وكالة الله الكافية
( وكالة الله الكافية)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66 (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)
ما موضوع هذا الفصل، وما هي مناسبته لمقصد السورة؟ وما مناسبته لما قبله من الفصول؟
يكاد المقطع أن يكون شرحا وبيانا لقوله تعالى في أول السورة ( ألا تتخذوا من دوني وكيلا ) فقد أسهب المقطع الشرح وتوسع في بيان هذه النقطة، ودواعيها، وأسبابها، ومن الذين اتخذوا وكلاء من دون الله، إلى آخر هذه المعاني.
والآية المحورية في هذا المقطع هي قوله تعالى ( وكفى بربك وكيلا )، وعليها يدور، وتدور معانيه.
كما أن رائحة التكريم الطيبة – تكريم الله لآدم قبل النزول وبعده – تفوح في أرجاء هذا المقطع البهي.
والحديث عن كفاية الله لمن اتخذه وكيلا من عباده فيه زيادة تثبت للدعاة إلى الله فإن الدعاة إلى الله محتاجون إلى مثل هذا التثبيت أشد الحاجة خاصة مع اشتداد موجة التكذيب، كما جرى مع النبي صلى الله عليه وسلم إبان نزول هذه السورة.
ما مناسبة البداية بقصة آدم وإبليس؟
جاء الحديث هنا قصة إبليس بمناسبة الحديث عن عداوة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله ( وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ) أي فلا تخشاهم، فجاءت القصة هنا لتكمل تذكير النبي صلى الله عليه وسلم بعداوة إبليس لآدم، وأنه هو منشأ العداوة وأن هذه العداوة مستمرة في شياطين الإنس والجن، وأنه لن يعدم الأنبياء مع ذلك من يعترف بفضلهم كما حصل مع الملائكة.
والبداية هنا جاءت لتبين سبب ومنبع العداوة الحقيقية لآدم، وفيها بيان وإسهاب لقصة الخلق الحقيقية، التي اجتهد بنو إسرائيل في طمسها اجتهادا عظيما، وكانت هي منبع إفسادهم في الأرض وعليها بنوا كل المذاهب الباطلة التي نشروها في الأرض، والتي تجدها واضحة جدا في الإنجيل في سفر التكوين، وفيها:
1 وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟»
2 فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ،
3 وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَا».
4 فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا!
5 بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ».
6 فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ.
7 فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ.
8 وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ.
9 فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟».
10 فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ».
11 فَقَالَ: «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟»
12 فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ».
13 فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ».
14 فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ.
15 وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ».
16 وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ».
17 وَقَالَ لآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلًا: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ.
18 وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ.
19 بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ».
20 وَدَعَا آدَمُ اسْمَ امْرَأَتِهِ «حَوَّاءَ» لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ.
21 وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلهُ لآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا.
22 وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفًا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَالآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ».
23 فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا.
24 فَطَرَدَ الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ، وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ.
وأهم الاختلافات الموجودة بين خريطة الوجود القرآنية وخريطة الوجود البني إسرائيلية المحرفة:
محل الاختلاف |
قصة الوجود الأصلية |
قصة الوجود البني إسرائيلية المحرفة |
سبب العداوة |
الشيطان |
الله |
من قام بالإغواء |
الشيطان أغوى آدم وحواء تبعا له |
الحية أغوت حواء وحواء أغوت آدم |
محل الإغواء |
آدم وحواء تبعا له |
حواء |
الشجرة |
بدون تحديد |
شجرة المعرفة |
سبب المنع من الأكل |
الابتلاء وإظهار عداوة الشيطان |
حتى لا يصبح عارفا كالله والملائكة ولا تنفتح أعينهما |
سبب النزول من الجنة |
محل الاختبار |
الطرد |
الحكمة من العمل |
تسخير الأرض له |
عقوبة له بالتعب والشقاء |
الولادة |
أجر وباب شهادة |
عقوبة لها |
في ختام القصة |
الخلود في الجنة أو النار |
المنع من شجرة الحياة لئلا يخلدا |
الرب |
رحيم كريم عليم محب لآدم مكرما له على بقية الخلق |
مخادع كاره لآدم طارد له |
ما هي المعاني التي ينتهي إليها سؤال إبليس: أأسجد لمن خلقت طينا؟
الاستفهام هنا للإنكار والرفض، فكأنه قال: لا يكون أن أسجد لمن خلقت طينا.
وكذلك الجملة التي بعدها ( أرأيتك ) فهي في تأكيد هذا الإنكار والتفضيل.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها اسم الإشارة: هذا؟
استخدام اسم الإشارة للتحقير
ما معنى قول ابليس لأحتنكن؟
الاحتناك فيه قولان:
الأول: وضع الراكب اللجام في حنك الفرس ليركبه ويسيره، فكأنه يملكهم كما يملك صاحب الدابة دابته بلجامها، ويكون المعنى: لأقودنهم إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحبلها.
الثاني: الأخذ بالكلية، يقال احتنك فلان ما عند فلان من مال، أي استقصاه وأخذه بالكلية واحتنك الجراد الزرع إذا أكله بالكلية، ويكون المعنى: لأستأصلنهم بالإغواء والإضلال فلا يبقى منهم أحد.
ما مناسبة الأمور التي ذكرتها الآية عند طلب الإمهال؟
جاء ههنا أمور:
الأول: اذهب: أي أمهلتك هذه المدة
الثاني: استفزز: أي استخف وأزعج والمعنى المراد التهديد، كقول القائل: افعل ما تشاء فسترى ما يحل بك.
الثالث: أجلب عليهم: أي صح عليهم واجمع لهم وأعن عليهم وتوعد لهم الشر واجمع لهم الجموع.
الرابع: شاركهم في الأموال والأولاد: والمشاركة في الأموال تكون بالتصرف القبيح غير الشرعي في المال بعكس ما ذكر في بداية السورة، والمشاركة في الأولاد: بالزنا وتنشئتهم على الأديان الباطلة ناهيك عن قتلهم وعدم القيام بواجب تربيتهم على الفطرة والوحي.
الخامس: أن يعدهم: أي يعدهم بأنه لن يكون عليهم ضرر بالتكذيب ولا نفع من التصدقيق، وأنه ليس هناك حساب ولا جنة ولا نار، أو أن يعدهم بأنهم منصورون غالبون ظاهرون، وهذه أمثلة وقس عليها.
ما هي صور المشاركة في الأموال والأولاد؟
من أمثلة المشاركة التي ظهرت: البنوك الربوية، التي يغري شياطين الإنس والجن الناس بالتعامل عن طريقها، حتى أمست معظم أموال الناس في أيدي أصحاب البنوك، يتصرفون بها على مناهج إبليس، وهذه من مشاركة الشيطان بمناهجه للناس في أموالهم.
ومن أمثلتها أيضا المضاربات المحرمة وما أكثرها في أيامنا، والاحتكارات، والغش، وأنواع القمار، وقرارات التأميم الاشتراكية، والرشوات والسرقات، وتقنين القوانين بما يسهم في إثراء طائفة وإفقار طائفة.
وقد صار الشيطان اللغين شريكا للناس بمناهجه المخالفة لصراط الله المستقيم، في معظم أعمال اكتساب المال وجمعه ومنعه.
ومن الملاحظ أن دعوات إباحية قضاء شهوات الفروج دون أي ضابط ديني أو عقلي أو صحي أو مصلحي أو اجتماعي أو فردي، وانتشار هذه الإباحية في العالم بتأثير الدعاة الداعين إليها في مؤتمرات ترعاها مؤسسات ودول، قد أمست لعبة إبليس وجنوده من شياطين الإنس والجن في عالمنا المعاصر، وقد كان لهم نظراء في مختلف أمم الأرض وشعوبها في العصور الغوابر.
وظاهر أن ممارسات الناس الإباحيات في هذا المجال هي من مشاركة إبليس اللعين لهم بمناهجه، في أولادهم الذين يولدون لهم من غير الطريق الذي شرعه الله عز وجل لعباده.
بماذا يعد الشيطان؟
من أمثلة ذلك أن يوسوس له أن المال هو وسيلة السعادة في الحياة فيغتر بهذه الوسوسة فيشفى في جمع المال من كل طريق، بحله وبغير حله، ومنها أن يخوفه من الأنفاق في ووه الخير ويخوفه بالبخل ليصده عن الإنفاق، ومنها أن يغريه بالبذل الكثير في الشهوات واللذات وتحقيق الأهواء، ومنها أن يعده بتحقيق أمانيه ومطالبه إن أنتمى إلى قوم كافرين أو مالأهم أو والاهم، إلى غير ذلك.
ما مناسبة الإضافة في قوله إن عبادي ليس لك عليهم سلطان؟
الإضافة هنا للتشريف لأنها تفيد الاختصاص.
ما مناسبة التذييل بقوله ( وكفى بربك وكيلا )؟
هذا التذييل ينبه على أن المعصوم من عصمه الله، وأنه لا يمكن للإنسان أن يحترز بنفسه عن مواقع الضلالة، ولا أن يقدم على الطاعات إلا بتوفيق الله، ولأجل ذلك يجب عليه أن يوكل الأمر كله لله والله هو الوكيل الكافي عباده برحمته إن وكل العبد إليه أمره كفاه.
وعلى قدر التوكل تكون الكفاية رحمة من الله وربوبية منه بخلقه.
ما معنى ضل في قوله تعالى: ضل من تدعون إلا إياه؟
ضل هنا أي ذهب عن خواطركم كل من تدعونه فلا تذكرونه وتذكرون الله وحده سبحانه ولا يخطر ببالكم غيره لكشف الضر.
ومن اللطائف أن بعض الناس قال لبعض الأئمة: أثبت لي وجود الله تعالى ولا تذكر لي الجوهر والعرض. فقال له: هل ركبت البحر؟ قال: نعم. قال: فهل عصفت الريح؟ قال: نعم. قال: فهل أشرفت بك السفينة على الغرق؟ قال: نعم. قال: فهل يئست من نفع من في السفينة ونحوهم من المخلوقين لك وإنجائهم مما أنت فيه إياك؟ قال نعم. قال: فهل بقي قلبك متعلقا بشيء غير أولئك؟ قال: نعم. قال: ذلك هو الله عز وجل. فاستحسن ذلك.
ما مناسبة الحديث عن التكريم والامتنان بالنعم هنا؟
كل ما سبق هذه الآية جاء كالتوطئة والتهيئة لها، وسوق الشواهد بين يديها، للوصول إليها: وهي تثبيت التكريم في القلوب، مع التذكير بالامتنان بالتسخير والرزق، وكل هذا في الرد على القصة البني إسرائيلية المحرفة التي تجعل الإله عدوا للإنسان بدل أن تكون عداوته للشيطان.
ما مناسبة الانتقال إلى الحديث عن اليوم الآخر بعد الحديث عن التكريم والتفضيل؟
هذه الآية جاءت لتبين أن الحساب الدقيق والجزاء العادل اللذان ينتظران الإنسان ليعتبران من مظاهر هذا التفضيل والإكرام، وأن ما عاش له الإنسان في الدنيا وبنى عليه حياته والمنهج الإلهي الذي اتخذه لتقويم مساره هو طريقه إلى السمو والارتفاع على سائر المخلوقات، ووسيلته للحماية من التردي والسفول والانحطط.
فالمعنى المختبئ وراء هذه المناسبة يقول لنا: لا تحسبن أيها الإنسان أنك متوج بالتكريم على سائر المخلوقات أحسنت التصرف أم أسأت، لا، إنما تحدث سابقا عن التكريم والتفضيل لتحس بمسؤوليته هذا التكريم والتفضيل ملقاة على كاهليك.
فالله قد كرمك واصطفاك وأمر ملائكته للسجود لك، ثم إنه كرمك وفضلك فسخر لك البر والبحر ورزقك من الطيبات، وفي المقابل طلب منك الحياة في هذا الكون وفق منهجه الذي إليه هداك، ووهبك عقلا تهتدي به ووحيا تقتفي أثره، يحمله رسل تلو الرسل، في كتب تلو كتب، وأحاطك بكل هذه العناياة لتبصر طريقك وتعدل مسارك كلما انحرفت عنه، فمن تنكب الطريق بعد كل هذا فهو المحروم الشقي الغارق في الضلال، لذلك جاءت الآية التي بعدها في سياق طبيعي ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ).
نعم أعمى فاقد بصيرة، لا يهتدي ولا يعرف ما أولي من نعمة التفضيل والتكريم فضلا عن شكرها والقيام بحقوقها.
ما مناسبة ختام الحديث بالعمى؟
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مَن كانَ أعْمى في هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي قَدْ رَأى وعايَنَ فَهو في أمْرِ الآخِرَةِ الَّتِي لَمْ يَرَ ولَمْ يُعايِنْ أعْمى وأضَلُّ سَبِيلًا، وعَلى هَذا الوَجْهِ فَقَوْلُهُ في هَذِهِ إشارَةٌ إلى النِّعَمِ المَذْكُورَةِ في الآياتِ المُتَقَدِّمَةِ. وعنه أيضا قالَ: مَن كانَ في الدُّنْيا أعْمى عَمّا يُرى مِن قُدْرَتِي في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ والبِحارِ والجِبالِ والنّاسِ والدَّوابِّ فَهو عَنْ أمْرِ الآخِرَةِ أعْمى وأضَلُّ سَبِيلًا وأبْعَدُ عَنْ تَحْصِيلِ العِلْمِ بِهِ
في المراد بالعمى قولان:
العمى المجازي: بمعنى أن الَّذِينَ حَصَلَ لَهم عَمى القَلْبِ في الدُّنْيا إنَّما حَصَلَتْ هَذِهِ الحالَةُ لَهم لِشِدَّةِ حِرْصِهِمْ عَلى تَحْصِيلِ الدُّنْيا وابْتِهاجِهِمْ بِلَذّاتِها وطَيِّباتِها فَهَذِهِ الرَّغْبَةُ تَزْدادُ في الآخِرَةِ وتَعْظُمُ هُناكَ حَسْرَتُها عَلى فَواتِ الدُّنْيا ولَيْسَ مَعَهم شَيْءٌ مِن أنْوارِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعالى فَيَبْقَوْنَ في ظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ وحَسْرَةٍ عَظِيمَةٍ، فَذاكَ هو المُرادُ مِنَ العَمى.
القَوْلُ الثّانِي العمى الحقيقي: أنَّ يُحْمَلَ العَمى الثّانِي عَلى عَمى العَيْنِ والبَصَرِ فَمَن كانَ في هَذِهِ الدُّنْيا أعْمى القَلْبِ حُشِرَ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمى العَيْنِ والبَصَرِ كَما قالَ: ﴿ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمى﴾ ﴿قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أعْمى وقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾ ﴿قالَ كَذَلِكَ أتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسى﴾ (طه: ١٢٤) وقالَ: ﴿ونَحْشُرُهم يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا﴾ [الإسراء: ٩٧] وهَذا العَمى زِيادَةٌ في عُقُوبَتِهِمْ واللَّهُ أعْلَمُ. الرازي
( الهدى والضلال في ظلال القرآن )
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved