواهد على ذلك، ونصره الألوسي.

الثاني: الدعاء: ويكون المعنى الدعاء على الكافر ألا يقتحم العقبة بعد أن حسب ما حسب

الثالث: نفي الاستقبال: ويكون المعنى ( لن يقتحمها في المستقبل ) وهذا جائز إذا كان الفعل الماضي يفيد الاستقبال كقولنا ( والله لا فعلت ذلك أبدا) أي لا افعله أبدا.

الرابع: الاستفهام للتوبيخ والتقريع: ويكون المعنى (ألا اقتحم العقبة؟) فحذفت همزة الاستفهام كما في قوله تعالى ( إن لنا لأجرا) والأصل أئن وهذا كثير في الشعر والنثر.

الخامس: أنها للتحضيض بمعنى هلا اقتحم العقبة وهو ضعيف.

والذي يظهر أن المراد هو المعنى الأول مع احتمال الثالث، ولعل العدول عن لم واختيار لا لإفادة هذين المعنيين معا، والعدول لها أبلغ لما توهمه من نفي الاستقبال.

2019 07 03 23h13 41

 

–   ما دلالة ذكر ( وما أدراك )؟

هذا الأسلوب يستخدم لعدة أغراض: التهويل والتعظيم والتحسر والتحبيب وهنا استخدم للتفخيم والتعظيم والتهويل وكأن أمر العقبة أمر صعب يحتاج إلى من يدله عليه واستخدم هنا اللفظ الماضي جريا على سنن القرآن في التفصيل بعد استخدام أدراك بالماضي وعدم التفصيل بعد استخدامها بالمضارع.

7-   ما وجه تكرار كلمة العقبة دون ذكر ضميرها؟

تكرار الاسم الظاهر أقوى من ذكر الكناية أو الضمير فالضمير لا يؤكد الظاهر. ومعنى ذلك أن الأمر في سورة البلد أقوى وآكد لذلك كرر الاسم الظاهر ولم يذكر ضميرا كما في قوله ( وما أدراك ما هي)

8-   ما مناسبة ذكر هذين الأمرين ( فك الرقبة وإطعام اليتامى والمساكين )؟

هذان الأمران لهما تعلق بنوعين من الكبد

الأول: الكبد البدني: وهو الرق أو العبودية أو الأسر أو الغرم أو أي شيء يحبس الإنسان لأجله ويدخل في هذا رقبة الشعوب المستضعفة ونصرتهم وإغاثتهم

والثاني: الكبد المادي وذكر أظهر أحواله اليتيم والمسكين وفي هذا تناسب مع نوعي القوة اللذين أغرا ابن آدم في بداية السورة في المقطع الثاني.

وذكر الرقبة واليتم والمسكنة مناسب لجو السورة وهو الحديث عن الكبد فإن الكبد ظاهر في كل صنف من هذه الأصناف.

كما أن ذكر هذه الأصناف مناسب لما ذكر من حال الكافرين سابقا: فالقدرة مناسبة للعبد المملوك وإهلاك المال مناسب لليتم والمسكنة.

9-   ما وجه ذكر الرقبة؟

ذكر الرقبة له وجهان:

الأول: أنها هي الواسطة بين الرأس والجسد وعادة ما يكون القتل بضربها فيفصل الرأس عن الجسد وتكون الوفاة فهي جزء له خصيصة وهو التعبير عن الحياة كما أن المأسور فيها عادة يحاط بغل في رقبته وهذا أشد أنواع الذل حتى لو كان في سجون الإسلام

الثاني: عبر بالرقبة لتشمل جميع أنواع المحبوسين فتدل على الأسير أسير الحرب وتدل على المملوك الرقيق وتدل على صاحب القصاص.

10- ما هي دلالة أو الفاصلة بين الفك والإطعام؟

أو هنا للتقسم والتنويع فالمراد هو فعل أي واحد من هذه الأبواب لا الإتيان بها جميعا.

11- لم ذكر الإطعام هنا مع أن الإطعام من أسهل الأمور؟

الطعام من أسهل الأمور في وقتنا الحالي لكن في الماضي كان الطعام من أشد ما كان ينقص على الناس وكانت المجاعات تشتد على الناس حتى يتهالكون أمام بعضهم وهم ينظرون  كما أن الآيات تحدثت عن الطعام في أوقات معينة وهي في أيام الجوع والتعب حين تشتد الحاجة له ويصبح إعطاء بعض الطعام للآخرين أمرا صعبا للغاية على النفوس

12- ما وجه استخدام المسغبة بدلا من السغب أو الجوع؟

المسغبة تعني الجوع العام أما السغب فهو للفرد الواحد أو الجوع العام أيضا، وهذا أشد في المعنى كما أن السغب يزيد على الجوع بالتعب فالسغب هو جوع مع تعب وأما المخمصة فهي الجوع الذي يرافقه تعب ضمور في البطن وهذا غير مراد ههنا

13- ما وجه استخدام الجملة الاسمية في الفك والإطعام؟

الجملة الاسمية تدل على الثبات والاستمرار وهذا يعزز المعنى فتكون هذه الصفات صفات ثابتة دائمة في هؤلاء الأشخاص فهذا حالهم دائما وهو رفع الكبد والمشقة عن الناس.

14- لم خص اليتيم بالمقربة؟

إذا كان الإنسان في حالات الجوع مثل هذه والتي يكون فيها الإطعام صعبا إلى درجة أنه لن يطعم اليتيم القريب الذي سيأخذ به أجرين أجر الصدقة وأجر الصلة فمن باب أولى أنه لن يطعم اليتيم البعيد وهذا سبب ذكر المقربة لزيادة تصوير الشعور بالحاجة في مثل هذه الأوقات.

والمقربة تشمل أمرين:

القربى التي تكون في النسب والرحم

والقرابة التي تدل على معنى عام كالقرابة في النسب والمقربة بينهما وتشملهما جميعا.

15- ما وجه تقديم الفك على الإطعام؟

سبب التقديم (فك رقبة) أولاً فهو إشارة إلى عِظم الحرية في الإسلام إذا كان بمعنى الرِّق لأنه الأولى في الحياة التحرير بالنسبة للأفراد والشعوب في المجتمعات. وثانياً قد يكون الشخص مطلوب بدم أو بشيء آخر أو غارم فأولى شيء عنده أن تفك رقبته وقد يكون هو الأحوج إلى الإطعام والفك من غيره من الأيتام والمساكين لأنه إذا كان مطلوباً فإنه لن يكون قادراً على الخروج لطلب الطعام أو غيره فاليتيم ممكن أن يخرج للبحث عن الطعام وكذلك المسكين أما الغارم أو المطلوب فهو الأولى بذلك لذا جاء ذكره أولاً وهو أوّل ما يُفك وهو أسبق من اليتيم والمسكين.

ثم اليتيم بعد فك الرقبة لأنه في اليوم ذي المسغبة واليتيم هو الصغير دون سن البلوغ فإذا بلغ انتفت عنه صفة اليتم، هذا الصغير اليتيم في مثل هذا اليوم ينبغي أن يُراعى ويُتفقد في هذا اليوم العصيب ذي مسغبة وماذا سيأكل في هذا اليوم. ثم يأتي المسكين وهو أكبر سنّاً من اليتيم ويمكن أن يفعل شيئاً للحصول على الطعام بعكس اليتيم إذن فهي مرتبة بحسب الحاجة في ذلك الوقت وهي مرتبة بحسب القلّة والكثرة من القلّة إلى الكثرة (المطلوبين والغارمين قليلون في المجتمعات أما إذا كانوا رقيقاً فهم لم يعودوا موجودين أصلاً) ثم الأيتام أكثر من الغارمين والمطلوبين لكنهم أقل من المساكين لأن هؤلاء اليتامى سيكبرون وتنتفي عنهم صفة اليتم، أما المساكين فهم الأكثر في المجتمعات.

Map Shot 3

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved