موسى رضيعًا
( موسى رضيعا )
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
ما موضوع هذا المقطع، وما هي مناسبته لمقصد السورة؟ وما هي المعاني التي تنتهي إليها هذه الأحداث؟
هذا استكمال لما سبق وتفصيل لكيفية حفظ الله لعباده مهما كانوا ضعفاء، وحمل السلامة والتمكين لهم من جهة أسباب الهلاك، وإرغام المفسدين من حيث لا يشعرون بأضعف الأسباب وأوهنها.
وقد كانت قصة موسى في السورة الأخرى تبدأ غالبا من حلقة الرسالة – لا من حلقة الميلاد – حيث الصراع بين الإيمان والكفر، أما هنا فليس هذا المعنى هو المقصود، بل المقصود بيان: أن وعد الله حق – كما جاء في نهاية المقطع -، وأن إرادته نافذة شاء من شاء وأبى من أبى، وأنه إن إراد شيئا هيأ له أسبابه ولو كان في قلب المخاطر، وأن العاقبة ستكون كما شاء هو لا كما شاء أحد سواه.
والعاقبة في هذا المقطع واضحة بين قوله تعالى ( ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك ) وبين قوله تعالى ( فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن )، ثم عقبت الآيات ( ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، لا يعلمون أن الأمر لله يدبره حيث شاء وأن العاقبة للمتقين ينجيهم حتى بدون أسباب.
والذي يقرأ القصة يظن لأول وهلة حين ترمي أم موسى وليدها في اليم، أن اليم سيأخذه بعيدا عن هذه القرية حتى ينجو من فرعون، إلا أن لله تقديرات أخرى حتى يظهر للناس أن عاقبة الأمور بيده وحده يجعلها حيث يشاء، فتلقي في إيديهم بلا بحث ولا كد بطفل ذكر من بني إسرائيل، وأي طفل! الطفل الذي سيكون على يديه هلاكهم جميعا!
وللمرة الثانية يحميه الله عز وجل بالمحبة التي جعلها له في قلب امرأة فرعون، فيا للقدرة القادرة التي تتحداهم وتسخر منهم وهم لا يشعرون.
وفيها من المعاني:
1- نفاذ إرادة الله تعالى بالتقاط آل فرعون موسى، ليتحقق مراده في هلاكهم على يديه.
2- حست توكل أم موسى وكما قال الرّازِي في اللَّوامِعِ: وهَذا إشارَةٌ إلى الثِّقَةِ بِاللَّهِ، والثِّقَةُ سَوادُ عَيْنِ التَّوَكُّلِ، ونُقْطَةُ دائِرَةِ التَّفْوِيضِ، وسُوَيْداءُ قَلْبِ التَّسْلِيمِ،
3- ان مثل هذا الأمر لا تظهر حكمته البالغة أول الأمر للناس، وهكذا لا يلزم إثبات حكمته تعالى في نافذ أقداره أن نعلم وجهها في حينها أو في حياتنا، وحسبنا أن نؤمن بأنه تعالى حكيم عليم.
4- هيأ الله امرأة فرعون لإقناعه بالإبقاء على حياة موسى، ولم يكن هذا في الحسبان، وهذا يستدعي اليقين بصدق وعد الله تعالى وإن لم نبصر أسبابه، فإن كثيرا من الناس يتعاملون مع الأسباب ويغفلون المسبب سبحانه، ونحن مطالبون بعمل الأسباب والتوكل على الله، فالله يجري منها ما يشاء.
5- حسن الخطاب مدعاة لتحقيق المطالب، فامرأة فرعون خاطبت زوجها بأسلوب حسن فاستمالت قلبه أولا بقولها: قرت عين لي ولك، ثم رفعت حاجتها بقولها: لا تقتلوه، ثم خاطبته بأسلوب العقل فقالت: عسى أن ينفعنا أن نتخذه ولدا، وقد تحقق لها ما أرادت بهذا الأسلوب الحكيم.
6- حاجة الأمة للمتفرسين فيمن ينفعها، كفراسة امرأة فرعون في موسى والعزيز في يوسف وبنت صاحب مدين في موسى وبحيرى الراهب في نبينا ﷺ وهذه مسؤولية المعلمين والمربين، بل إن الدول لديها أجهزة للبحث عن هؤلاء الموهوبين والطاقات والاستفادة منها على أكمل وجه.
7- إيواء من كانت به حاجة كمن لا يعرف له أب ولا أم من كريم الأخلاق، ومن التكافل الاجتماعي الذي جاء به الشرع وهو جار في الناس كافرهم ومسلمهم كما أشارت إليه هذه الآية.
8- الأسباب المادية لا تمنع من نفاذ إرادة الله تعالى، فمع حرص آل فرعون على قتل أولاد بني إسرائيل كانت نهاية حكمهم على أيديهم.
9- كيد الكافرين لا يغني عنهم شيئا، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، فكثيرا ما يعود تدميرا عليهم وعلى أممهم ومجتمعاتهم، ففرعون ربى موسى وكان سببا في هلاكه وهم لا يشعرون.
10- عند لحظة طارئة قد تضيع الفكرة وتستغرق بعضهم اللحظة – كما حصل مع أم موسى – وقد يتصرف تصرفا خاليا من النظر في عاقبته وآثاره ( إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها )، فإن فعل هذا زادت المشكلة وضاق المخرج، والواجب الاستعانة بالله والحكمة والأناة في التصرف،
11- من عناية الله بعباده المؤمنين تثبيتهم عند المصائب والربط على قلوبهم.
12- الاستمرار بالأخذ بالأسباب واجب، فبعد أن ربط الله على قلب أم موسى وهدأت وازدادت يقينا بوعد الله تعالى، ولكنها لم تترك الأخذ بالأسباب، فأمرت أخته بتتبع خبره.
13- جواز المراقبة للمصلحة ودفع الضرر، إذ قالت لأخته ( قصيه فبصرت به عن جنب )، وأما التجسس وهتك الأستار وتتبع العورات فلا يجوز.
14- أقدار الله نافذة، حرم عليه المراضع ليرده إلى أمه، لا يملك مثل هذا سوى الله.
15- التلطف والتعريض للوصول إلى المراد، قالت لهم ( هل أدلكم ) وكأنها تستأذن في النفع ولا تطلبه، ( على أهل بيت ) بتنكيره مع أنها تقصد أمهما، إلا أنها عمت عن مرادها.
16- ربط الأمر بمصلحة المخاطب أقرب للإجابة حيث قالت أخته ( يكفلونه لكم ) أي لأجل مصلحتكم أنتم.
17- وعد الله لهذه الأمة كائن لا محالة فإذا توافرت الأسباب وزالت الموانع جاء نصره، وعلينا – إن لم نبصر طلائعه – ألا نيأس من وعد الله، بل نعم على إزالة الموانع لأسباب نصره سبحانه، ثم هو قادم من حيث أبصرنا أم لم نبصر.
18- حكمة الله بالغة في أفعاله، ومع ذلك فالمبصرون لها قد يكونون قلة ، وقد يكون الأمر في ظاهره كريها، لكن عاقبته محمودة،
ما هي دلالة اللام في قوله ليكون لهم عدوا وحزنا؟
اللام هنا للصيرورة والعاقبة والمآل، لا لام التعليل.
ما هو الفرق بين خاطئين ومخطئين؟
خاطئ هو اسم فاعل من خطئ كفرح إذا فعل الخطيئة وهي الإثم والذنب، ومصدره الخطء بكسر الخاء وسكون الطاء، وأم الخطأ فهو ضد العمل وفعله أخطأ فهو مخطئ، ويصبح معنى الكلام: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا مرتكبين للخطايا والذنوب ولأجل ذلك سلط الله عليهم موسى ليكون لهم عدوا وحزنا، فتكون الجملة تعليلية.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر هامان هنا؟
الأوامر في تلك الأزمان كانت تصدر عن طريق الوزراء، فالوزراء هم الذين ينفذون أوامر الملك بواسطة أعوانه من كتاب وأمراء ووكلاء ونحوه، وهذا في تأكيد على مسؤولية كل من تحت الملك، وأنهم معه في الإثم والمؤاخذة سواء، وفي العذاب سواء، فلولاهم ما ظلم ولا تمكن من الفساد.
ما مناسبة استخدام كلمة الفؤاد بدلا من القلب؟
الفؤاد من فأد والفأد الشوي، يقال فأده أي شواه فاستخدمت هذه الكلمة للدلالة على التوجد والحزن لاكتوائها بنار فرقته، أما لما جاء الحديث عن الربط ( لولا أن ربطنا على قلبها ) القلب هنا أنسب.
ما مناسبة استخدام كلمة أخته بدلا من ابنتها؟
هذا للإشارة إلى رابطة الأخوة بينها وبينه.
ما مناسبة ذكر كي مع قرار العين واللام مع العلم؟
كي تستخدم للقرض الأساسي أما اللام فهي أوسع في الدلالة وتستخدم للغرض الأساسي والغرض البعيد، وهي هنا مهتمة بعودة وليدها إليها ( إنا رادوه إليك ) فكان الغرض الأساسي من عودته هو قرار عينها، أما ما سوى ذلك ( جاعلوه من المرسلين ) فيأتي تاليا في الاهتمام.
ما مناسبة تكرار ذكر الجنود هنا؟
تكرار ذكر الجنود هنا تحميل لهم جريرة أفعال فرعون، فلولاهم ما ظلم ولا استعلى، فلم يبرئهم تعالى من فعائله بل عطفهم عليه، وأشركهم معه ف يالخطيئات فلا عذر لهم.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved