المقطع الأول: الخلق والتعليم

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)

1-  ما هي المناسبة بين الخلق والتعليم ليجمعا في هذا المقطع المهم الذي ابتدأت الرسالة به؟

التعليم خلق ثانٍ للإنسان فكما أن الخلق نقل من العدم إلى الوجود، فكذلك العلم إيجاد ثان فهو نقل من الجهل إلى العلم ، وهذا دليل على أن العلم إنما هو حياة الإنسان، وخاصة إذا كان هذا النقل من جاهلية إلى إسلام، فمثل هذا العلم وهو الرسالة إنما هو حياة للناس، كما قال تعالى ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا).

فكما أن الإنسان قبل أن يخلق كان معدوما فكذلك هو مع جهله يشبه أن يكون معدوما، إذ لا قيمة له دون علم يحسنه، وفي هذا دليل ليس مثله دليل على مرتبة العلم وشرفه وكيف يعلو بالإنسان.

ونلاحظ أنه قدم هنا الخلق على العلم بشكل عام، وأما في سورة الرحمن فقد قدم تعليم القرآن حتى على خلق الإنسان فقال: (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) فجعل العلم قبل الخلق وبعده، وفي هذا إشارة إلى الارتباط بين العلم والخلق.

2-  كيف يأمر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة ولم يعطه شيئا يقرأ منه؟

قبل الجواب نعرض لعدة نقاط:

أولها: أن أصل القراءة في اللغة هو الإظهار والإبراز، وعرفت بأنها نطق بكلام معين مكتوب أو محفوظ، وليس بالضرورة أن تكون من مكتوب كما يتبادر للذهن من أول مرة.

ثانيا: أن الأمر بشكل عام قد يكون للطلب في الحال أو في المستقبل القريب من الحال، وطالما أنه لم يعطه شيئا يقرأ منه أو يعلمه شيئا يحفظه فيطلب منه قراءته دل ذلك على أن الطلب متوجه للمستقبل القريب، فهو كما يقول المعلم للتلميذ: اكتب، فيتأهب لكتابة ما سيمليه عليه.

والأمر بالقراءة هنا إشعار بالرسالة وبدء النبوة لأنه سيتلو كلاما سيلقى عليه.

3-  إذا كان ما سبق ذكره فهل الأمر هنا للقراءة من مسطور أم من محفوظ؟

الظاهر أن الطلب هنا للقراءة من محفوظ بقرينة ذكر القلم في الأمر الثاني، فيكون الأمر الأول للقراءة من محفوظ والأمر الثاني للقراءة من مسطور.

ويضاف إلى هذه القرينة قرينة أخرى، وهي إملاء جبريل عليه للآيات لاحقا حتى قرأها عليه النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث (فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف بها فؤاده) يعني أنه سمع جبريل يقرأ عليه ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل الآيات التي أملاها عليه.

وهذه البداية بهذا الأمر مهمة جدا، فهي كانت إيذانا للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون قارئا أي سينزل عليه كتاب يتلى بعد أن لم يكن يتلو كتابا، وهذه اللحظة كانت من أعظم اللحظات في حياة البشرية لطالما مرت علينا دون أن نستشعر أهميتها في قلوبنا، ولسيد قطب رحمه الله في الظلال كلام جميل في وصف عظمة هذه اللحظات لا يتسع المقام لذكره ويحسن الرجوع إليه.

وفي هذا إشارة إلى أن الأمرين لازمين في الطلب: السماع والكتابة لا يستغنى عن أحدهما فمن أراد جماع العلم فعليه بكليهما.

2015 02 28 06h59 47

4-  ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم لجبريل ما أنا بقارئ؟

هذا الجواب يحتمل معنيين:

الأول: لن أقرأ والثاني: لا أستطيع القراءة وتحديد المعنى المراد في مثل هذه الحالة التي يتساوى فيها المعنيان بحاجة إلى سياق أو مقال أو مقام لتحديده

ومثل هذا قولنا : زيارة الأصدقاء تسعد النفس هل المقصود زياتهم للرجل القائل أم زيارته لهم فننظر في حاله فإن كان ممن اعتاد استقبال الزوار فالمراد المعنى الأول وإن كان غير ذلك فالمراد المعنى الثاني

والذي يظهر أن المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم هو: لا أستطيع القراءة بمعنى ما عندي شيء أقرؤه، لأن الحال حال خوف فليس للخائف أن يرفض أمر المخوف بالقراءة لكنه أخبره أنه ما عنده ما يقرؤه ليبرر له عدم قراءته.

5-  ما دلالة الباء في قوله (باسم)؟

المعنى الرئيس الذي تدل عليه الباء هو المصاحبة، وتحت المصاحبة تندرج كل المعاني الأخرى، والذي يظهر أن المراد: اقرأ مستصحباً اسم ربك ومعيته.

وهذا إشارة إلى أن الكلام الذي سيتلى ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وليس من كلام جبريل بل هو من كلام الرب جل وعلا.

وهو نظير ما يتلى في الأعراف الحاضرة باسم الشعب أو الملك أو المجلس، أي السلطة التي يصدر منها القرار.

6-  ما هداية مثل هذا الأمر في حياة الإنسان؟

لو أن الإنسان في أثناء تعلمه استحضر نعمة الله عليه في هذا الأمر وأن العلم منه وحده وليس له فيه حول ولا قوة لاتقى الله فيه وأدى حقه عليه ولكان لهذا الاستحضار أعظم الأثر في قلبه فإن العلم لربما أورث في نفس الإنسان شيئا من الكبر، ولا ينجو من هذا إلا من وفقه الله فهذا موسى عليه السلام كليم الله العبد الصالح يعاتبه ربه أن نسب العلم إليه فأرشده إلى عبد ( آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) فامتدحه الله بالرحمة قبل العلم والطريق إلى هذه الرحمة في القلب إنما هي استحضار كون هذا العلم نعمة من الله وحده.

وفيه إشارة إلى أمر مخصوص، وهو قراءة القرآن وأنها إنما يجب أن تكون باسمه، أي كما أمر، وكما قرأ النبي صلى الله عليه وأصحابه هذا الكتاب، وليتعلم منه العبد ما يريده ربه منه فيأتمر بأمره وينتهي عن نهيه، وليكون دليله في حياته كلها.

وفيه إشارة إلى أن القراءة والعلم إنما يجب أن يكونا باسم الله، فليس من يقرأ كتب الروايات الفارغة والقصص الهابطة على مراد الله وأمره، فهو جل وعلا إنما أمر أن تكون القراءة باسمه لتكون في سبيله وابتغاء مرضاته.

وفيه إشارة إلى استخدام هذا العلم فيما أمر الله، فكم من علم وصل إلى أيدي من لم يقرأ باسم ربه فكان وبالا عليه وعلى البشرية جمعاء.

7-  ما هي مناسبة اختيار اسم الرب هنا دون لفظ الجلالة؟

ذكر اسم الرب مناسب في المواضع التي يراد فيها الإشارة إلى المعاني التي يحملها اسم الرب من العناية والحياطة والتربية والإصلاح وهذا واضح هنا، لأنه صلى الله عليه وسلم كان خائفا فاحتاج إلى ما يؤنسه ويطمئنه, وكأن المعنى: لا تخف فإنما هو ربك الذي أحاطك برعايته وعنايته.

أما لفظ الجلالة فيذكر في مواضع المهابة والتخويف.

  2015 02 28 06h59 36

8-  ما دلالة ذكر اسم الرب مرتبطا بكاف الخطاب؟

ارتباط اسم الرب بالكاف فيه غاية التشريف للنبي صلى الله عليه وسلم إذ قرن اسم الرب بالكاف الدالة عليه صلى الله عليه وسلم ولا يوجد بشر ذكر ما يدل عليه في أول آية سوى محمد صلى الله عليه وسلم وليس هذا فحسب بل ذكر بضمير الخطاب وما له من خصوصية المحبة والتشريف، والنبي صلى الله عليه وسلم عربي فصيح يعرف هذا فينطبع هذا المعنى في قلبه حال سماعه هذه الكلمات فيهدأ ويستأنس بمثل هذا.

9-  ما مناسبة ذكر الخلق هنا بعد الاسم الموصول؟

المناسبة تظهر إذا أخذنا بعين الاعتبار أمرين مهمين:

الأول: القاعدة التي تقول إن استخدام الاسم الموصول يراد به الإشارة إلى صفة خاصة ينفرد بها الموصوف والمذكورة بعد الاسم الموصول والتي تسمى الصلة، فصفة الخلق من أقرب الصفات للربوبية وهي أجمع الصفات للتعريف به.

الثاني: حال الجاهلية من تعدد الأصنام المعبودة، فالمشركين كان لهم أصنام عديدة يعبدونها لكنهم كانوا يقرون بأن هناك خالقا واحدا وهو الله تعالى، كما قال تعالى: ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله)

فجاءت العبارة هكذا لتنبيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى حقيقة الرب المذكورة هنا والذي هو الرب المتفرد بالخلق دون هؤلاء الأرباب الآخرون الذين لا يستطيعون الخلق مجتمعين أو متفرقين.

والمعنى أيضاً يحتمل التعليل، فكأن سائلا يسأل لماذا اقرأ باسم ربي؟ فكان الجواب: لأنه هو الرب المتفرد بالخلق.

10-  ما دلالة حذف المفعول بعد الفعل؟

حذف مفعول الصلة يفيد عدة معان:

الأول: إثبات الفعل للفاعل، وهذا واضح للسياق، فكأنه يقول: اقرأ باسم ربك الخالق.

الثاني: إرادة العموم، فيكون المعنى: الذي خلق كل شيء، كما قال تعالى ( ذلكم الله ربكم خالق كل شيء ) وقال تعالى ( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ) وقال ( هو الله الخالق )

11-  ما هو وجه التناسب بين مواضيع الآية الأولى؟

الآية الأولى تضم المسائل الثلاثة التي تشكل الأصول في الرسالة وما بعدها:

الأول: التكليف بحمل الوحي وبيان جهة المتحمل لها، وذلك بقوله (اقرأ)

الثاني: بيان لجهة التكليف، وذلك في قوله ( باسم ربك)

الثالث: الدلالة عليها دلالة بينة، وذلك في قوله ( الذي خلق )

ففيها بيان للرسول والرسالة والمرسل على وجه الإجمال.

12-  ما دلالة ذكر الإنسان بعد الحذف؟

التخصيص بعد التعميم يراد به لفت النظر إلى هذا الخاص وله عدة أوجه وأغراض:

الأول: لأن الإنسان هو المخاطب بالأمر الثاني بعد الخلق وهو التعليم فناسب ذكره هكذا خاصة.

الثاني: سهولة نظر الإنسان في نفسه وعجائبه في الخلق فأقرب شيء للإنسان هو نفسه سواء بشخصه هو أم بالناس المحيطين به

الثالث: التعريض بالمشركين وشدة ضلالهم في ترك دلائل التوحيد مع أنها قائمة في أنفسهم ومن حولهم.

الرابع: التكريم له، فذكره خاصة بعد العموم فيه تكريم كذكر جبريل بعد الملائكة في قوله ( تنزل الملائكة والروح).

2015 02 28 06h59 28

13-  ما هداية ذكر الربوبية في أول آية نزلت؟

الإشارة إلى الربوبية في أول آية نزلت يحمل دلالة مهمة: وهو الاهتمام بإظهار ربوبية الله أمام خلقه لأن توحيد الربوبية هو الطريق إلى توحيد الألوهية.

فينبغي لهذا الأمر أن يأخذ حيزا كبيرا في مناهجنا ومحاضراتنا ودروسنا وفي حياتنا وتفكيرنا ونظرنا وتأملنا والناظر في كتاب الله يجد التركيز على الربوبية كثيرا جدا.

14-  ما وجه ذكر العلقة دون غيرها في الخلق؟

العلقة هي قطعة قدر أنملة من الدم الغليظ الجامد الذي لازال رطبا لم يجف، سمي بذلك تشبيها بدودة صغيرة تعيش في المياه الحلوة تعلق في أنوف الدواب وأفواهها وتمتلئ دما، والإنسان لا يبدأ بالتكون إلا في هذه المرحلة فالعلقة هي أول التكوين في الإنسان.

ولا يعارض هذا البدء بالخلق من تراب أو من نطفة فإنها بدايات مختلفة باختلاف الاعتبارات.

فبداية أصل خلق الإنسان من تراب وأما مرحلة كونه نطفة لا يقتضي التكوين فقد يكون نطفة في صلب والده وأما حين تلتقي النطفة بالبويضة ويبدأ التكوين ويصبح أشبه بالعلقة فهنا يكون الخلق واضحا.

والعلقة أيضا مرتبطة بالدم وحياة الإنسان كلها مرتبطة بهذا السائل العجيب، وتوقف جريانه دليل توقف حياته، حتى أنهم يسمون الدم نفسا كما قال الشاعر:

تسيل على حد الظباة نفوسنا       وليس على غير الظباة تسيل

ويقصد تسيل دماؤنا.

كما أن تشبيه الجنين بالعلق فيه من الإعجاز ما فيه إذ أن العرب لم تكن تعرف مثل هذا.

وذكر العلق هنا فيه إشارة إلى أن القادر على إيجاد الإنسان في أحسن تقويم من هذه العلقة، قادر على جعلك قارئا بعد أن لم تكن، وقادر على إنفاذ الرسالة فيما بعد للناس وحفظها، كما حفظ هذه العلقة حتى صارت إنسانا.

15-  ما وجه ذكر العلق بالجمع بدلا من المفرد؟

الجمع هنا يشير إلى أن المراد إنما هو الجنس وليس الأفراد.

16-  ما وجه تكرار كلمة اقرأ؟

التكرار هنا له وجهان:

الأول: الاهتمام ومن الطبيعي أن الكلمات التي تكرر في المجلس الواحد كثيرا تكون أكثر حضورا وأدعى للاهتمام بها, وهذا ما يسمى بالإطناب، وهي من ألوان البديع.

الثاني: بداية الكلام عن التعليم فاقرأ الأولى جاءت مع الخلق والثانية جاءت مع التعليم.

وهذا إشارة إلى ارتباط القراءة بالأمرين جميعا.

 

 2015 02 28 06h59 06

17-  ما مناسبة التعبير عن كرم الله بهذا اللفظ ( الأكرم )؟

الأكرم بهذه الصيغة سيق للدلالة على عظم كرم الله تعالى وليس للمفاضلة، والتعبير عن الأكرم هنا مرتبط بالعلم بعد أن ذكر الخلق، تنبيه على رفعة شأن العلم، وأنه أعظم نعمه، وأن العلم أشرف الصفات الإنسانية، وأنه إيجاد أرقى من الإيجاد المادي، فكأنه تعالى يقول الإيجاد والإحياء والرزق كرم وربوبية، أما الأكرم هو الذي أعطاك العلم لأن العلم هو النهاية في الشرف، ولو كان شيء من العطاء والنعم أشرف من العلم لذكره عقب صفة الأكرمية، بينما عبر عنه ذاته جل وعلا بلفظ الكريم في سورة الانفطار عندما ذكر الخلق مجردا دون العلم فقال: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم)

وفي هذا إشارة أيضا إلى مزيد كرامة العلماء بالتعليم.

18-  ما وجه الإتيان بهذه الجملة ( الذي علم بالقلم ) ههنا؟

القلم خلق عظيم من خلق الله، ومع أننا لا نشعر بقيمة هذا الشيء لطول ملابستنا به إلا أن المتدبر لو تتبع وجوده لرأى عجبا، فمن مظاهر حضوره في الوحي واهتمامه به:

أولا: أن أقسم الله به في سورة نون أو سورة القلم قال تعالى ( ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون) فجواب القسم هنا هو إثبات الرسالة وهو أمر عظيم ولا شك، ولأجل هذا أقسم الله عليه بأمر عظيم أيضا وهو القلم وما يكتبونه به من الوحي وغيره.

ثانيا: القلم ليس منة على الإنسان فحسب بل هو منة على الخليقة كلها، فقد خلقه الله وكتب مقادير كل شيء كما في الصحيح من حديث أبي هريرة (جف القلم بما أنت لاق) وهذه الكتابة كتابة عامة موجودة في اللوح المحفوظ لا تغير.

ثالثا: ولا زالت الأقلام تكتب كما في الصحيح في حادثة الإسراء ( حتى رقيت إلى مستوى سمعت فيه صريف الأقلام) وهذه الأقلام تكتب مقادير كل عام.

رابعا: وبه يكتب الملك في الرحم ما يخص العبد من أجله ورزقه وشقي أو سعيد كما في الصحيح من حديث ابن مسعود.

خامسا: وبه يكتب الملكان أعمال العبد كما قال تعالى ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) أي بالكتابة كما قال تعالى ( كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون )

سادسا: ويوم الجمعة تجلس الملائكة على أبواب المساجد ( يكتبون الأول فالأول) كما في الصحيح، كتابة تكون في صحائف ثم تعرض يوم القيامة.

سابعا: وبالقلم كتب الوحي، فعلى الرغم من أن الله تعهد للنبي صلى الله عليه وسلم بإقراءه وحفظ كتابه، فقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم كتابا كثر منهم الخلفاء الأربعة وغيرهم حتى بلغوا سبعة عشر نفسا، حتى أن أبا هريرة تعلل بكثرة حديث عبد الله بن عمرو بأنه كان يكتب وأبو هريرة لا يحسنها.

سابعا: وبه كتب صلى الله عليه وسلم للملوك وكتب من قبله سليمان لسبأ، وبه تحفظ الأمم علومها وتتناقلها وتورثها للأجيال اللاحقة فلولا القلم لما رأينا روائع البيان والأدب والسياسة والاجتماع والاقتصاد وغيرها، وكل هذا إنما يحفظ ويتناقله الناس بالقلم.

قيل في معناها أنها معترضة وقيل أن ما بعدها إنما هو بيان لها، وهذا أرجح فيما يظهر.

19-  ما وجه ذكر مالم يعلم بعد ذكر التعليم؟

لاحظ ذكر (خلق) مرتين وذكر (علم) مرتين وذكر (الإنسان) مرتين فكرر ذكر العلم دون قوله مثلا: علم الإنسان ما يجهله للاهتمام والحضور

وذكره بهذه الطريقة فيه إشارة واضحة إلى أن كل علم يسبقه جهل ولا بد وهذا يقتضي أنه لا بد من معلم وهذا المعلم هو الله جل وعلا، وهذه هي النعمة الثانية المقصودة وهي نعمة التعليم.

وما هذه تدل على العموم فهو قد علمه كل شيء، علمه كيف يجهز طعامه وكيف يفعل إن عطش أو خاف أو مرض، علمه كل هذا ولولا تعليم الله له لبقي عالة لا يستطيع شيئا، فعلمه كيف يصلح دنياه، وكيف يصلح آخرته وهذا هو الأهم.

كما أن هذه الآية فيها معنى التحفيز للإنسان ليبقى في طلب العلم، فمهما تعلم الإنسان يبقى هناك أشياء لا يعرفها، وهذا يحفزه لطلب العلم أكثر فأكثر، وقد أخطأ من قال ( ما ترك الأول للآخر ) وكأن العلوم قد انتهت، والصواب ( كم ترك الأول للآخر )، وهذا أعظم دافع للإنسان للتعلم ولطلب المزيد من العلم.

 

 Map Shot 1

 

 

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved