الدليل التاريخي

( الدليل التاريخي )

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)

ما هو موضوع هذا المقطع، وما مناسبة الابتداء به، وما مناسبته لمقصد السورة؟

هذا المقطع يضرب مثلا مشابها لحال النبي صلى الله عليه وسلم وقريش وتكذيبهم إياه، وهي تحمل عدة رسائل:

لقريش خاصة ولمن وراءها من المستكبرين: رسالة تهديد بسبب الهلاك الذي حاق بالمكذبين الذين من قبلهم.

للنبي صلى الله عليه وسلم: رسالة تثبت وتأييد ( وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ )

للدعاة من بعده: لأن النماذج تتكرر،

وقد استوعبت هذه القصة جميع العناصر التي تحدثت عنها المقدمة،

أين تقع هذه القرية ومتى كانت الحادثة؟

لم ترد هذه التفاصيل في نص صحيح وقد أغفل القرآن كل هذه الأمور لعدم أهمية الأسماء والأماكن والأزمان، وإنما المهم هو العبرة والعظة من التاريخ أيا كانت أشخاصه أو زمنه، ولو كانت مثل هذه المعلومات مهمة أو ينبني عليها علم ينفع لما أغفلها القرآن، وهذه قاعدة يؤكد عليها القرآن، وهي الاهتمام بما ينفع وترك ما دونه من التفاصيل التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والحذر من الغرق فيها.

وأهم ما يجب أن يسأل عنه الإنسان وهو يقرأ هو:

ما هي الدروس من ذكر هذه القصة بالذات في هذا المكان بالذات؟

ما وجه نصب الفعل اضرب لمفعولين؟

نصب مفعولان: لأنه ضمن معنى الجعل وكأنه قال: واجعل لهم أصحاب القرية مثلا، وأصحاب القرية هي المفعول الأول ومثلا هو المفعول الثاني، وإنما قدم وأخر حتى لا تتفكك الجملة، فلو أنه قال: واضرب لهم أصحاب القرية مثلا إذ جاءها المرسلون، لجاءت مثلا بين الأصحاب وبين إذ جاءها المرسلون، وهذا فيه تباعد، فحسن أن يأتي به هكذا.

ما هي دلالة إذ هنا؟

إذ هي الفجائية، وكأن هذه اللفظة جاءت لتركز على لحظة معينة تغيرت فيها حياة أهل هذه القرية، فجاءت لتدل على لحظة مهمة حصلت فيها انعطافة تاريخية بالنسبة لهم.

ما هي دلالة التعقيب بالفاء في قوله: فكذبوهما؟

للدلالة على سرعة التكذيب، أي لم يتلبثوا حتى سمعوا وفكروا بل سارعوا بالإنكار والتكذيب، وهذا حال أهل الضلال في كل زمان لا ينظرون ولا يتلبثون بل يسارعوا في التكذيب لما ألفوه واعتادوا عليه من الباطل دون أدنى نظر أو تدبر، وهذا الفعل من جملة الأشياء التي عابها عليهم القرآن وهي سرعة التكذيب، وسرعة التصديق وسرعة التكذيب كلاهما يدل على سذاجة غير محمودة.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها إرسال ثلاثة رسل؟

لم يكتف الله عز وجل بإرسال رسول واحد، ولو فعل لكان ذلك كافيا في إقامة الحجة، ولم يأتهم العذاب بعد تكذيب الرسولين الأولين، وإنما أرسل الله لهم رسولا ثالثا، وفي ذلك دلالة على شدة إمهال الله لهم.

ما مناسبة استخدام فعل عززنا دون غيره؟

هذه فيه إشارة إلى أن الدعاة يجب أن يعزز بعضهم بعضا ويقوي بعضهم بعضا، فلا يزيد وجودهم معا قضيتهم إلا قوة، وهذا مثل بعض المركبات حيث تزداد تأثيرها بوجودها مجتمعة، وقد تتضاد قواها فتنعدم على الرغم من وجودها سوية.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها حذف المفعول به في قوله عززنا؟

لم يقل الله عززناهما، بعد أن قال: فكذبوهما، وذلك للدلالة على أن الإرسال كان لتعزيز الحق وتقويته وليس لتعزيز الرسل أنفسهم، وهذه فيه إشارة إلى نصرة الحق لا نصرة الأشخاص أنفسهم.

فحيثما طلب الحق تعزيزا نفرنا له.

ما دلالة إسناد فعل القول إلى الجماعة في قوله: إذ قالوا؟

هذا فيه إشارة إلى أنهم صاروا سوية شيئا واحدا، فلم يقل كل واحد منهم قولا مختلفا بل قالوا جميعا قولا واحدا، وكأنهم شخص واحد، وهذا فيه تأكيد على عدم التنازع بين الدعاة إلى الله لأن قضيتهم واحدة وهدفهم واحد، فإن وقع بينهم نزاع كان هذا بسبب نقص الإخلاص في قلوبهم.

ما دلالة استخدام: إن بدل ما مثلا؟

لأنها تفيد أقوى درجات النفي.

ما دلالة مجيء الجمل الثلاثة بصيغة النفي والقصر؟

جاءت جملهم الثلاثة بصيغة النفي والقصر:

ما أنتم إلا بشر مثلنا

ما أنزل الرحمن من شيء

إن أنتم إلا تكذبون

وذلك للدلالة على ثقتهم العمياء بما يقولونه من باطل.

ما مناسبة قولهم بعدها: ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون؟

هذا فيه تفويض الأمر لله وكأنهم يقولون: الله يفصل بيننا، وسيأتي بما يشهد على صدقنا من عنده، وهذا فيه ثبات عظيم لأهل الدعوة، وهذا الثبات مستمد من إيمانهم بالله تعالى.

ما مناسبة تهديدهم بعدها بالرجم والعذاب؟

مر ثبات أهل الحق على حقهم، وهذا الثبات يزلزل أهل الباطل ويزعزع أركانهم ولذلك انتقلوا من الحجاج إلى التهديد.

أين الجواب على شبهة كون الرسل بشرا؟

عندما يتحدث القرآن عن شبهات يطرحها الكافرون، ثم لا يجيب عنها، فهذا إشارة منه إلى أن مثل هذا الكلام لا يستند إلى دليل علمي يستحق الرد، وإنما هي العناد والمكابرة، فيطوي القرآن صفحا عن جوابهم وينتقل إلى موضوع آخر لأن مثل هذا لا يستحق الرد عليه.

ومن الأمور التي يرشد إليها هذا الأسلوب هنا بالذات: التزام الرسل بتبليغ رسالة ربهم وحسب، فلم يجيبوا عن مثل هذه الشبهات ولم يدخلوا في مثل هذه المعارك وإنما استمروا في الدعوة.

ما مناسبة ازدياد التوكيد في كلام المرسلين؟

جاء في أولها: إنا إليكم مرسلون

ثم قالوا لاحقا: ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون

وهذا فيه تدرج بالتوكيد متناسب مع تدرجهم بالتكذيب فكلما زاد تكذيبهم احتاجا للتوكيد أكثر.

ما مناسبة قولهم تعالى: وما علينا إلا البلاغ المبين؟

هذا فيه حصر مهمتهم على البلاغ المبين، أما ما وراء ذلك من الاستجابة فليس من مهمتهم، فقد يدعون ولا يستجيب لهم أحد ومع ذلك فقد أدوا ما عليهم على اكمل وجه.

ما مناسبة الحديث عن التطير هنا؟

من سنة الله أنه يبتلي المكذبين بالبأساء والضراء حتى يرجعوا، كما قال جل وعلا: ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ )، فلما جاءهم شيء من الابتلاء نسبوا مثل هذا إلى الرسل بزعمهم تشاؤما بهم.

فهم يقولون للمرسلين أنتم لاتذهبون إلى قرية إلا نزل بها العذاب، وهذا صحيح، لكن لا بد من البحث عن السبب الحقيقي، فليس السبب وجود المرسلين، كما يدعي هؤلاء وإنما السبب هو تكذيب الناس لهؤلاء المرسلين كما تقص علينا الآيات في مواضع عديدة.

ويأتي الحديث عن تطيرهم من المرسلين هنا استكمالا لما سبق من التفكير المعوج، فبدل أن يقفوا وقفة متجردة ويتساءلوا عن حقيقة سبب وقوع البلاء بهم، سارعوا إلى رمي مثل هذه البلاء على المرسلين، ودائما المقدمات المغلوطة تؤدي بك إلى نتائج غير صحيحة.

وهذه النقطة هي ثالث نقطة يذكرونها في تكذيب المشركين، في تدرجهم من:

التكذيب

إلى الشبهات

إلى الربط بالأقدار

ما مناسبة ذكر الرجم ثم العذاب الأليم؟

ذكر الرجم كنتيجة، ثم ذكر العذاب الأليم لتخويفهم لأن الرجم هو أشد أنواع القتل إيلاما، فالهدف من كل هذا هو تخويفهم وردعهم بأشد أنواع التخويف.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر قصة الرجل الذي جاء من أقصى المدينة؟

جاءت هذه القصة لتشير إلى عدة أمور:

من أقصى:فيها ثلاثة معان: الأول: إشارة إلى بعد مسافة سعيه ومع ذلك لم يهمه ذلك وبادر، خاصة أنها قدمت، الثاني: فيها إشارة إلى أن المناطق البعيدة عن تأثيرات الباطل أولى باستجابة الناس فيها، الثالث: بلوغ دعوة الرسل حتى أقصى المدينة فلم يتركوا مكانا لم يبلغوا فيه.

رجل: فيه ثناء عليه بوصفه بالرجولة

يسعى: إشارة إلى همته في مهمته هذه، والسعي فوق المشي ودون العدو، وسعيه هذا كان بقلبه مع سعيه بأقدامه، وهذا ما تحتاجه الرسالة قلوب تسعى مع الأقدام.

يا قوم: فيها التودد لقومه.

اتبعوا: فيها زيادة وتكلف عن قوله اتبعوا

المرسلين: ذكر بيان وسبب هذا الاتباع.

اتبعوا من لا يسألكم أجرا: فيه إشارة إلى أهم علامات صدق الداعية، وفيه أيضا إشارة إلى الدعاة أن لا يطلبوا بدعوتهم هذه أجرا ولا رزقا، فإن فعلوا فقد خسروا هذه النقطة المهمة.

وليس الأجر هنا قاصرا على المال فحسب، بل يشمل كل نفع دنيوي كالمال والجاه والرئاسة، وهذه من مهلكات الداعية وطالب العلم، فالبعض يصبر عن طلب المال لكن نفسه لا تحتمل جاها أو رئاسة.

كما أن فيها رسائل غير مباشرة:

منها: مسارعة الرجل الصالح للدعوة إلى الله على الرغم من وجود ثلاثة أنبياء فلم يكتفي رحمه الله بالمرسلين، ولم يجلس في بيته ويقل: في المدينة ثلاثة مرسلين فما حاجة الدعوة لي؟ بل سارع بالدعوة إلى الله ونصرة دينه، وهكذا يجب أن نكون نتحرك من تلقاء أنفسنا.

ومنها: حرصه الشديد على قومه في أمور الآخرة، هب أنك سمعت بعرض لا يعوض لأمر من أمور الدنيا، ألست تسارع إلى إخبار قومك وحثهم على شراءه قبل أن ينقضي، هذا الرجل كان حريصا على قومه في أمور الآخرة، وهو الحرص الحقيقي، وهكذا يجب أن نكون.

ومنها: عدم ذكر اسمه لأن الأشخاص والأسماء لا تهم، وإنما المهم الآثار وهي التي يخلدها التاريخ ويذكرها، ومثله مؤمن آل فرعون لم يذكر القرآن اسمه ولكن ذكر آثاره.

ومنها: تمكن مشاعر الإيمان في قلب العبد الصالح إلى درجة بعثته ليقوم بهذا العلم مع كونه محتفا بالمخاطر التي قد تودي به إلى الهلاك، إلا أنه لم يفكر إلى بالدعوة وصالحها.

ومنها: إشفاقه الشديد على قومه على الرغم مما ناله منهم من أذى، فمع أنهم قتلوه، إلا أنه تمنى أن يعلموا ما هو فيه من النعيم لكي يؤمنوا، فلم يحمله أذاهم على بغضهم ولا على تمني الشر والسوء لهم جزاء ما صنعوا به، بل بقي على شفقته عليهم وتني الخير لهم.

ما مناسبة قوله بعدها اتبعوا من لا يسألكم أجرا؟

هذه جملة استئنافية، والجملة الاستئنافية تأتي جوابا على سؤال يطرح: لماذا نتبعهم؟ فجاءت هذه الجملة لبيان سبب الاتباع، وذكر لهم صفتان:

لا يسألكم أجرا

وهم مهتدون

ما مناسبة قوله بعدها: ومالي لا أعبد.. ؟

هذه الجملة اختصرت العقيدة بكل حذافيرها، فنحن ابتداؤنا من الله وانتهاؤنا إليه، ولأن هذه الرسالة بهذا الشكل تخاطب الفطرة بشكل طبيعي، جاء في أولها ( ومالي ) على شكل سؤال استنكاري.

ما مناسبة الآية التي بعدها: أأتخذ ..؟

إيصال الضر والنفع من أهم أسباب العبادة فإن كانت هذه الآلهة لا تدفع ضرا ولا تجلب نفعا فلأي سبب تعبدونها.

وهاتين الآيتين تختصران أسباب ودواعي العبادة في حياة الإنسان.

ما مناسبة خطاب نفسه بدل خطابهم؟

هذا فيه غاية التلطف في الخطاب، فلم يتوجه بالخطاب مباشرة بل عرض بهم، ثم أتبع ذلك بقوله ( وإليه ترجعون ) وهذا من دلالات التعريض، وهو احتباك، فذكر في الأول ما حذف في الثاني وفي الثاني ما حذف في الأول، ويصبح المعنى:

مالي لا أعبد الذي فطرني وفطركم وإليه أرجع وإليه ترجعون.

ونسب العبادة لنفسه بسبب أن الله فطره فألزم نفسه بهذا، أما لهم فكأنه قال لهم: على الأقل اعبدوه لأنكم سترجعون إليه.

وقال بعدها أيضا: إني إذا لفي ضلال مبين، فنسب الضلال لنفسه لا لقومه.

وكل هذا تلطفا معهم، محاولة لإيصال الخير إليهم، حتى لا يقابله أحد بإنكار أو بإتيان علة، والاستفهام الإنكاري أقوى من التقرير.

وعلى الرغم من امتلاء هذا الحوار بالأدلة العقلية، إلا أنها لم تخل أبدا من العطف والحكمة والتلطف في الدعوة.

ما مناسبة قوله بعده: إني آمنت بربكم فاسمعون؟

هذا فيه الابتداء بالنفس بالاتباع، وهذا من أهم دواعي اتباع الداعية وهي تمثل الخير الذي يدعو إليه، وهذه هي الدعوة بالقدوة يعني أن يكون الداعي بنفسه هو القدوة.

ما مناسبة ذكر كلمة ربكم دون سواها؟

للإشارة إلى جانب رعايتهم ورزقهم وحياطتهم، كأنه يقول لهم: آمنت بربكم الذي يحيطكم ويرعاكم ويرزقكم.

ما دلالة الانتقال مباشرة إلى قوله قيل ادخل الجنة؟

الانتقال إلى هذه الجملة طوى تحته أحداثا كثيرة، هل عذب؟ هل قتله قومه؟ لم يذكر القرآن أيا من هذه الأمور، ولهذا الإغفال سببان فيما يظهر:

الأول: أن كل هذه الأحداث ليست مهمة في مقابل العاقبة التي كانت له، ليس مهما هل عذب أم لا؟ ما هي مصالحه التي انقطعت؟ ما هو الضرر الذي وقع عليه؟ لأن هذه الأمور لا وزن لها عند الداعية، في مقابل العاقبة التي ستكون له.

الثاني: على فرض أن قومه قتلوه وهذا ما يشير إليه تهديد الرسل سابقا بالرجم والعذاب، فلو أن قتله ذكر هنا لكان يشبه أن يكون إغراء لهم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم فلأجل ذلك طوى ذكر القتل، وانتقل مباشرة إلى النتيجة ليصرف انتباههم لها وتركيزهم عليها.

كما أن الجملة لم تأت على ذكر من قال ومن قيل له، للتركيز على هذا المعنى دون غيره لإبراز الاهتمام به.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها قوله تعالى بعدها: بما غفر لي ربي؟

هذا فيه إشارة إلى حاجة الناس جميعا إلى المغفرة حتى من قدم حياته ثمنا للدعوة كما حصل مع هذا الرجل الصالح، حتى لا يستكثر الإنسان ما قدم لدين الله ويشعر أنه لما يعد يحتاج لمغفرة الله أو رحمته.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها قوله تعالى: من بعده؟

هذا فيه دلالة على أنهم بمجرد قتله نزل عليهم العذاب، فالكافرون قد يقوموا بمعصية يهلكهم الله بعدها تماما أو يستكملوا بها النصاب اللازم لإنزال العذاب، وهذا فيه دلالة على قيمة هذه الرجل عند الله، وكم كان غاليا عنده، وهكذا يستعجل أهل الضلالة إهلاكهم بقتل المصلحين وأهل الإيمان.

ما دلالة نفي تنزيل الجند؟

ليبين حقارة شأنهم وأنهم لا يستحقون حتى تنزيل جند لإهلاكهم، وإنما هي مجرد صيحة واحدة لم تتكرر حتى، ولأجل ذلك قال بعدها : واحدة للتقليل من شأنهم أيضا.

ما دلالة إذا؟

المفاجئة في وقوع العذاب عليهم.

من المقصود بالعباد؟

المقصود كل من كذب الرسل بدليل مجيء ما بعدها والتي تفيد التجدد والتكرار.

من المخاطب بقوله ( ألم يروا .. )؟

هذه الآية والتي بعدها تنتقل بالكلام من ضرب الأمثال إلى العبرة من هذه القصة وهي: ضرب الأمثال لقريش بمن قبلهم من الأمم حتى يتعظوا ولا يصيبهم الهلاك الذي أصاب من قبلهم.

ومعنى الجملة: ألم يروا كثرة إهلاكنا لمن قبلهم من القرون ألم يروا أنهم إليهم لا يرجعون، أي إلى المشركين وكل من هلك مات وذهب ولم يعد، فهو يحرك وجدانهم بقصص التاريخ للاعتبار.

ما المناسبة من قوله تعالى ( وإن كل لما جميع لدينا محضرون )؟

الجملة السابقة ( أنهم إليهم لا يرجعون ) قد يفهم منها أنهم قد هلكوا ولن يعودوا، وهذا يتناقض مع قضية الحشر التي تحدثنا عنها، فتأتي هذه الجملة لتبين أنهم سيحضرون لاحقا جميعا.

ومعنى الجملة: إن كل إلا جميع لدينا محضرون، لأن لما بعد النفي تفيد الاستثناء.

كما أن هذه الآية أيضا تشير إلى معنى أكبر من المعنى السابق: وهو معنى البعث والرجوع إلى الله، هذا الموضوع الذي استغرق شرحه والكلام عنه المقطع الثالث في السورة، فجاءت هذه الآية لتشير إلى ما هو أبعد من مشهد هلاكهم وهو مشهد عودتهم محضرين يوم القيامة إلى الدين والحساب.

ماذا تفيد كلمة لدينا؟

لدينا تفيد معنى الأسر والوقوع في قبضتنا لغير المؤمنين، وتفيد معنى القرب بالنسبة للمؤمنين، وهذا فيه استمرار أيضا لخط العزة والرحمة المتلو في بداية السورة.

ما هي المعاني التي تشير إليها استخدام كلمة ( محضرون )؟

هذه الكلمة تفيد أنهم محضرون رغما عنهم، فهم مقهورون مرغمون على الحضور، أي أن هناك من أرغمهم على الحضور وهو الله جل وعلا.

 

Map Shot 1

 

Map Shot 2

 

Map Shot 3

 

Map Shot 4

 

Map Shot 5

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved