الآيات بين الإعراض والإلحاد في سورة فصلت

ما هي الأسماء الواردة فيها ؟

تسمى حم السجدة بإضافة حم إلى السجدة، وبذلك ترجمت في «صحيح البخاري» وفي «جامع الترمذي» لأنها تميزت عن السور المفتتحة بحروف حم بأن فيها سجدة من سجود القرآن.

والذي يظهر أن هذا هو اسمها التوقيفي

وسميت هذه السورة في كثير من التفاسير سورة فصلت. وذلك لأن كلمة فصلت ذكرت فيها مرتين إحداهما في أول السورة.

والذي يظهر أن هذا الاسم ليس توقيفيا لها.

مكان نزولها؟

مكية بالاتفاق

كم عدد آياتها ؟

وعدت آيها عند أهل المدينة وأهل مكة ثلاثا وخمسين، وعند أهل الشام والبصرة اثنتين وخمسين، وعند أهل الكوفة أربعا وخمسين.

هل ثبت شيء في فضلها ؟

ورد في فضلها بخصوصها أو في الحواميم أحاديث لكن لا يصح فيها شيء.

ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك؟

ذكر أهل العلم مقصدا لهذه السورة بحسب ما لاح لهم من معانٍ ومناسبات فيها، فقد ذكر البقاعي أن مقصد السورة هو : االإعلام بأن العلم إنما هو ما اختاره المحيط بكل شيء قدره وعلمًا من علمه لعباده فشرعه، لهم، فجاءتهم به عنه رسله، وذلك العلم هو الحامل علىالإيمان بالله والاستقامة على طاعته المقترن بهما . أي أنه يوفقه سبحانه فلا يفعل إلا ما يرضيه. وعلى ذلك دل اسمها فصلت بالإشارة إلى ما في الآية المذكورة فيها هذه الكلمة من الكتاب المفصل لقوم يعلمون، وبهذا قرر مقصدا وربط بينه وبين اسم السورة ( فصلت ).

وقرر بعضهم أن المقصد هو القرآن وبيان شرفه وبيانه مثل الفيروزأبادي: بيان شرف القرآن والشيخ عبد الحميد طهماز: القرآن والتزكية، وهذا مأخوذ فيما يظهر من اسم السورة فصلت حيث يقع هذا الفعل على آيات الكتاب الذي افتتحت الآيات بالحديث عنه.

وذهبت طائفة منهم إلى مقصد نراه أكثر تحديدا وظهورا وهو يتعلق بالمعرضين عن القرآن أو الرسالة أو الدين، فيذكر الدكتور علي الألمعي أن المقصد هو: معالجة المعرضين عن القرآن برفق وقال غيره: تفصيل الطريق إلى الله ومعالجة المعرضين عنه برفق وقررت الدكتورة فلوة الراشد أن المقصد: القرآن وصفات المعرضين وكذلك الشيخ سعيد حوى: الرد على المعرضين

 يقولُ الرازيُّ أيضاً في سورةِ فُصِّلت:

“وقد ظهرَ مِن كلامِهِ في تفسيرِ هذه السورةِ أنَّ المقصودَ مِن هذه السورةِ هو ذكرُ الأجوبةِ عن قولِهِ:

 {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ}

”فتارةً يُنبّهُ على فسادِ هذه الطريقةِ، طريقةُ المشركين في استقبالِ القرآنِ، مرّةً يُنبّهُ على فسادِ هذه الطريقةِ وتارةً يذكرُ الوعدَ والوعيدَ لمَن لم يؤمنُ بهذا القرآنِ ولمَن يُعرضُ عنه. وامتدَّ الكلامُ إلى هذا الموضعِ من أول السورةِ على الترتيبِ الحسنِ والنظمِ الكاملِ

وبالتأمل فيما سبق وفي المعاني التي في السورة يظهر أن فيها معنيين بارزين تكررا أكثر من مرة فيها وهما ( الإعراض ) و ( الإلحاد ).

فقد تكرر الإعراض في ثلاثة مواضع فيها اثنين في أولها وواحد في آخرها، ذكر في أولها ( فأعرض أكثرهم ) في وصف حالهم وردة فعلهم على القرآن، ثم ذكر بعدها ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم ) في معرض الجواب والتهديد، ثم ذكر في آخر السورة ( أعرض ونآى بجانبه ) في معرض بيان حال الإنسان على العموم.

وأما الإلحاد فقد ذكر مرة واحدة في السورة وذكر ضده وهي ( الاستقامة ) مرتين، فقد ذكر الاستقامة في أول السورة في حكاية وصية النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين ( فاستقيموا إليه ) ، ثم ذكرت مرة ثانية في سياق مدح المتصفين بها ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا )، وذكر الإلحاد في قوله تعالى ( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا )

لماذا الإعراض والإلحاد؟ ما معنى الإعراض وما معنى الإلحاد وما الفرق بينهما؟

أما الإعراض فهو إعطاؤك الشيء عارضك أي جانب وجهك: أعرض عن صاحبه، أي ولاه عرضه أو عارضيه والعارض الخد وجانب الوجه، وصد عنه وأدار ظهره له غير مكترث ولا مهتم وصد عنه وتجاهله وجفاه، والإعراض الانصراف عن الشيء بالقلب أيضا وقيل( المعرض والمتولي يشتركان في ترك السلوك إلا أن المعرض أسوأ حالا لأن المتولي متى ندم سهل الرجوع عليه أما المعرض فيحتاج إلى طلب جديد )

وقريبا منه ( نأى بجانبه ) وتقال للرجل إذا تكبر وأعرض بوجهه عن الشيء.

وأما الإلحاد: فأصله بمعنى الميل، وألحد في الدين أي حاد عنه وعدل وطعن فيه، وهو راجع إلى معنى الظلم لأنه عدول عن الوسط الذي هو الحق إلى الجانب وهو الباطل وأكثر ما يكون ذلك عن تعمد الإفساد.

والإلحاد في الآيات يشمل الآيات الكونية والقولية: فالإلحاد في الآيات الكونية هو العدول والانصراف عن دلالة الآيات الكونية على ما دلت عليه من تفرد الله في الخلق والتدبير، وأما الإلحاد في الآيات القولية فهو العدول عن سماعها والطعن فيها والسعي في صرف الناس وصدهم عنها.

فهما مشتركان في أن كليهما كان بعد العلم ومعرفة الحق وواحد دافعه الكبر والآخر دافعه استبدال الأدنى بالأعلى وهذا ما سنعرضه لاحقا في الحديث عن قصتي عاد وثمود.

والسورة كلها في الحديث عن الإعراض والإلحاد بدأ من إثبات الصفتين بهؤلاء الأقوام مرورا بعلاجهما بالوعد والوعيد إلى تأنيبهم بدعائهم في حال الضر مع إصرارهم على التكبر في حال النعمة والرخاء.

ومن المعاني المهمة في هذه السورة الوصية بالتعامل مع هؤلاء بالحسنى وقد ظهر هذا جليا في أول السورة في رد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ( قل إنما أنا بشر مثلكم .. ) وفي وسطها ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة .. ) وفي آخرها ( قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به … ) وفي المواضع الثلاثة دعوة بالحسنى لهؤلاء المعرضين على الرغم من عنادهم فهذه الوصية يجب أن تبقى في بال الدعاة دائما في دعوتهم.

ومن هنا لم يبعد النجعة من قال أن المقصد هو ( معالجة المعرضين بالرفق ) وإن كان هذا المعنى معنى بارزا إلا أن هناك معان أخرى قوية حاضرة مثل التهديد والتوحيد وغيره، لذلك اخترنا الإعراض والإلحاد باعتباره المحور الأساسي للسورة ومنه تتوزع المعاني الأخرى وتدور في فلكه.

 

 

 

Map Shot 3

Map Shot 4

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved