الكلام على المقطع الأول: المنة بالنعم
1- مانوع الاستفهام الوارد في هذه الآية ؟
الاستفهام الوارد هنا هو استفهام تقريريّ وهو الّذي لا يملك صاحبه إلا أن يجيب عليه بنعم.
2- ما وجه إتيان فعل الشّرح بالمضارع؟
والجواب ليكتسب معنى المضيّ من جهة ويكتسب التّجدّد من جهة ثانية، بعكس النّعمتين التّاليتين فقد مضتا، فالشّرح وإن كان قد مضى إلا أنّه أمر يحتاجه ويتجدّد.
3- ما هي أهمّيّة الشّرح إذ صدّر الله به النّعم؟
إنّ أيّ إنسان يتصدّى لمهمّة يجب أن يكون صدره منشرحاً لهذه المهمّة وهذه أهمّ خصيصة، ويستدلّ على هذا بأنّ أعظم المهمّات هي الرّسالة لذلك كان هذا أولّ طلب طلبه موسى هو شرح الصّدر حتّى قبل الطّلب الّذي كنّا نتوقّعه وهي حلّ عقدة الّلسان وهذا ما نغفل عنه إذ أنّنا نطلب المهارات، بل هناك شيء قبله وهو شرح الصّدر أن تكون أنت متوجّهاً لهذا الأمر وأنّ الله قد هيّأك لهذا الأمر، فقد تملك كلّ المهارات ولا تنجح لماذا؟ لأنّ الله لم يهيّئك ولم يشرح صدرك لهذا الأمر وكلّ هذه الأشياء لا تصل بك إلى الأمر الذي تريد.
4- ما هو سبب ضيق صدره _صلّى الله عليه وسلّم_؟
سبب ضيق صدره هو رغبته في إسلام النّاس وإرادته ظهور هذه الدّين مع شدّة ما يلقاه من تعنّت وكفر، بل إنّ ذلك كان يهمّه كثيراً حتّى نهاه الله في مواطن كثيرة عن الحزن عليهم “فلعلك باخع نفسك على آثارهم” أي قاتل نفسك “فلا تذهب نفسك عليهم حسرات” فمثل هذا يحتاج شرح الصّدر ولولا أنّ الله شرح صدره لما استطاع أن يكمل المهمّة.
إذا وجد شرح الصّدر ودلّ النّصّ على تجدّده مهما تكرّرت الحوادث فربّما تنقلب الحوادث لذّة وسعادة، كما حصل مع بلال بن رباح_رضي الله عنه_ : مزجت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب فطغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب.
وشرح الصّدر إحدى النّعم الّتي إن حصلت على الإنسان فهو في نعمة كبيرة، فبعض النّاس قد يكون فقيراً لكنّ الله أعطاه سعة الصّدر فيكون في نعيم مهما كانت حاله ضيّقة والعكس بالعكس.
وإذا لم يوجد شرح الصّدر للأمر لم تنفعه معه كلّ المهارات والإمكانيّات، فقد تجد رجلاً يمتلك كلّ المهارات إلا أنّه يخفق في أمره.
5- ما وجه الإتيان بحرف اللام مرتبطا بالكاف؟
اللّام تشعر بالتّعليل، أي كلّ ذلك لأجلك والقائل هو الله وهذا غاية التّكريم ومن جانب آخر يشعر بالاختصاص أي لو لم تكن أنت لما كان هذا وهذا غاية الإكرام والاهتمام.
وأمّا الكاف، فقد جاء الكلام في صورة الخطاب لا في صورة الغيبة، فلم يقل: (ألم نشرح له صدره أو لمحمد أو لرسولنا) وفي مقامات العطاء والطّيبة يحسن الخطاب وأمّا في مقامات الذّمّ والعتاب انتقل إلى الغيبة أو التّعميم نحن أو كلّنا، ومثل هذا في الخطب والأحاديث إذا أردت الحديث عن شيء في مصلحة الناس تكلّمهم مباشرة وإذا شئت الذّمّ تنتقل للغيبة أو التّعميم حتّى لا يشعر من تحدّثه أنّك تقصده وتنزّه نفسك.
6- ما وجه تخصيص الشّرح بالصّدر لا بما في الصّدر ؟
لأنّ الصّدر ليس هو ما يتّسع بل ما فيه، وهذا من باب نسبة الشّيء إلى مكانه وهو الصّدر وإذا نسب الشّيء إلى مكانه فالمقصود تعميم الشّيء على مكانه كله، أي أنّ الشّرح قد عمّ جميع أجزاء الصّدر ومثل هذا أقول (سال الوادي) و(سال الماء في الوادي) فالأوّل ينبغي أن يكون الماء قد ملأ الوادي والثّاني قد يكون ماء قليلاً، ومن هذا قوله: “فليدع ناديه” ولم يقل (فليدع الناس في ناديه) للدّلالة على أنّه لو كان النّادي ممتلئاً بالنّاس كلّهم ودعاهم فلن يصيبه إلا الخيبة قالوا لا يعبّر بالمحلّ إلا إذا كان الحالّ قد ملأ المحلّ، وهو تعبير وإن كان فلسفيا، وكذلك مثلاً نقول: ( جاء الحيّ كلّه) معناه (جاء السّاكنين كلّهم).
7- ما وجه ذكر الوضع بالزّمن الماضي؟
الوضع يدلّ على تحريك شيء من مكان وإحلاله في مكان آخر، والنّقل غاية الدّلالة، لأنّه يعني أنّه لن يبقى من أثر حال المنقول شيء في مكانه، وهذا أعظم منّة من عدم حمل الوزر من أصله.
والإتيان به في الزّمن الماضي دليل على أنّه مضى وانقضى ولن يكون عليك وزر في المستقبل، ولو قال : (ألم نضع عنك وزرك) أو (سنضع عنك وزرك) يقتضي أنّه سيأتي وزر جديد وسيوضع وهكذا وما هذا المراد. واختلفوا في قضيّة الوزر هل هي جسديّة أو معنويّة؟ وربطوا الجسديّة بحادثة شقّ الصّدر وربطوا المعنويّة إمّا بأفعال له قبل الإسلام، أو أنّه كان يحمل هموماً كبيرة تشبه الأثقال. على كلّ حال هذا دليل على أنّ الوزر المذكور قد وضعه الله وانتهى ولن يعود إليه ليعوقه عن الدّعوة.
8- ما وجه ذكر الّنقيض بعد الوزر؟
النّقيض صوت الظّهر في الدّابّة في المفاصل أو الرّحل بصوت يشبه الصّرير أو قرقعة الأصابع وهي كناية عن شدّة الحمل.
9- ما وجه التّعدية بعن مع ذكر كاف المخاطبة؟
عدّى بـ(عن) وليس بالّلام لأنّها لا تناسب هنا وإنّما استخدم الضّمير الّذي يناسب الإبعاد والمجاوزة، واستخدم معها الكاف الدّالّة على أنّه أمر خاصّ به ولأجله، ولذلك قدّمت عن للإشعار بأنّ هذا الأمر خاصّ به _صلّى الله عليه وسلّم_
10- ما هو الوزر المراد بالآية؟
الّذي يظهر بالنّسبة للوزر أنّه ثقل المهمّة والدّعوة ومحبّة الخير للنّاس وخوف العذاب على النّاس وهذا ما كان يهمّه أكثر ما يهمّه _صلّى الله عليه وسلّم_.
11- ما وجه عطف النّعم بالواو؟
الأوّل:عطف هذه النّعم بالواو يدلّ على أنّ كلّ نعمة منها هي نعمة قائمة بذاتها وبرأسها تستحقّ أن تذكر لوحدها.
الثّاني: مع أنّها كانت مفترقة في دلالاتها إلا أنّها تشترك في كونها لموصوف واحد وهو النّبيّ _صلّى الله عليه وسلّم_.
12-ما وجه إعادة اللّام مع الكاف ؟
إعادة اللّام مع رفع الذّكر لأنّه صفة محمودة، والصّفة المحمودة تناسب حرف الاختصاص أو الملك أو العطاء وهو اللّام.
13- ما وجه تخصيص الرّفع بالذّكر؟
أي شي غير الذّكر مهما ارتفع لن يؤدّي لنتيجة كبيرة ولن يشعر به كثير من النّاس، فإن كان بنياناً أو عمارة سيعرفها من حوله فقط، لكنّ ذكره إذا ارتفع ذاع صيته وانتشر وارتفع فإن كان بصيت حسن زاد من يدعو له ومن يثني عليه ( أنتم شهداء الله على خلقه ).
14- كيف يكون رفع الذّكر؟
من صور رفع الذّكر ذكره مع الشّهادة .ثمّ إنّ هذا الذّكر مرتبط باسمه العلم، فأوّل ما يدخل الإنسان في الإسلام يذكر اسماً بشريّاً هو اسم (محمّد) _صلى الله عليه وسلّم_ وهو أكثر اسم انتشاراً في البشريّة كّلها تيمّناً به.
القضيّة الثّانية: أنّ أظهر ذكر هو الأذان، يسمع ويشاع ويرفع ويكرّر، وفيه أيضاً ذكر واضح للنّبيّ _صلّى الله عليه وسلّم_،هذا التّكرار دائم لا يوجد معه مثيل آخر، وهذا ظاهر جدّاً، كما قال حسّان بن ثابت _رضي الله عنه_ :
أغرٌّ عليه للنّبوّة خاتم من الله مشهور يلوح ويشهد
وضمّ الإله اسم النّبيّ إلى اسمه إذ قال في الخمس المؤذّن أشهد
وشقّ له من اسمه ليجلّه فذو العرش محمود وهذا محمّد
15- ما وجه ذكر الأفعال بضمير الجمع؟
جاءت بضمير الجمع وهو يجمع للتّعظيم، وكأنّه يقول (ألم نشرح بما لنا من العظمة) وكذلك في الذّكر والوزر وهذا يعني أن الشّرح والوضع والرّفع عظيم.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved