بين يدي السورة

تربية الأسرة المسلمة في سورة التحريم

 

ما هي الأسماء الواردة فيها ؟

سُمِّيَتْ (سُورَةَ التَّحْرِيمِ) في كُتُبِ السُّنَّةِ وكُتُبِ التَّفْسِيرِ. ووَقَعَ في رِوايَةِ أبِي ذَرٍّ الهَرَوُيِّ لِصَحِيحِ البُخارِيِّ تَسْمِيَتُها باسْمِ (سُورَةِ اللِّمَ تُحَرِّمُ) بِتَشْدِيدِ اللّامِ، وفي الإتْقانِ وتُسَمّى (سُورَةَ اللِّمَ تُحَرِّمُ)، وفي تَفْسِيرِ الكَواشِيِّ أيْ بِهَمْزَةِ وصْلٍ وتَشْدِيدِ اللّامِ مَكْسُورَةً وبِفَتْحِ المِيمِ وضَمِّ التّاءِ مُحَقَّقَةً وتَشْدِيدِ الرّاءِ مَكْسُورَةً بَعْدَها مِيمٌ عَلى حِكايَةِ جُمْلَةِ (﴿لِمَ تُحَرِّمُ﴾ [التحريم: ١]) وجَعْلِها بِمَنزِلَةِ الِاسْمِ وإدْخالِ لامِ تَعْرِيفِ العَهْدِ عَلى ذَلِكَ اللَّفْظِ وإدْغامِ اللّامَيْنِ.

وتُسَمّى (سُورَةَ النَّبِيءِ) ﷺ وقالَ الآلُوسِيُّ: إنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ سَمّاها (سُورَةَ النِّساءِ) . قُلْتُ ولَمْ أقِفْ عَلَيْهِ ولَمْ يَذْكُرْ صاحِبُ الإتْقانِ هَذَيْنِ في أسْمائِها.

وكل هذه الأسماء تدور حول قصة التحريم والدروس والعبر المستفادة منها كما سيأتي.

مكان نزولها؟

مدنية بإجماع أهل العلم، وهو الصواب، وهي من أواخر ما نزل من القرآن ويدل على ذلك تناولها لأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها وقصة مارية رضي الله عنها، وقد بنى بهن النبي صلى الله عليه وسلم متأخرا.

كم عدد آياتها ؟

عد آيها اثنا عشر آية.

هل ثبت شيء في فضلها ؟

لم يثبت في فضلها شيء.

ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك، وما مناسبة الاسم للمقصد؟

الظاهر أن السورة جاءت في تربية الأسرة المسلمة على مبادئ بينتها السورة، وهذه السورة هي الأخت الصغرى لسورة الأحزاب كما سنرى، وسورة الأحزاب وإن كانت تدور حول تطبيع المجتمع كله على أوامر الله فإن هذه السورة جاءت بمعان ضرورية لقيام وصلاح الأسر كما سيأتي، ورسمت فيها الحدود الشرعية للتعامل وبينت بوصلة الأسرة المسملة ودوافع الرجال والنساء في التعامل فيها، ويمكن القول أن مقصد السورة هو (رخصة قيادة أسرية)، فكما أن سورة الأنفال رخصة قيادة جهادية لا يستقيم لرجل أن يجاهد في سبيل الله حتى يتدبر المعاني التي فيها، كذلك حري بكل رجل وامرأة يرغبان بتكوين أسرة أن يتخرجا من مدرسة معاني هذه السورة على الوجه الصحيح على على ما هو مطروح في السوق العلمية من الاكتفاء بظاهر الكلام فيها، وذلك قبل أن يشرعا في تكوين هذه الأسرة حتى تقوم هذه الأسرة على دعائم قوة من الاحتكام لشريعة الله، على المستوى الذي رسمه الله عز وجل لنا، لا على ما جاء به المجتمع أو النظام الدولي الطاغوتي الذي يريد تعبيد الناس للغرب وللمادة ولرأس المال، ولا على ما جاء به المجتمع الجاهلي الذي لا يبالي ممن أخذ عقائده وافكاره.

ولا تسل بعد ذلك عن ارتفاع نسب الطلاق، وكلما ابتعد الناس عن كتاب الله أصابهم الفساد ولا بد، فإن الله أنزل هذا الكتاب حكما وميزانا بينهم، ليصلح أحوالهم ويقسم بينهم حقوقهم بما فيه صلاح أمرهم واستقراره، وكلما تنكبنا الطريق ورفضنا أمر الله ووزعنا الحقوق وفق ميزاننا نحن لا وفق ميزان الله، أصابنا الاضطراب والفساد ولا بد، ولن يصلح حال فرد ولا أسرة ولا مجتمع إلا بالاحتكام الجاد إلى كتاب الله وإلقاء أنفسنا في هذا الكتاب لنعيد صياغة افكارنا وتحديد وجهتنا ومبادئنا وعقائدنا، وما سوى ذلك فدونه خرط القتاد.

ويبقى المؤمن أو المؤمنة في غنى كامل عمن يرد أمر الله أو يحتكم لغيره في تأسيس هذه اللبنة المهمة في بناء المجتمع، والبحث عن زوج صالحة ترضى بتحكيم هذه السورة في بيتها هو الأساس في هذا، ولا تأسف على من لم ترض بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا وبالقرآن دستورا وحكما يتحاكم إليه الزوجين، فإن الخراب لا محالة مآل مثل هذه الأسر مهما طال الزمان أو قصر.

ويلوح في هذه السورة أيضا معنى بارز جدا وهو (المسؤولية في الأسرة) فقد بين المقطع الأول المسؤولية الملقاة على عاتق الرجل، ثم المسؤولية الملقاة على عاتق المرأة، ثم المسؤولية الملقاة على عاتقهما، ثم المسؤولية المقاة على أهل الحل والعقد، ثم المسؤولية الفردية، وهو أقرب ما قيل في مقصدها بحسب فهمي وليست المقاصد الأخرى منه ببعيد.

وقد أبعد البقاعي رحمه الله النجعة في بعض اختياره المقصود، وأقرب في بعض، فقد اختار لها مقصدا: الحث على الأدب مع الله ورسوله وسائر العباد، والندب إلى التخلق بحسن المعاشرة لا سيما مع النساء، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في حسن عشرته، وكريم صحبته، وبيان أن الأدب الشرعي يكون باللين والأناة، ومرة بالسوط وما داناه، وأخرى بالسيف وما والاه.

وليس في السورة على ما رأيت سوى إشارة بسيطة جدا ومعنى بعيد في حسن العشرة، والسورة تؤسس للمسؤوليات وتعاتب عتابا لطيفا وتهدد تهديدا قويا في عامة مقاطعها.

ما هي أهمية هذه القضية؟

مما لا يحتاج إلى تطويل وشرح قضية أهمية الأسرة في المجتمعات، وهذا ما يفسر هذا الهجوم الواسع على الأسرة لهدمها من أصولها، بزرع عقائد بعيدة كل البعد عن هذا الدين الحكيم، والفكر النسوي هو أبرز معالم هذه الهجمة، فهو يقوم بتغيير مركز الثقل في الأسرة باتجاه المرأة، ويحرك المعدل الطبيعي للتعامل بين الأزواج باتجاه النساء، مما يؤدي حكما فساد هذه الأسر نتيجة هذا التغيير، وهذا الانزياح كما سنرى هو المفسر لكل الظواهر التي تأتي لاحقا نتيجة له.

والأسرة مهمة لأن الرجال لا يستطيعون القيام بأمر الأمة إلا وبيوتهم آمنة مطمئنة، فإذا صلحت الأسر تفرغ الجيل الحالي للقيام بأمر الله في الأمة والقيام بالمهمة الكبرى المنوطة بهم وهي حمل رسالة الوحي إلى باقي الأمم، ولا تسل عن صلاح الجيل القادم، فإن الأسر مصانع رجال الجيل التالي وفيها ينشؤون، فإن كان المحضن صالحا نشأ جيل صالح، وإن كان فاسدا نشأ جيل فاسد.

وإذا فسدت الأسر سهلت السيطرة على الأمم

 

وهذا سبب سعي القوى العالمية الكبرى في إفساد الأسر بإغراق الرجال بالشهوات وإغراق النساء بالشبهات، حتى يصبح المجتمع فريسة سهلة يمرر عليها المضلون ما يشاؤون من عقائد وافكار، ويأخذون منها ما يشاؤون ويوجهونها حيث يشاؤون.

ولم تمرر فكرة الزنا المفتوح وعلاقات “الليلة الواحدة”، وما تبعها من شذوذ نوعي ودعوات تغيير الجنس ونتائج ذلك الظاهرة من الفردانية وقلة الإنجاب وازدياد أعداد المسنين وتناقص أعداد الشباب إلا في ظل غياب تام للأسرة، ولو قرأت كتاب موت الغرب لصاحبه لعلمت ما أقول.

وقد لخص الشيخ سعيد حوى مضمون السورة بقوله: (وفي السورة دروس للأسرة المسلمة الا يرضي الزوج زوجته بمخالفة شرعية وألا تفشي المرأة سر زوجها، وألا تعاديه وتظاهر عليه وأن تكون الموجة مسلمة مؤمنة قانتة عابدة تائبة صائمة، وأن على الرجال أن يقوا أنفسهم وأهليهم النار، وأن على الجميع أن يتوبوا إلى الله، وأن على المرأة أن تحقق إيمانها بنفسها، وألا تغتر بأنها زوجة رجل صالح، ومن تلاحم هذه المعاني ندرك جوانب السياق الخاص للسورة).

 

ما هي أسباب النزول الواردة فيها؟

لا بد لفهم السورة من معرفة الحوادث التي نزلت السورة لتعالجها، مع الانتباه لسحب مثل هذه المفاهيم التي جاءت السورة لتعالجها لتشمل حياة المسلمين جميعا، مع الانتباه الشديد إلى خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه في مثل هذا السياق.

كما يجب الانتباه الشديد إلى حفظ قدر النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه حين البحث في مثل هذه الحوادث، والوقوف حيث يوقفنا القرآن تماما، لا زيادة فننتقص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم فتحبط أعمالنا، ولا نقصانا فنحرم أنفسنا من الاستفادة من مثل هذه الحوادث التي حصلت في أعظم بيت عرفه التاريخ، لبناء بيوت شبيهة به.

وقد ورد في سبب نزول السورة حادثتين:

الأولى: حادثة العسل

وقد رواها البخاري في صحيحه بروايات:

منها: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا، فَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ عَلَى، أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، قَالَ: «لَا، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَلَنْ أَعُودَ لَهُ، وَقَدْ حَلَفْتُ، لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا»

ومنها: عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ: أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَا، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ» فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١]- إِلَى – {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} [التحريم: ٤] لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} [التحريم: ٣] لِقَوْلِهِ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا»

ومنها: عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يُحَدِّثُ أَنَّهُ قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ، قَالَ: فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ؟ فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ،

الثانية: حادثة مارية القبطية رضي الله عنها

وهذه القصة لم ترو في الصحيحين صراحة، وإنما جاءت بروايات رواها الطبري وغيره:

منها: في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ قال: إنه وَجَدَتِ امرأة من نساء رسول الله ﷺ رسول الله ﷺ مع جاريته في بيتها، فقالت: يا رسول الله أنى كان هذا الأمر، وكنت أهونهنّ عليك؟ فقال لها رسول الله ﷺ: “اسكُتِي لا تَذْكُرِي هَذَا لأحدٍ، هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ قَرُبْتُهَا بَعْدَ هَذَا أَبَدًا”، فقالت: يا رسول الله وكيف تحرّم عليك ما أحلّ الله لك حين تقول: هي عليّ حرام أبدًا؟ فقال: والله لا آتيها أَبدًا فقال الله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ الآية، قد غفرت هذا لك، وقولك والله ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ .

ومنها: سمعت الضحاك يقول في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ كانت لرسول الله ﷺ فتاة، فغشيها، فبصُرت به حفصة، وكان اليومُ يوم عائشة، وكانتا متظاهرتين، فقال رسول الله ﷺ: “اكْتُمي عَلَيَّ وَلا تَذْكُرِي لِعَائِشَةَ مَا رَأَيْتِ”، فذكرت حفصة لعائشة، فغضبت عائشة، فلم تزل بنبيّ الله ﷺ حتى حلف أن لا يقربها أبدًا، فأنزل الله هذه الآية، وأمره أن يكفر يمينه، ويأتي جاريته.

وإن كان البخاري قد أوردها تلميحا لا تصريحا: فيما رواه عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فِي الحَرَامِ يُكَفَّرُ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ)» وقد ترجم البخاري عليه بقوله: (‌‌بَابُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}) ورواه بلفظ أوضح في كتاب الطلاق: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «إِذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ» وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١]

وترجم عليه: (‌‌بَابُ {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١]) وقد أشار بفعله هذا رحمه الله إلى قصة مارية رضي الله عنها.

 

والذي يظهر أن الحادثتين كلتاهما مرادتين في هذا السياق لقرائن:

منها: أن البخاري اعتبر قصة مارية وإن لم يروها كما جاء في أثر ابن عباس في قضية التحريم

ومنها: أن في السياق ما ينصر كل قصة، فإن اليمين قريب من قصة تحريم مارية رضي الله عنها، وربما كان هذا ما دفع البخاري إلى الإشارة إلى قصة تحريم مارية وإن لم يثبت فيها سند، وأما التظاهر فهو قريب من حادثة العسل وهذه القصة التي صحت فيها الروايات.

والعبرة في كل هذا في الدروس والعبر لا في تحديد القصة بعينها، وكلتاهما قريب من بعضه يؤدي إلى نفس النتيجة وإن من طريق مختلف.

 

والسورة في مجملها توزع المسؤولية في الأسرة، والمسؤولية في الأسرة يتحملها طرفان: الرجل والمرأة، ولكل منهما مسؤولية جاءت السورة في بيانها والحديث عنها:

فأما الرجال: فحددت السورة مسؤوليتهم في نقطتين مهمتين:

الأولى: تقويم الأسرة.

الثانية: ألا تأخذهم في سبيل تقويم الأسرة لومة لائم. كما سيأتي بيانه، وهذا واضح في أول آيتين في السورة

وأما النساء: فحددت السورة مسؤوليتهم في: عدم إشغال الرجال بالمناكفات والمكايدات والشد والجذب، حتى لا تتحول الأسرة إلى ساحة صراع تشغل الرجال عن مهمتهم الأساسية الدنيوية في السعي على الأسرة، ومهمتهم الأساسية الأخروية في مقارعة الباطل والقيام بأمر الله كما جاء سرد ذلك مفصلا في سورة الأحزاب.

كل هذا تضعه السورة في سياق السعي إلى الجنة والنجاة من النار.

 

وهذا هو المراد الأعلى والأسمى من كل ما يعافسه الإنسان من الضيعة والأولاد، فإنما هي أيام في الدنيا زائلة، ولا يبقى إلا رضى الله وجنته، فهذا السياق – طلب الجنة والنجاة من النار – هو المحرك لكل ما سبق.

 

حصة هذا:

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved