مسؤولية الرجل
(عتاب المحب)
(مسؤولية الرجل)
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِيم ﴿١﴾ قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡۚ وَٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ ﴿٢﴾
ما هو موضوع هذا المقطع، وما مناسبة الابتداء به، وما مناسبته لمقصد السورة؟
هذا المقطع في سياق عتاب النبي صلى الله عليه وسلم على تحريمه ما حرم لأجل ابتغاء مرضات أزواجه، وهي القصة الأساسية في السورة.
والأمر الذي أريد أن ألفت له النظر وأن أنبه عليه هو المستوى الذي وضعته الشريعة لرب الأسرة في التعامل في أسرته واعتبار مرضاة أزواجه، وبين المستوى الذي شاع في المجتمعات التي تشبعت بأفكار الجاهلية، ويبرز هذا في نقاط منها:
أولا: التعامل بشكل طبيعي جدا مع تعدد الزوجات، وهو ما يعد كارثة في أيامنا هذه، فهذه السورة تؤسس فعليا للمستوى الذي يضبط تصرفات وأفعال الزوجين في الأسرة، وهي تؤكد على الصورة الطبيعية للأسرة بوجود أكثر من زوجة في الأسرة لأنها جاءت أصلا في حادثة جرت بوجود أكثر من زوجة في الأسرة، فما بالك بمن يمتنع بل ويدعو إلى الامتناع عن التعدد بحجة مراعاة مشاعر الزوجة، هذا يشعرك بالفارق الهائل بين ما يرسمه لنا القرآن من طريق وبين ما يرسمه لنا من انهزم أمام موجة النسوية من طلاب علم، ضعفا أو غفلة أو ارتزاقا.
ثانيا: السورة عاتبت النبي صلى الله عليه وسلم على أمر يعده الناس في أيامنا هذه من القضايا البسيطة جدا التي لا يلقون لها بالا، بل يعدون ما هو أعظم منها وأقبح منها بكثير من التصرفات التي تعذر بها النساء، بسبب التقلبات المزاجية والهرمونات وما إلى هنالك، وهذا جهل خطير وتساهل يؤدي إلى نتائج كارثية نراها واقعا في حياتنا الآن، وهذا أيضا فيه تحديد للمستوى الذي ينبغي أن يكون عليه سلوك الرجل في بيته، فلا يرضى بأي تصرف يؤدي إلى خلل شرعي مهما كان حجمه، ولو كان بأن يمتنع عن أمر مباح له تمام، وأن يكون حازما في تصرفاته مع نسائه، خاصة لو طلبن طلبا غير شرعي مهما كان الأمر صغيرا، وهذا وإن كان في ظاهره صلبا قاسيا، وقيدا على الجميع، إلا أنه يحافظ على العربة على السكة، ويمنعها من الخروج عن المسار المحدد لها، ويضمن سلامة العربة والركاب، ويضمن وصول العربة إلى الوجهة المطلوبة.
ما مناسبة الابتداء بعتاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل عتاب أزواجه؟
الابتداء بعتاب النبي صلى الله عليه وسلم يفيد أن الرجل هو المخاطب أولا في إصلاح البيت والأسرة، باعتباره القوام عليها، فهو المسؤول عن استقامتها لذلك خوطب النبي صلى الله عليه وسلم قبل مخاطبة أزواجه رضوان الله عليهما.
قليست مهمة الرجل في بيته تأمين الطعام والشراب والتعليم وما إلى هنالك، صحيح أن هذه إحدى مسؤولياته، لكن تبقى المسؤولية الكبرى في تقويم سلوك الأسرة والحفاظ عليها على الطريق القويم.
وهذا فيه تقرير للنظام الأبوي في الأسرة، هذا النظام الذي تسعى النسوية بخيلها ورجلها لأجل نقضه وتقويضه وهدمه، لا لشيء إلا ابتغاء رضا هواهم، إلههم الذي يعبدونه.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها الابتداء بالنداء؟
النداء للفت الانتباه حتى يقبل إليه بالكلية ويدبر عما سواه من الأزواج وغيرهن.
وهذه السورة جاءت فيها النداءات سبع مرات، وكما قلنا فإن النداء للفت الانتباه والإقبال على المتكلم والإعراض عما سواه، وكأن الاستفتاح بالنداء يقول للقارئ المتدبر: انتبهوا لما سيلقى إليكم في هذه السورة، فإنكم قد تغفلون عن هذا الثغر العظيم – ثغر الأسرة – ثم يدخل منه الكافرون والمنافقون، أو تفسده نساؤكم لقلة عقولهن ومسارعتهن في أهوائهن.
فجاء التحذير طويلا جدا في هذه السورة وافتتحت بما افتتحت به أختها الكبرى الأحزاب، وأختها التي سبقتها الطلاق، للفت الأنظار.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها نداء الله بقوله يا أيها النبي؟
النداء هنا بيا أيها النبي فيه تلطف وإ إشارة إلى علو مقامه ولا عجب، فإن النبوءة والوحي النازل إليه من الله شرف يختار الله له من يشاء، ومرتبة عالية يصطفي الله عز وجل لأجلها من يشاء، ولأجل إلهاب مشاعره صلى الله عليه وسلم وتذكيره بمرتبته العظيمة جاءت هذه الجملة لتقول له: يا أيها الذي شرفناه بالنبوة، واصطفيناه على الناس بالوحي، لا يستقيم مع هذا التشريف أن تمنع عن نفسك شيئا لسبب غير معتبر كغيرة الزوجات لأنك رب أسرة أولا، وقدوة للمسلمين ثانيا، فدع عنك هذا الأمر وكفر عن يمينك وائت ما أباح الله لك، ولا تبال بغيرة زوجاتك فإنها غير معتبرة إن تجاوزت الحد الشرعي.
فالنداء بالنبوة للتشريف وللاتساء به.
ولو بدأ العتاب بقوله (لم تحرم) لفرق قلبه عليه الصلاة والسلام، ولترك أثرا كبيرا وإن جاء الترفق بعد ذلك، وهذا أسلوب الحبيب الذي لا يريد إلحاق أي هزة عاطفية بقلب حبيبه مهما كانت الهزة مغلفة بالأساليب الرفيقة الرقيقة.
هل الخطاب هنا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم أم عام يراد به النبي صلى الله عليه وسلم والأمة معه؟
نداء النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن جاء على ثلاثة أوجه:
الأول: خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم وأريدت به أمته دونه، كقوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغا عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) فهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو غير مراد به قطعا.
الثاني: ما كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يدخل معه غيره قطعا مثل قوله جل وعلا (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء) ومن مثل قوله تعالى ( وامرأة مؤمنة إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين) ومن مثل قوله تعالى ( ولسوف يعطيك ربك فترضى) ومن مثل قوله تعالى (فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير).
الثالث: خطاب موجه له صلى الله عليه وسلم، ويراد به شخصه والأمة من وراءه معه، مثل قوله تعالى ههنا ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك).
فالخطاب هنا وإن كان موجها للنبي صلى الله عليه وسلم فإن المراد به عموم الأمة فالخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم باعتباره زوجا لا نبيا.
ما المراد بالسؤال هنا: لم تحرم ما أحل الله لك؟
المراد نفي أن يكون هذا العذر مبيحا لهذا التحريم كما سبق وذكرنا.
هل لقوله تعالى: تبتغي مرضاة أزواجك مفهوم مخالفة؟
الحكم هنا واقع على مضمون الجملتين، أي التحريم نفسه وكونه بغير سبب معتبر وهو الغيرة التي في غير مكانها من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
وفيه نوع عذر للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه ما أراد من هذا التحريم إلا خيرا، وهو جلب رضا الأزواج مع التنبيه والتأكيد على أن مثل هذه المرضاة لا يعبأ بها في مثل هذه الحالة لأن الغيرة حصلت بينهن رضوان الله عليهن لأجل المناكفة والمكايدة فحسب، وذلك مما يخل بحسن المعاشرة بينهن، وأما ابتغاء مرضاة الأزواج في غير هذا السياق فلا يلام عليه الإنسان ولا يحرج عليها في مثل هذا بل هو من جنس العشرة بالمعروف التي أمر الله بها الرجال.
لماذا عبر عن المحرم باسم الموصول: ما أحل الله لك؟
هذا فيه إشارة إلى أن هذا المحرم أحله الله، والله يريد من عبده أن يتمتع به ما لم يعرض له ما يوجب منعه من ضر أو مرض، فإن استحلال الحلال شكر لله واعتراف بنعمته والحاجة إليه، وهو مما يرضي الرب عن العبد.
ما مناسبة التذييل بقوله: والله غفور رحيم؟
الختام بالمغفرة والرحمة فيه تطييب لخاطر النبي صلى الله عليه وسلم وتأنيس له من وحشة هذا الملام، فختم بوعده بالمغفرة والرحمة.
ما مناسبة قوله تعالى بعدها: قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم؟
هذا فيه بيان لحل المشكلة التي وقع بها النبي صلى الله عليه وسلم من تحريم العسل أو الجارية، وهذه عادة قرآنية، لا يطرح مشكلة إلا ويتبعها بالحل المناسب والعلاج الفعال، وهو أن يكفر النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه ويأتي ما أباح الله له، ولا عجب فإن القرآن إنما جاء هدى ونور.
ما هي مناسبة قوله جل وعلا بعدها: والله مولاكم وما هي المعاني التي تنتهي إليها هذه الجملة؟
هذه الكلمة في غاية الأهمية، وقد مر عليها الكثير دون الوقوف على أعتابها على الرغم من أهميتها البالغة والمعنى الهائل المتفجر من ورائها، منشغلين بمعناها العام شارحين له، غافلين عن موضعها في السياق، وكان حريا بهم أن يسألوا هنا: من هم المخاطبون بهذه الجملة؟ ولماذا وعدهم الله بولايته ههنا؟ فإن السياق يجعل للكلام العام معنى خاصا مسكوبا في هذا السياق.
ومعلوم هنا أن السياق في عتاب النبي صلى الله عليه وسلم في الامتناع عن مباح لغرض غير معتبر ابتغاء تجنب سخط الزوجات، وتجنبا للإشكاليات التي يمكن أن تنتج عن سخطهن، فإذا وضعنا قوله تعالى: والله مولاكم بدلالتها في هذا السياق، ظهر لنا أن المخاطبين هنا هم الذين لم يتجاوزوا بحرصهم على سكون البيت وهدوءه، ولم يتجاوزا بحرصهم عن البعد عن الإشكاليات، لم يتجاوزوا ما هو حده الله من حدود ولو كان في أبسط الأمور، فالله عز وجل يقول لهم: امضوا على ما أنتم عليه في إصلاح بيوتكم ووضع الأمور في نصابها الصحيح، مهما أصابكم في سبيل ذلك من أذى، فإني متوليكم وناصركم فلا تتوانوا في الإصلاح.
ما مناسبة التذييل بقوله جل وعلا: وهو العليم الحكيم؟
هذا مسك الختام لما سبق، وكأنها تثبت المعنى السابق – وهو سعي الرجال في إصلاح بيوتهم لدى أدنى شائبة مهما كان الثمن – وترده إلى الله، فالله هو أعلم بما يصلح الناس وهو ينزل الأمر الذي يحكم أمورهم مهما بدا عكس ذلك فأمره هو عين الصواب وهو عين الحكمة، ولا جرم فهو العليم بخلقه ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved