(قم .. ورتل .. واذكر .. وتبتل .. واصبر ..)

(قم .. ورتل .. واذكر .. وتبتل .. واصبر ..واهجرهم )

يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)

ما مناسبة هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة؟

في هذا المقطع المهيب جاء الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم أن قم، فقام وظل بعدها قائما أكثر من عشرين عاما، لم يسترح ولم يسكن، ولم يعش لنفسه ولا لأهله، قام وظل قائما على دعوة الله يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوؤ به، عبء العقيدة كلها.

نزل الأمر بالقيام فلم يعد هناك نوم، بل جاء التكليف الثقيل والجهاد الطويل والكد والجهد، منذ ذلك النداء الذي لم يفارقه ولم يدعه ينام.

وينتهي المقطع بالأمر بالصبر والهجر الجميل في جملة وصلت ما قبلها بما بعدها، إذ أن العلاقة بين القيام من جهة والصبر والهجر الجميل من جهة أخرى واضح تمام الوضوح، وأي عون على الصبر وضبط النفس مثل القيام، وكذلك فإن ما بعد هذه الجملة من الوعيد والتهديد لمن أشد العون على الصبر والهجر الجميل.

وقد قال البقاعي في بداية تفسير هذه الآية ﴿قم﴾ أي في خدمتنا بحمل أعباء نبوتنا والازدمال بالاجتهاد في الاحتمال، واترك التزمل فإنه مناف للقيام.

ما مناسبة الافتتاح بالنداء؟

 افتتاح الكلام بالنداء إذا كان المخاطب واحدا ولم يكن بعيدا يقصد به لفت النظر إلى الاعتناء بما سيلقى إلى المخاطب من كلام.

ما مناسبة النداء بالمزمل؟ وما دلالة اختيار هذا الاسم؟

الأصل في النداء أن يكون باسم العلم ولا يعدل منه إلى غيره من وصف أو إضافة إلا لغرض يقصده البلغاء من تعظيم أو تكريم أو عكس ذلك من تهكم أو تلطف أو تقرب كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه ( قم أبا تراب ) ولحذيفة ( قم يا نومان ) ولعبد الرحمن ( أبا هر ) أو للفت النظر إلى صفة في المنادى وهو الظاهر في سبب النداء كما سيأتي.

والمزمل اسم فاعل من ازمل، وأصله المتزمل، حذفت التاء وأدغمت بالزاي، وقد قال ابن فارس الزَّاءُ وَالْمِيمُ وَاللَّامُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى حَمْلِ ثِقْلٍ مِنَ الْأَثْقَالِ، وَالْآخَرُ صَوْتٌ فَالْأَوَّلُ الزَّامِلَةُ، وَهُوَ بَعِيرٌ يَسْتَظْهِرُ بِهِ الرَّجُلُ، يَحْمِلُ عَلَيْهِ مَتَاعَهُ. يُقَالُ ازْدَمَلْتُ الشَّيْءَ، إِذَا حَمَلْتُهُ.

وفي تاج العروس: ( والزَّمِيلُ، كأَمِيرٍ: الرَّدِيفُ عَلى البَعِيرِ الَّذِي يَحْمِلُ الطَّعامَ والْمَتَاعَ ) ومنه سمي المتغطي بالمزمل لأنه تغطى بثوبه فأصبح كالحمل فوقه، وأما المناسبات للمناداة بهذا الاسم:

فمنها: أنها للتحذير من التهاون والكسل، وبعث للهمة والنشاط، فإن من ركب طريق الدعوة وجب أن يكون دائم الاستعداد لتحمل تبعات الطريق، وقد ذكر الراغب أن المزمل: يكنى به عن المقصر والمتهاون في الأمر.

ومنها: أنه مناسب لما سيأتي لاحقا من قوله ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) فناسب ذكر الأحمال في المزمل وفي القول، فيكون المعنى: يا أيها الحامل حملا عظيما.

ومنه: كما سبق ذكره التلطف والتحبب.

ما دلالة المدد التي اختارها الله للقيام؟

في هذا المقطع جاء تحديد طول القيام بعدة مدد:

أولها: الليل إلا قليلا

ثانيها: نصفه

ثالثها: أقل من النصف بقليل

رابعها: أزيد من النصف بقليل

وفي آخر السورة جاءت مدد أخرى:

أولها: أدنى من ثلثي الليل

ثانيها: نصف

ثالثها: ثلثه

وفي الختام جاء التخفيف ( فاقرؤوا ما تيسر منه )، وكثير من الناس يظنون أنه يجزئ عن القيام ركعتين خفيفتين أو ركعات خفيفات يركعها العبد من الليل، وما شاعت مثل هذه الأفكار إلا عندما بنينا تصوراتنا بعيدا عن القرآن ودلالاته، والمتأمل في هذه السورة وفي غيرها من النصوص التي تصف قيام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ومن بعدهم، يعلم أن هذا التصور بعيد تماما عن الواقع، ومع أنه لم يرد نص قاطع في أقل وقت للقيام إلا أن اجتماع هذه النصوص من القرآن والسنة وحال السلف يدل على أنه لا بد من قيام طويل أقله أن يختم القرآن في شهر، ومن ختم في شهر لزمه أن يقوم كل يوم ساعة على التقريب وهذا أقل القيام، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ»، قَالَ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: «صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا» فَقَالَ: «اقْرَإِ القُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ»، قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ فَمَا زَالَ، حَتَّى قَالَ: «فِي ثَلاَثٍ»، وفي هذا الحديث كفاية للمعتبر.

ما دلالة تأقيت القيام بمدة زمنية وليس بعدد ركعات؟

لأن المراد من القيام طول القنوت وليس عدد الركعات أو كيفية محددة للصلاة، وقضاء وقت طويل مع أفكار معينة تجعلك

ما دلالة التدرج في التخفيف من وقت القيام؟

يجيب البقاعي عن هذا السؤال فيقول: ولما كان الاجتهاد في الخدمة دالا على غاية المحبة، وكانت النية خيرا من العمل، وكان الإنسان مجبولا على الضعف، وكان سبحانه لطيفا بهذه الأمة تشريفا لإمامها ﷺ، رضي منا سبحانه بصدق التوجه إلى العمل وجعل أجورنا أكثر من أعمالنا، فجعل إحياء البعض إحياء للكل، فأطلق اسم الكل وأراد البعض

ما هي الرسائل التي تحملها الأوامر في هذا المقطع؟

جاء في هذا المقطع عدة أوامر لها تعلق بقيام الليل كلها تصب في سياق الهدف الأساس من قراءة القرآن ألا هو التدبر، فجاء فيها:

رتل القرآن: وأصل الترتيل حسن النظم والترتيب، وهو هنا القراءة بتؤدة وترسل حتى يدرك الإنسان المعاني الموجودة في الكلام المتلو، ويصل إليها لتعمل عملها في قلبه، وقد جاء عن السلف رضوان الله عليهم نصوص عديدة في هذا السياق

الليل: والليل له خاصية من جانبين: الأول: أن مغالبة النوم وجاذبية الفراش إعلان لسيطرة الروح واستجابة لدعوة الله ، والثاني: أن الليل هو الوقت الأنسب لتلقي أنوار الوحي فكما أن الفلاح يسقي أرضه بالليل كان حتما على المسلم أن يسقي قلبه بالليل كذلك.

ذكر اسم الرب: وفي طلب الذكر هنا لاسم الرب لا للرب مفردة إشارة إلى الجهر في القراءة, ألم تر إلى قوله ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول في الغدو والآصال ) جاءت مع الذكر دون الجهر أما هنا فقد جاء طلب الذكر جهرا وهذا ليتواطأ القلب مع اللسان فيما يقرأ، وربما كان هذا توجيه قراءة من قرأ ( إن ناشئة الليل هي أشد وطاء ) أي مواطأة بين القلب واللسان.

التبتل: وهو الانقطاع ولا يخفى على ناظر ما في الصلاة من انقطاع بعكس من يقرأ خارج الصلاة فإن العوارض تعرض له فتشغل باله وربما ورد عليه ما يقطع عليه القراءة فيسهل عليه الانصراف عنها، أما المصلي فإنه في انقطاع تام وهذا الانقطاع من أهم ما يصفي القلب لتلقي أنوار الوحي.

ما دلالة إرداف الأمر بالترتيل عقب الأمر بالقيام؟

أصل الترتيل انتظام الشيء ومنه ثغر مرتل أي منتظم الأسنان.

فبعد أن أمر بالقيام ذكر كيفية القراءة في هذا القيام.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها الابتداء بالخطاب بصيغة الجماعة ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا )؟

المراد: استحضار العظمة فكأنه يقول: إنا بما لنا من العظمة سنلقي عليك قولا ثقيلا.

ما دلالة الاعتراض في جملة ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا )؟

قولا ثقيلا يحتمل معنيين:

القرآن: الثقيل حمله خاصة أنه يرتل في الليل وقت هجوع الناس، وفي قيام.

الدعوة وأعباؤها: وهذا فيه أمران:

أولا تجهيز للنبي صلى الله عليه وسلم لما سيأتي من أعباء الدعوة بسبب تكذيب المكذبين وأذاهم وعداوتهم،

وثانيا: إرشاد إلى أن المعين على حمل أعباء الدعوة هو القيام في جوف الليل.

فهذه الجملة معترضة بين ما قبلها وما بعدها من الكلام، وهذا الاعتراض جاء للفت النظر لأهمية المعنى الذي تحمله الجملة، فإن سائلا قد يتساءل عن سبب هذا الأمر بالقيام، في هذه المدد الطويلة، وهذا التكليف الشاق في بدايات الدعوة، وتأتي هذه الجملة معترضة معللة لهذا الأمر، فهي تحمل الرسالة التالية: إن سبب تكليفنا لك بهذه المشقة إنما هو تهيئة لك لتحمل أعباء الدعوة وما سيتبعها من أمور محبطة قد تجرك إلى اليأس أو فتوحات قد تجرفك بعيدا، فلا يظنن أحد أنه يستغني عن العبادة والتأله حتى وإن كان من أهل العلم أو الجهاد، بل إن العلماء والمجاهدين لهما أشد الناس حاجة لهذه التزكية، انظر إلى حال الخضر حين امتدحه الله بقوله ( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) فقدم الرحمة على العلم، فالعلم وحده لا يرفع مقام العبد إن لم تصحبه الرحمة، والرحمة لا تأتي إلا بالتزكية بالقرآن، بل قد يعود العلم على صاحبه وبالا وكبرا إن لم يزكي قلبه ويسقيه بمواعظ القرآن.

وحتى المجاهد الذي حمل نفسه على كفه يجود بها في ساحات الكرامة، إن لم يكن له حظ من العبادة والتزكية تحول ولا بد إلى قاطع طريق، فسرعان ما تتسرب إلى نفسه شهوة الجاه، وتعميه الأنفال، فينحرف عن الطريق، ولنا في التاريخ الماضي والمعاصر عبرة وعظة.

وأكثر المفسرين تحدثوا في هذه الآية عن موضوع ( ثقل القرآن أثناء نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم ) وساقوا أحاديث في الصحيحين عن هذا الأمر، والذي يظهر والله أعلم أن المقصود بوصف القول بالثقل هو: ثقل تبعات هذه الدعوة، وشدة المعارضة التي ستلقاها حال إعلانها، وشدة الأذى الذي سيتعرض له حاملوها، ولا سبيل إلى النجاة من هذه الفتن وهذه المشاق إلا بزاد روحي من السماء، في عتمات الليل.

ما مناسبة قوله تعالى بعدها ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا )؟

بعد ان بينت الآية السابقة أن الدعوة فيها ما فيها من التكاليف والأحمال الشاقة، وأن القيام هو العون على هذه الأحمال: قد يتساءل متسائل كيف يكون العون على هذه الأحمال بفرض مزيد من الفروض على النبي صلى الله عليه وسلم وورثته من بعده، فتأتي هذه الآية لتضيء هذه النقطة: صحيح أن القيام بالليل أصعب وأشد تعبا، إلا أنه أنفع وأفضل وأكثر استقامة وأثرا من القراءة في غيره.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها وصف القيام بالناشئة؟

يقول ابن فارس: أن النون والشين والهمزة أصل صحيح يدل على ارتفاع في الشيء وسمو، ووصف صلاة الليل بهذا الوصف هنا ينتهي إلى معان:

منها: سمو المتلبس بها وارتفاع شأنه إذ كان هذا حاله

ومنها: ترفع صاحبها عن ما مضى من الحديث عن التقلب في أحوال الدنيا في النهار فكأنه ارتفع بعد أن كان في معمعات الدنيا في النهار.

ومنها: علو مكانتها عن غيرها لوصفها بهذا الوصف.

ما هي القراءات الواردة في وطئا وما هي المعاني التي تنتهي إليها؟

ورد فيها قراءتان:

قراءة أبو عمرو وابن عامر بكسر الواو وفتح الطاء والف ممدودة بعدها همزة على وزن قتال بمعنى: وطاء من واطأ أي وافق وواتى.

باقي القراء: بفتح الواو وسكون الطاء بعضهم بمد وبعضهم بلا مد: بمعنى مصدر وطأ من داس.

وأصل الواو والطاء والهمزة يدل على تمهيد الشيء وتسهيله كما ذكر ذلك ابن فارس، ثم استعير في الدوس لأن الدوس يسفر عن أرض سهلة ممهدة، فكذلك القيام:

ينزل بثقله عليك لا ليهلكك ولكن ليمهد لك الطريق.

وفيه ما يوافق السمع اللسان فينسجم الإنسان مع بعضه.

ولأجل هذا كله كان: أقوم قيلا ولذلك أبعد النجعة من جعل قراءته كلها بالنهار وإنما النهار لأجل المراجعة والحفظ، أما الليل فهو لهذا الشأن لأنه أعظم وقوعا في القلب.

ما دلالة ترك العطف في جملة ( إن لك في النهار سبحا طويلا )؟

فصل هذه الجملة دون عطف على ما قبلها يقتضي أن مضمونها ليس من جنس حكم ما قبلها، فليس المقصود في هذه الجملة الحديث صلاة النهار إذ لم تكن الصلوات الخمس قد فرضت يومئذ، ولم يفرض حينئذ إلا قيام الليل، فالحديث موجه هنا إلى طلب المعاش في النهار، فكأن هذا الفصل دون عطف يحمل رسالة: أن القيام شيء وما تطلبونه من المعاش في النهار من أمر الدنيا شيء آخر، شتان بين أمر الدنيا وأمر الآخرة.

كما أن فيه إرشادات ولو من وجه إلى الاهتمام بأمر الدنيا وعدم الانكفاء على التعبد فحسب، فإن ذلك طمع فارغ، والصواب التوسط والاعتدال والإجال في الطلب متوكلا في السبب.

ما هي مناسبة قوله تعالى بعدها ( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا )؟

هذان هما الفعلان الثالث والرابع في سلسلة الأفعال التي أمرت بها بعد المؤكدات الثلاثة التي جاء في هذه السورة، فعادت إلى القيام ووصف أحواله بعد أن أكدت مجموعة من القضايا.

فأمره أولا بذكر اسم الرب: ليدل على مقصود عال من مقصودات القيام وهو الذكر ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) وجاء الحديث عن الذكر بعد الحديث عن السبح في النهار: لما في السبح بالنهار من انشغال يؤدي إلى النسيان.

وجيء باسم الرب لاستحضار العناية والرعاية والحياطة: فالقيام من أهم أسباب استجلاب الرعاية والعناية والحياطة.

وأردفه بالحديث عن الانقطاع والتطقيع بعبارة فريدة جمعت معان عديدة:

فدل حرف الجر إلى الدال على انتهاء الغاية: ليدل على وجهة هذا الانقطاع حتى لا يكون إلى شيء آخر.

وجاء بفعل التبتل: على وزن تفعل ليدل على الانقطاع الذاتي.

وجاء بمصدر التبتيل: ليدل على تقطيع كل الأواصر والآمال والعلاقات بينه القائم وبين غيره سوى الله.

وهذا هو الاحتباك.

وكأن الآية تقول: قم الليل منقطعا بنفسك، قاطعا كل علاقة بينك وبينه، واجعل انقطاعك إزاءه وجهته فحسب.

ما هي مناسبة قوله تعالى بعدها: رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا؟

في هذه الآية من العظمة ما لا يخفى على من ألقى السمع وهو شهيد.

فهي ثلاثة أثلاث كلها في بيان العلة والسبب لكل ما سبق من التعب والنصب:

فأولها: في توحيد الربوبية، وعبر بالمشرق والمغرب لمناسبة الحديث عن القيام، وانظر كيف يخرج بك القرآن من جدران غرفتك التي أنشأت فيها قائما إلى سعة الدنيا – لا الأرض – شرقا وغربا.

وثانيها: في الألوهية: اللازمة لما سبق من توحيد الربوبية.

وثالثها: في معنى القيام، وأن القيام إنما هو إعلان بالتوحيد يقول العبد فيه بلسان حاله لا بلسان مقاله: أنت وكيلي يا رب فدبر لي أمري كما تشاء، ومن تمسك بهذه الآية عاش حرا كريما مات خالصا شريفا ولقي الله عبدا صافيا مختار تقيا، ومن شرط الموحد أن يتوجه إلى الواحد الأحد وأن يبذلك له نفسه عبودية ويأتمنه على نفسه ويفوض إليه أموره ويترك التدبير ويثق به ويركن إليه ويتذلل لربوبيته ويتخذه عدة لكل نائبة في الدنيا والآخرة.

ما مناسبة قوله تعالى بعدها: واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا؟

هذا هو الأمر قبل الأخير في المقطع، وهو الأمر بالصبر، وذكر محل الصبر وهو ما يقولون، في إشارة إلى أنهم لن ينالوا منه وأن أذاهم لن يتعدى الكلام، وأن دعوته مستمرة وأنه – بسبب قيامه – في محل نظر الرب وعنايته وحفظه.

والهجران هنا هو هجران القلب والخاطر، فإنه كان صلى الله عليه وسلم يلابسهم في ظاهره ويجانبهم في باطنه، والهجر الجميل هو ما كان من غير أذى.

 screenshot 11

 

Map Shot 7

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved