( المآلات )

( المآلات )

وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)

ما هو موضوع هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة؟ وما هي مناسبته لما قبله من الكلام؟

تركز هذه الآيات على باب سابع من أبواب الرحمة التي فتحها الله لنا ولا يملكها غيره، وهو الكتاب أو قل إن شئت وراثة الكتاب، ومن ذا الذي يستطيع أن ينزل كتابا حقا خالصا غير الله؟

وفي هذا الباب من أبواب الرحمة زاد الله ناسا فيه على ناس، ثم تمضي الآيات تقص علينا حال هؤلاء وحال هؤلاء، حال من فتح الله لهم من نعمة وراثة الكتاب بإذنه، وحال من أغلقه عليهم بإذنه، وما سيكون حالهم في الآخرة.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها تذييل الآية بقوله تعالى ( إن الله بعباده لخبير بصير )؟

هذا التذييل يشبه أن يقول للناس: أن هذا الكتاب الحق الذي أنزلنا سيكون منه أناس ينتفعون وأناس يعرضون، والله عز وجل هو الذي يقدر هذا وهذا، بخبرته بعباده، وهو بصير بهم يكافئ المتبع ويعاقب المعرض.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها العطف بثم في هذه الجملة؟

العطف هنا للتراخي الرتبي، والتراخي الرتبي أن يكون المعطوف أعلى رتبة من المعطوف عليه، فبعد أن ذكر أنه أوتي كتابا حقا، امتن الله عليه بأنه سيؤتيه أمة من الناس يتمسكون بهذا الكتاب ولا يتركونه كما ترك أمم من قبله كتبهم ورسلهم، وهذه بشارة أعظم من بشارة الكتاب نفسه لأن بشارة الكتاب يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم ومستقرة في نفسه، ولكن الكلام على من سيحمل هذا الكتاب ويحفظه ويؤدي حقه.

ما المقصود بقوله ( ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات)؟

قيل فيها معان كثيرة أقربها: أن الظالم هو من خالف أوامر الله وارتكب نواهيه فإنه واضع للشيء في غير موضعه مع بقاء أصل التوحيد عنده، والمقتصد هو المجتهد في ترك المخالفة وإن لم يوفق لذلك وندر منه ذنب وصدر عنه إثم فإنه اقتصد واجتهد وقصد الحق، والسابق هو الذي لم يخالف بتوفيق الله ويدل عليه قوله تعالى: بإذن الله، أي اجتهد ووفق لما اجتهد فيه.

ونقول بعبارة أخرى من غلبته النفس الأمارة وأمرته فأطاعها ظالم ومن جاهد نفسه فغلب تارة وغلب أخرى فهو المقصد ومن قهر نفسه فهو السابق.

ما مناسبة ختام المقطع بهذه الآية؟

لما سبق في الآيات الحديث عن قولهم ( ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ) قد يتساءل متسائل: أنهم ربما كانوا صادقين وفعلا لو عادوا إلى الدنيا لصلحت أعمالهم؟

فجاءت هذه الآيات تقطع دابر مثل هذا الاحتمال، وأن الله هو عالم الغيب من جهة فهو يعلم ما سيكون حالهم لو عادوا، وهو عليم بذات الصدور من جهة أخرى فهو يعلم ما يكنون في صدورهم وأنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وأنهم كاذبون.

ما هو المقصود بالحزن هنا؟

الذي يظهر أن المقصود بالحزن هنا هو خوفهم من النار، لأنهم لما دخلوا الجنة، أيقنوا النجاة فزال ما كان عندهم في الدنيا من خوف النار، وهذا الخوف صفة ملازمة لأهل الصلاح، وهي القضية الرئيسة عندهم، وهم يعيشون فيها ويدورون في فلكها.

وقيل أيضا الحزن – بمعنى الصعوبات – التي كانت تقابلهم في الدنيا، وقيل أيضا حزنهم على فراق أحبتهم في الدنيا ممن دخل النار فيبصرهم الله بحقيقتهم فلا يحزنون عليهم إن كانوا كفارا، وربما شفعهم فيهم فأدخلهم الجنة إن كانوا عصاة موحدين.

ما مناسبة قولهم ( لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب )؟

الذي يظهر لنا والعلم عند الله، أن المراد به الإشارة إلى ما لاقوه في الدنيا من نصب وتعب، حتى بلغوا هذه الدرجات العلى.

ما مناسبة قوله جل وعلا ( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض .. ) الآية؟

بعد أن قص الله علينا قبل هذه الآية شيئا مما يكون في نهاية الأمر من دخول المؤمنين دار المقامة ومن دخول الكافرين النار وعاقبة الفريقين، وكأنها رسالة للناس للاعتبار بالمآلات والنهايات وعواقب الأمور، جاءت هذه الآية وكأنها رسالة للاعتبار ولكن ليس بالمآلات والنهايات والعواقب ولكن بما سبق من الأمم والقرون، وكأنها تقول للناس:

لو أنكم لم تعلموا حال الأمم من قبلكم وكيف أهلكوا لكان كفركم أهون، ولكنكم أمهلتم وعمرتم وجاءتكم والرسل وجعلناكم خلائف في الأرض يذهب بعضكم ثم يأتي البعض الآخر، لتعتبروا بحال من سبقكم من الأمم، وكيف أن كفرهم لم يضر أحدا سواهم، وكيف جلب عليهم هذا الكفر المقت والخسار.

وهذا المعنى ليس جديدا في السورة بل هو امتداد لما سبق من الحديث من مثل قوله تعالى ( وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك، وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم، وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير، ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى )

ما هي المعاني التي ينتهي إليها تكرار قوله ( ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ) بعد قوله ( فمن كفر فعليه كفره )؟

الجملة الثانية بمثابة بيان وتوضيح للجملة التي قبلها، والأصل ألا تعطف عليها لأن البيان لا يعطف على المبين، ولكنها جاءت بالعطف لغرض وهو: الاهتمام بهذا البيان وإبرازه فجعل مستقلا مقصودا لذاته وللإخبار به، فعطفت على الجملة بقصد بيان ذلك الاستقلال، ولو لم تعطف لفات هذا المعنى.

Map Shot 4

Map Shot 3

 

 

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved