(أليس الله بكاف عبده)
(أليس الله بكاف عبده)
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)
ما مناسبة هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة؟
موقع هذا الكلام لافت للنظر، بل إنه استغرق حوالي ثلث السورة وكان في موقع القلب منها سبقه الحديث عن القيام وتبعه الحديث عن القيام، والمقطع يتحدث عن تهديد شديد اللهجة للكافرين بالأخذ الأليم الشديد في الدنيا كما أخذ فرعون من قبله، وبالعذاب الأليم الشديد في الآخرة حيث القيود والأغلال، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، ما المغزى من وضع التهديد في وسط الحديث عن القيام في سورة يدور محورها حول القيام ويستغرق الحديث عن القيام أكثرها؟
والذي ظهر لنا أن المقطع هو تعهد من الله عز وجل بأن يكفيه هؤلاء المشركين إن انشغل هو بالعبادة والطاعة، وهذا واضح في كلمة ( وذرني ) في بداية المقطع لأنها تستخدم في الكفاية فإن قلت لشخص: ذرني وفلان فمعناه: لا تهتم به وأقبل على ما أنت فيه فأنا أكفيكه، ولما كان التعهد بالكفاية محاطا بالحديث عن القيام، حصل من اجتماع هذين الأمرين ما مفاده: اكف نفسك أمر الطاعة والتحنث وأنا أكفيك أمر المكذبين بهذه الرسالة.
اللافت للنظر أيضا أن هذه الآيات كانت في بداية الدعوة قبل أن يحصل أي احتكاك مع مشركي قريش وقبل أن تظهر ظاهرة ( المكذبين )، على فرض نزول هذا القسم مع صدر السورة، وكأن هذه الآيات تقول للنبي صلى الله عليه وسلم ما قاله له ورقة بن نوفل حين قال ( لم يأت أحد بمثل ما أتيت به إلا عودي )، أن سيكذبوك وسيكون لك أعداء فاستعن على التكذيب بالعبادة والتحنث وأنا أكفيك أمرهم.
وإن كان النزول متأخرا فالحديث عنهم علاج لهذه المشكلة التي ظهرت والله أعلم.
ويعلم كل من يقوم الليل أن فراغ الليل وسكونه سبب ليواجه المرء مخاوفه وهواجسه بوضوح ويكون صوتها عالياً في داخله، والنبي صلى الله عليه وسلم بشر وهو يتعرض لأشد أنواع الأذى فلا غرابة أن تقطع هذه المخاوف والأحزان تركيزه وانقطاعه وتبتله، فجاء التهديد للمشركين طمأنة لقلبه..
بل إن البقاعي رحمه الله جعل هذه القضية هي مقصود السورة بعينها حيث قال في بداية حديثه عن السورة ( مقصودها الإعلام بأن محاسن الأعمال تدفع الأخطار والأوجال، وتخفف الأحمال الثقال، ولا سيما الوقوف بين يدي الملك المتعال، والتجرد في خدمته في ظلمات الليال، فإنه نعم الإله لقبول الأفعال والأقوال، ومحو ظلل الضلال، والمعين الأعظم على الصبر والاحتمال، لما يرد من الكدورات في دار الزوال، والقلعة والارتحال، واسمها المزمل أدل ما فيها على هذا المقال ) فتأمل يا رعاك الله.
ما مناسبة وصف المكذبين بأولي النعمة .؟
في ذلك إشارة إلى أن أغلب من سيكذب النبي صلى الله عليه وسلم هم المترفون أولي النعمة ولو تأملت هذا المعنى في القرآن لوجدته كثيرا.
وفيه تهكم بهم وبيان أن قصارى حظهم في هذه الحياة هي ما يتنعمون به من المتع الدنيوية الحسية وشتان بين النعم الدنيوية والنعم الأخروية وعلى رأسها مقصد السورة وهو القيام.
فكأن القيام قام مقام النعمة بالنسبة لهؤلاء،
ما مناسبة ذكر أصناف أهوال العذاب يوم القيامة؟
بداية فقد جاء ذكر العذاب هنا جوابا على الوعيد المذكور سابقا في قوله فذرني، وقد قلبت الآيات ونوعت في ذكر أصناف العذاب زيادة في الترهيب والتخويف، خاصة أنها سبقت بنا الدالة على الجماعة في قوله: لدينا: أي نحن بما لنا من العظمة والكبرياء والسؤدد.
ما مناسبة الالتفات في قوله ( إنا أرسلنا إليكم ) ؟
الالتفات أثناء الوعيد والتهديد أبلغ وأقوى ولذلك توجه إليهم بالخطاب المباشر.
وتوسط الحديث هنا عن إهلاك فرعون وعذابه الحديث عن العذاب يوم الآخرة باعتباره الأعظم والأكبر، ليجمع بين الأخذين: أخذ الدنيا وأخذ الآخرة.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها الاستفهام في قوله ( فكيف تتقون )؟
الاستفهام هنا للتعجيز والتوبيخ وهو متفرع بالفاء على ما تضمنه الخطاب السابق من التهديد.
ما مناسبة الآية في ختام المقطع؟
هذه الآية في بيان مناسبة ذكر القطعة السابقة من السورة: فهي تذكير لمن كذب بالقرآن ولم يؤده حقه من التصديق به، لتفتح في آخرها الحديث عن السبيل وهو القيام ههنا: وتأمل المناسبة بين قوله تبتل إليه تبتيلا وقوله: رب المشرق والمغرب، وبين قوله فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved