(استهلال)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8)

ما هو مقصد هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة وما هي الرسالة التي يحملها؟

هذا المقطع هو بمثابة بداية واستهلال لمعاني السورة وقد جاء فيه من المعاني:

              1-            تعظيم القرآن: وذلك بالإقسام به عليه، وذكر وقت نزوله في ليلة مباركة هي ليلة القدر، وهي ذات الليلة التي تفصل فيها الأمور العظيمة المهمة.

              2-            ذكر الرحمة.

              3-            ذكر الإنزال والإرسال.

              4-            ذكر الربوبية والألوهية.

وكثيرا ما تتكرر مثل هذه الأغراض في السورة المكية، في مطالع السور أي بداياتها، وفي مقاطعها، أي خواتيمها.

فقد أشبع المقطع القول في المعاني السابقة واكتفى بذلك، ولم يناقش القوم في شيء ولم يعرض عليهم شيئا.

ما مناسبة ذكر وقت نزول القرآن هنا؟

ذكرت الآيات وقت نزول القرآن في تلك الليلة التي وصفتها بأنها مباركة وبأنها محل لقضاء وإنفاذ أمور هامة، لعدة مناسبات فيما يظهر:

منها: التنويه بشأن هذا القرآن وبيان تشريفه بجعل وقت نزوله في هذه الليلة المباركة.

ومنها: البدء بالإشارة إلى نزول الرحمات وأنها هي الأصل في تعامل الرب جل وعلا مع الخلق وذلك قبل ذكر العذاب النازل عليهم من السماء.

ومنها: استحضار تلك الصورة المهيبة التي تفصل فيها الأمور الحكيمة التي يقضيها الله عز وجل في تلك الليلة في مقابل شك الكافرين ولعبهم واستخفافهم بالرسالة وصاحبها، وفي هذا مزيد بيان لعظيم الجرم الذي ارتكبوه في حق الرسالة.

ما مناسبة الاعتراض في جملة ( إنا كنا منذرين )؟

لا شك أن الاعتراض في الكلام له أغراض يجمعها فكرة لفت النظر للكلام المعترض لأهميته للمعنى ولكلام المتكلم، والإنذار هنا في غاية المناسبة لموضوع السورة ومقصدها ألا وهو العذاب النازل وشدته، والمقصود من الاعتراض هنا إبراز الإعذار بهذا القرآن قبل أن يحل عليهم عذاب الدخان، وحتى تكتمل الصورة، أتبع الإنذار بذكر الإرسال في جملة معترضة أيضا ( إنا كنا مرسلين )، وأتبعت هذه الجملة بالرحمة للحفاظ على هذه السنة القرآنية، ألا وهي الجمع بين الترغيب والترهيب في كل المواضع.

screenshot 08

screenshot 07

ما مناسبة التذييل بقوله ( إنه هو السميع العليم ) ؟

هذه الجملة تشبه أن تكون تعليلا لما قبلها والمعنى: إنا كنا مرسلين رسولا وكتابا للناس بعد أن علمنا ضلالهم وعبادتهم للأصنام، وظلم قويهم لضعيفهم، وإغواء أئمة الكفر للناس، رحمة بهم ليهديهم ويصلح عقائدهم وأعمالهم، فإننا نحن العالمون بأحوالهم، سمعنا ما يجري بينهم وعلمنا أحوالهم فكان هذا الإرسال منا رحمة بهم.

وفيه أيضا تعريض بالتهديد بمن كفر بهذا الكتاب المبين، بأنه مطلع على ما قابلوا به الرسالة من الجحود والنكران وسيأتيهم جزاؤهم لا محالة.

ما مناسبة ذكر العلم بعد السمع مع أن السمع داخل فيه؟

إفراد السمع خاصة ربما كان فيه إشارة إلى الدعاء، فكما أن شرك المشركين كان في دعاءهم لأصنامهم، فإن الله أكد هنا على كونه سميعا يسمع دعاء الداع إذا دعاء، سواء كان الدعاء لرفع ضر أو جلب رحمة، فإنه صاحب القدرة وصاحب النفع.

وفي هذا إشارة أيضا إلى ما سيأتي من دعاء المشركين يوم يأتيهم العذاب ( ربنا اكشف عنا العذاب ) فيكون الجواب من السميع ( إنا كاشفوا العذاب ) وفي هذا حث وتحريض للناس على اللجوء إلى الله وما في هذا المعنى من بعد عن الشك واللعب، فالدعاء والتضرع إلى الله السميع من أهم المعاني المضادة للشك واللعب، ومن أهم أسباب دفع العذاب النازل.

ما دلالة لفظي ( من عندنا ) و ( من ربك ) في المقطع؟

عبارة من عندنا تفيد الزيادة في التعظيم فهي سيقت للفت النظر إلى مصدر الأمور وكونها من عند الذات الإلهية بعظيمتها وهيبتها، وأما عبارة من ربك ففيها عدة دلالات: فإن لفظة الرب تشير إلى الحياطة والعناية والرعاية والإصلاح، وذكر ضمير الخطاب بعدها فيه عدة أمور: منها الإشارة إلى خصوصية الحياطة للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين، وفيه شمول له بالخطاب وتخصيصه بالرحمة ولا عجب وهو الرحمة في نفسه ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

ما مناسبة آخر آيتين في المقطع؟

آخر آيتين تحدثتا عن الربوبية والألوهية، وهاذين الأمرين من الأمور الأساس المهمة التي يدور حولها الحديث في القرآن، فكان من المناسب جدا أن تذكر في مقدمة هذه السورة، فإن الدعوة إلى توحيد الألوهية والربوبية هو الأمر الذي أنزل لأجله القرآن العظيم الذي سبق الحديث عنه في بداية السورة.

وجاءت جملة ( لا إله إلا هو ) بعد جملة ( إن كنتم موقنين ) قائلة للناس: إن كنتم موقنين بربوبيته حقا كما تدعون، فلا تعبدوا غيره إذاً، فإن توحيد الإلهية دليل على صدق اليقين.

ما مناسبة ذكر يحيي ويميت بعد ذكر توحيد الألوهية؟

هذه الجملة ( يحيي ويميت ) مستأنفة ومفصولة عما قبلها لأنها مؤكدة لها، وصيغة المضارع تدل على التجدد والحدوث، ومجيء هذين الفعلين بعد التوحيد، دليل عل أن هذين الفعلين وهما أهم ما بني عليه الوجود لا يكونان إلا منه سبحانه وأنهما من دلائل استحقاقه للتوحيد في الألوهية.

كما أن فيه دليلا على أنه يحيي ويميت وأن هذه القضية ليست بحاجة إلى دليل باعتبار أن الله هو الرب، فليس الرب عاجزا عن الإحياء والإماتة وليس فعله بحاجة غلى دليل خاصة أنكمترون كيف أحياكم إذ ولدتم من آبائكم وأمات آباءكم الأولين، فأنتم وأباؤكم الأولين دليل عملي ملموس على قدرته على الإماتة وعلى قدرته على الإحياء وبالتالي على ربوبيته جل وعلا.

وفي هذا توطئة وتهيئة ورد مسبق على ما سيأتي لاحقا في السورة من ذكر تعنتهم في طلبهم الإتيان بآبائهم الأولين كدليل على إمكان البعث يوم القيامة.

Map Shot 1

 

 

 

 

Map Shot 2 

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved