( إظهار الافتقار )
( إظهار الافتقار )
يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)
ما هو موضوع هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة؟ وما هي مناسبته لما قبله من الكلام؟
هذه الآية صميمية في السورة، وهذا هو النداء الثالث والأخير فيها، فبه ختمت النداءات، وهو نتيجة حتمية لمقصد السورة، فطالما أن المفاتح بيده، فلا شك أن الطرف المقابل وهم الناس، فقراء محاويج إليه، وهو مستغن عنهم ولا شك، ولو تأملت هذا المعنى لرأيته متصلا بقوله تعالى ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) فإن العزة لا تكون لمحتاج، والمستغني لا يكون إلا عزيزا، ولو رددته إلى قوله تعالى ( لا تغرنكم الحياة الدنيا ) أي بما فيها من عطايا فتظنون أنكم استغنيتم بما عندكم لوجدته مرتبطا به، ولو رددته للأصل لقوله تعالى ( فاطر – يزيد في الخلق – لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ) لوجدته متصلا به لا ينفك عنه.
ما مناسبة قوله تعالى ( ولا تزر وازرة وزر أخرى .. ) إلى آخر الكلام؟
هذا الكلام موجه للكفار، وهو امتداد لقوله تعالى سابقا ( ويوم القيامة يكفرون بشرككم ) فهم سيكفرون بشركهم ولن يحملوا عنهم شيئا من خطاياهم، فليس كما يقول أكابركم: اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم.
ما مناسبة قوله تعالى ( إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد )؟
هذه الجملة تعتبر بمثابة شرح وتوضيح وبيان لمعنى الجملة السابقة من غنى الله عن خلفه، ففيها بيان لغناه الكامل.
ما المعاني التي ينتهي إليها استخدام فعل الإذهاب خاصة؟
فيه بيان لعدم حاجته للخلق أبدا من أصله، فإن المستغني عن شيء يقول: إن شئت أذهبت هذا الشيئ، بخلاف غير المستغني فإنه يقول: لولا كذا لأذهبت كذا، ومثاله الدار: فلا يقال: لو شاء فلان لهدم داره وأعدم عقاره، ولكن يقال لولا حاجة السكنى لهدمت الدار وأعدمت العقار، فعلق الوجود بالمشيئة لبيان تمام الاستغناء.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها قوله ( ويأت بخلق جديد )؟
وأما قوله ويأت بخلق جديد، فلئلا يتوهم متوهم أن هذا الملك إنما كماله وعظمته إنما هي بملكه، فإن زال ملكه زالت عظمته، فبينت الآيات أنه قادر على أن يخلق خلقا جديدا أحسن من هذا وأجمل وأتم وأكمل.
ما مناسبة استخدام لفظة وازرة بدلا من نفس فلم يقل ولا تزر نفس وزر أخرى؟
استخدام لفظ الوازرة هنا للدلاة على أن كل لها وزرها الخاص بها، وهي مهمة به منشغلة به متحيرة في أمرها، فاختار لفظ الوازرة بدل النفس لإبراز هذا المعنى.
وقل مثل هذا في قوله تعالى مثقلة، وذلك لبيان جانب ثقل الحمل الموزور.
ما مناسبة الالتفات إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب )؟
بعد أن خاطب التابعين من الكفار في قوله ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) محذرا إياهم من اتباع كبراءهم ومبينا أنهم سيكفون بشركهم وأنهم لن يحملوا شيئا من أوزارهم يوم القيامة، اتجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم مطمئنا إياه مرة أخرى ومؤكدا أن مهمته إنما هي النذارة فحسب، وأنه لن يستجيب لهذه النذارة سوى من وفقه الله لهذا الأمر، وفي هذا عودة إلى ما سبق من قوله تعالى ( وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك – فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) ولما سيأتي لاحقا من مثل هذا الكلام حول هذا المعنى.
وهذا كله يصب في قوله تعالى ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ) وأي رحمة أعظم من رحمة الهداية، فإذا امتلأ قلب الداعية بهذا المعنى هدأت نفسه، وصمد في الطريق سواء استجاب له الناس أم لم يستجيبوا له.
ما مناسبة الجمع بين ( الخشية وإقامة الصلاة ) قبل الحديث عن التزكية وبعد الحديث عن النذارة؟
هذه ثلاثة معان مرتبطة ببعضها: النذارة – الخشية وإقامة الصلاة – التزكية.
وكأن هذه الآية تشير إلى أن التزكية لا بد لها من العناية بالظاهر والباطن، فالخشية أمر باطن وإقامة الصلاة أمر ظاهر بعضه، فلما جاء قبله عمل قلبي خالص أشبه أن المراد بالإقامة هنا جزؤها الظاهر فحسب.
وفي الآية أيضا معنى آخر مرتبط بما قبلها: أنه من انتفع بالنذارة خشي ربه بالغيب وأقام الصلاة، وأن هذه علامات الانتفاع بها.
فيكون المعنى: أنك منذر، وأن من ينتفع بالنذارة هم الذين خشوا ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة، وأن هؤلاء هم الذين تزكوا فانتفعوا بالنذارة، وأن من تزكى لن ينفع الله في شيء ولن يضره في شيء فالله غني حميد وأنتم الفقراء، وأن جزاء التزكية لا يكون إلا لمن تزكى بنفسه.
ما هي المعنى الذي ينتهي إليه التذييل بقوله ( وإلى الله المصير )؟
المراد بها التنبيه على أن المعاد إلى الله فكل ممن تزكى أو لم يتزكى فإنه عائد إلى الله، وأنه يجازي كل بما عمل.
وتقديم الجار والمجرور للاهتمام للتنبيه والاهتمام والقصر، والقصر بكون المعنى :وإلى الله – وحده – المصير لا إلى غيره.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved