الأدلة العقدية

( الأدلة العقدية )

وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)

ما هو موضوع المقطع؟ وما هي مناسبته لما قبله؟ وما هي مناسبته لمقصد السورة؟

بعد أن عرضت السورة للأدلة التاريخية على صدق الرسالة وختم المقطع بتهديدهم، ثم أتبعتها بآيات الكون الدالة على عين ما جاءت به الرسل وختم المقطع بالتشنيع عليهم باستهزائهم، جاء هذا المقطع ليقص على القارئ المتدبر مشاهد من مشاهد الآخرة، مبتدئا بما ابتدأ به المقطع السابق من التشنيع عليهم باستهزائهم، ويأتي استمرارا للتهديد في المقطع السابق أيضا ( وما خلفهم ) أي من العذاب، وكأن لسان حال هؤلاء الكفار: لن نؤمن بكم ولا بما جئتم به ولن نعتبر بالكون ولا آياته، فما هي النهاية وما هي النتيجة؟

فجاء هذا المقطع ليبين ما ينتظرهم من خلفهم، حاملا رسالة للقارئ المتدبر:

من لم يكفه القرآن ولم تكفه آيات التاريخ ولا آيات الكون وأصر على عبادة الشيطان فليس له في الآخرة إلا العذاب الأليم.

ما مناسبة قوله تعالى: ويقولون متى هذا الوعد؟

استمرار في تهكمهم واستهزائهم.

ما مناسبة الجواب عن سؤالهم: متى هذا الوعد، بقوله تعالى: ما ينظرون إلا صيحة واحدة؟

هذا فيه انتقال مباشرة إلى الوعد وكأنه قد حدث، وكأنهم قد وصولوا إليه ، وكأنه يقول لهم: ما يفصلكم عن قولكم الآن وأنتم بهذا الإعراض وهذه السخرية هي صيحة واحدة فحسب، وسيختلف بعدها قولكم تمام، وسيكون حينها يا ويلنا.

وهكذا يرد القرآن على من يصل بالاستهزاء والاستكبار إلى هذه المرحلة، ويقول للداعية أن مثل هؤلاء لا تنفع معهم نذارة، وكأن في الآيات خيطا موصولا بقوله تعالى في أول السورة ( وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون )، وأن مثل هؤلاء هم الذين قال الله فيهم في أول السورة، لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون.

ما مناسبة استخدام كلمة الأجداث دون غيرها؟

الأجداث هي القبور، واحدها جدَث، جاء في تاج العروس: للقَبْرِ أَسماءٌ: الجَدَثُ، والجَدَفُ، والرَّمْسُ، والبَيْتُ، والضَّريحُ، والرَّيْمُ، والرَّجَمُ، والبَلَدُ، والجَنَنُ، والدَّمْسُ بالدَّال، والمُنْهَالُ. واستخدم الجدث هنا دون القبر لأنه لفظة الجدث قريبة من كلمة جدثة، والجدثة فيها معنيين:

صوت الخف والحافر

صوت مضع اللحم

فكلمة الجدث لا يستخدم إلا في هذه الحالة: أي حالة خروج الموتى من القبور، لتشير إلى صوت مشيهم من ناحية، وأيضا بعد أن مضغت الأرض لحومهم، فلأجل هذا عدل عن كلمة القبر إلى كلمة الجدث ليشير إلى هذين الأمرين.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها استخدام فعل النسلان دون غيره؟

يقول ابن فارس في المقاييس: النُّونُ وَالسِّينُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سَلِّ شَيْءٍ وَانْسِلَالِهِ. وَالنَّسْلُ: الْوَلَدُ. لِأَنَّهُ يُنْسَلُ مِنْ وَالِدَتِهِ. وَتَنَاسَلُوا: وُلِدَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَمِنْهُ النَّسَلَانُ: مِشْيَةُ الذِّئْبِ إِذَا أَعْنَقَ وَأَسْرَعَ. وَالْمَاشِي يَنْسِلُ، إِذَا أَسْرَعَ.

فهم سلوا من قبورهم وأسرعوا منها ماشين إلى ربهم، ولا يجتمع هذا وذاك إلا في هذه اللفظة.

وفيها أيضا إشارة إلى عدم استطاعة أحد أن يرفض المجيء والقدوم بل هم يأتون بسرعة إلى الله.

وفي عرض مشهد سيرهم، استكمال لمشهد من سعى بقلبه في سبيل الله مختارا كما في قصة الرجل الصالح، ولمن جرى بتقدير الله وأمره كالشمس، ولمن سيأتي يوم القيامة مكرها مسرعا إلى الحساب والجزاء.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها استخدام المرقد في كلامهم؟

الأصل في المرقد أنه المكان الذي ينام فيه الإنسان، فكأنهم لفرط جهلهم ظنوا أنهم كانوا نائمين واستيقظوا، وهذا فيه تعريض بهم وسخرية منهم.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها قول الله عز وجل: إلى ربهم دون غيره؟

فيه إشارة إلى معنى الحياطة والرعاية في جانب الله عز وجل، والمعنى: إلى ربهم الذي كان يرزقهم ويصلح أحوالهم ويحفظهم ويرعاهم.

ما مناسبة الحديث عن أهل الجنة ونعيمهم هنا؟
الحديث هنا جاء استكمالا لمعاني التثبيت في السورة، وكأن هذا المقطع يخاطب الدعاة ليقول لهم: لا تلتفتوا إلى الابتلاءات، ولا تفكروا بها، فأمامكم نعيم مقيم هذا حاله.

ما هي مناسبة قوله تعالى: سلام قولا من رب رحيم؟

هذا يأتي استكمالا لنعيم المؤمنين وهو أشد درجات النعيم وهو خطاب الله عز وجل لهم، وبكلمة السلام، ولأجل هذا ذيلت بقوله تعالى : رب رحيم، أي من تمام ربوبيته بهم ورحمته بهم جاء خطابه هنا لهم بهذا الشكل.

عن أي شيء أهل الجنة في شغل؟

قيل فيها:
أنهم في شغل عن أي شيء يزعجهم وأغفل ذكره حتى لا يعكر صفوهم، فالحذف هنا مراد منه التعمية على هذا المعنى الذي لا يليق ذكره ههنا.

أو أنهم في شغل عنكم لن يسألوا عنكم كما سأل سابقا الرجل الصالح وانشغل بهم.

وهذا فيه زيادة تبكيت لأهل الكفر عندما يرون أهل النعيم في نعيمهم وهم في العذاب.

ما مناسبة ذكر الأزواج؟

لاستكمال النعمة فإن الإنسان لما يكون أهله معه يكون أشد سعادة واطمئنانا.

ما هي مناسبة الأمر بالامتياز؟

زيادة في الإذلال لهم.

والتمايز غرض شرعي يقوم به العلماء في الدنيا.

ما وجه تأخير النداء أيها المجرمون؟

لتقليل قيمتهم مع أن الأصل الابتداء بالنداء، ولكن أخرهم وبادر بالتوبيخ

ما مناسبة الخطاب ببني آدم؟

لم يقل في هذا الموضع أيها الناس أو مثلها من الألفاظ، وإنما خاطبهم ببنوتهم لآدم عليه السلام، وذلك ليذكرهم بأبيهم آدم وعداوة الشيطان الدائمة له، وسعيه الدائم لتعبيدهم له بدل عبادة الله.

ما سبب عدم بيان سبب الأمر بطاعة الله؟

قال لاتعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، فعلل، وقال أن اعبدوني: ولم يقل إني لكم ولي، حتى لا يتكلوا وإنما بين لهم سببا آخر: وهو هذا صراط مستقيم أي أنتم المستفيدون منه.

ما هي مناسبة ذكر عبادة الشيطان هنا؟

جاءت هذه العبارة هنا لتبين حقيقة عبادة الشيطان، فليست عبادته قاصرة على صنع تمثال له والسجود له فحسب، بل كل ما جاء في السورة من ترك لعبادة الله إنما هو في حقيقته عبادة للشيطان، فمن ترك عبادة الله وقع في عبادة الشيطان حكما، ولأجل هذا أتبعها بقوله ( اعبدوني ).

ما هي مناسبة اختيار فعل أضل دون غيرها؟

اختار هذه الكلمة لمناسبتها ولمقابلتها لكلمة الصراط المستقيم التي وردت آنفا.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها استخدام كلمة جبلا دون غيرها؟

مادة جبل التي أخذ منها هذه اللفظ تجمع ثلاثة معان:

الأول: الكثرة يقال: حي جبل أي كثير.

الثاني: الغلظة والشدة ومنه الجبل لما عظم من أوتاد الأرض وطال، ويقال: أجبل الشاعر إذا صعب عليه القول كأنه انتهى إلى جبل منه، والجبل الضخم.

الثالث: القبح: يقال أنت جبِل وجبْل أي قبيح.

واختار هذه اللفظة دون غيرها كالخلق مثلا لتفيد هذه المعاني الثلاثة في وصف الناس الذي وقعوا في ضلال الشيطان:

فهم قوم كثير.

وهم غلاظ شداد القلوب والنفوس.

ولبيان قبح فعلهم وقبح صورهم في القلب في هذا الباب.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها التذييل بقوله أفلم تكونوا تعقلون؟

جاء التذييل بالعقل هنا دون العلم مثلا: لأن عداوة الشيطان أمر ظاهر يستطيع أن يدركه من عنده أدنى مسحة عقل، ولا يحتاج إلى عناء وبحث مثل العلم، فعبر عن ما يحتاجه الإنسان بأمر بدهي بسيط لا يخفى على أحد.

ما مناسبة ترك الكلام والشهادة للأعضاء دون ذكر ( ننطق ) في مقابل نختم؟

في الختم نسب الفعل إلى ذاته جل وعلا، فقال: نختم، أما في الإدلاء والشهادة فعل عن مقابله وهو: ننطق لئلا يوهم أن الله أنطقها مجبرة، ونسب فعل الكلام إلى نفسها هي، لبيان أنها هي من تتكلم من تلقاء نفسها.

ما مناسبة ذكر المسخ والطمس هنا؟

هذا فيه انتقال للدنيا بعد أن كان الحديث مستمرا عن أحوال الآخرة، ومن عادات القرآن أنه يكسر الحواجز الزمنية بين الدنيا والآخرة، فيطوف بين هذه وهذه.

وهذا فيه تهديد أن لو استمريتم على عنادكم واستكباركم هذا فيوشك أن نطمس على أعينكم فلا تستطيعون السعي إلى الصراط – أي الحق والهدى – فلا تصلون إليه.

وهذا خيط متصل بما جاء في أول السورة من الطمس على البصيرة والقمح والسدود.

ما مناسبة قوله بعدها: ومن نعمره ننكسه في الخلق؟

فيها عدة مناسبات:

الأولى: كأن فيها جوابا على من يشك في قدرة الله على الطمس والمسخ، فكأنها تقول لهذا المشكك: إذا كنت تشك بقدرة الله على الطمس والمسخ فانظر إلى تغير الخلق شيئا فشيئا حتى يعود كما كان، وهذا فيه خيط لما مضى عن الحديث عن القمر، وكأنه القمر عاد إلى العرجون القديم.

وهذه عادة القرآن يطرح قضية ثم يسوق الأدلة على صوابها وقدرة الله عليها.

الثانية: وكأنها تقول لهم:

بادروا بالإيمان قبل أن تصلوا إلى مرحلة لا تستطيعون فيها أخذ قرار الإيمان.

فالإنسان لا زال يؤجل التوبة والرجوع إلى الله سنوات وسنوات حتى ينتصر الإسلام وسيؤمن الخلق كله، وسيبقى هكذا لوحده منكوسا في وسط المؤمنين، ويكون معنى ننكسه أي نذله.

وكأنها بشرى لانتشار الدين.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها مضارعة الجملة ولو نشاء؟

لزيادة التهديد لأن هذه المشيئة مستمرة إلى الآن.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها تعدية الطمس بعلى؟

لبيان زيادة الطمس واستغراقه كل العين.

ما مناسبة قوله ومن نعمره ننكسه في الخلق هنا؟

هذه فيها استكمال للجملتين التين قبلها مباشرة، فكأنها تقول: لو نشاء لطمسنا ومسخنا فإن قال قائل ما الدليل على إمكانية هذا الطمس والمسخ مع عدم وقوعه؟ فيأتي الجواب بالتنكيس في الخلق الذي يكون على الإنسان

ما مناسبة إفراد الحي وجمع الكافرين؟

في حديثه عن المؤمنين جاء بالإفراد : لينذر من كان حيا، أما في حديث عن الكافرين فجاء بالجمع: ويحق القول على الكافرين، ليشير إلى قلة المؤمنين وكثرة الكافرين، وهذه الجملة متصلة بقوله تعالى ( إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب) في أول السورة، وبقوله تعالى ( إنا نحن نحيي الموتى ) أيضا في أول السورة، وهكذا تتصل المعاني في السورة ببعضها.

 

Map Shot 1

 

Map Shot 2

 

Map Shot 3

 

Map Shot 4

 

Map Shot 5

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved