قوانين النصر في سورة الأنفال

بقلم الأستاذة سهى عرابي

 

*سورة الأنفال  وقوانين النصر في غزوة بدر 

١ – [ فاتقوا الله ] : الأمر بالتقوى عند النزاع و قدم التقوى لأنها جامع الطاعات.

٢- [ وأصلحوا ذات بينكم] : الإصلاح – الإجتماع – الوحدة – اللُحمة – التراص 

عطف على التقوى الأمر بالإصلاح، لأن المسلمين اختلفوا و اختصموا و تشاجروا على الغنائم ، وقال عبادة بن الصامت في ذلك عبارة : ” اختلفنا فى النفل وساءت فيه أخلاقنا.

لايمكن للجيوش أن تنتصر وقلوب الأفراد متنازعة متباغضة قد فرقتها أودية الدنيا و تفاهات الحياة والمادة .

قال صلى الله عليه وسلم : ” ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة ، قالوا بلى ،

قال : إصلاح ذات البين ؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة 

٣- [ وأطيعوا الله و رسوله ] : أمر بالتقوى والإصلاح ثم ردّهم إلى الطاعة المطلقة، و وقوع إصلاح ذات البين بين التقوى والطاعة يدل على أهمية الإصلاح وخطورته ، فلا تتم التقوى و لا تكتمل الطاعة إلا به ، فإذا وجد النزاع دل على ضعف التقوى ، وكان سبباً الحرمان من نفحات رحمة الله في الأوقات المباركة .

* الإيمان الحق : ليس أي إيمان ، ليس مجرد ادعاء، إيمان له مقاييس ، له موازين، له تربية وإعداد ، على الدول أن تُعنى بتدريب الجيوش عسكريا واستراتيجياً على حمل العتاد وحمل الأسلحة ، عليها أن تتأكد قبل ذلك وعلى نفس الأهمية من قضية مقياس و ميزان الإيمان في النفوس ، عليها أن تهتم بالتربية الإيمانية، وبزيادة الرصيد الإيماني، فكل أية في القرآن تزيد الإيمان بقدر حتى يصل المرء للوجل. إن وجل القلوب دليل على علو رصيد الإيمان في نفس الفرد .

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [سورة اﻷنفال 2]

وجل يزرع التوكل في القلب ، توكل يجعلني أعد العدة على أكمل وجه مع اليقين بأن الله وحده هو الذي يملك أسباب النصر ، أن أتوكل بثبات ويقين مهما كانت عدتي قليلة ، و قوتي متواضعة ، فعلى قدر صدق التوكل يكون المدد والنصر . [ وما النصر إلا من عند الله ] 

*٤- إقامة الصلاة 

والإيمان الحق الذي تعرضه الآيات يبدأ بالقلب ثم يظهر على الجوارح 

(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [سورة اﻷنفال 3]

فمن أعظم أسباب النصر إقامة الصلاة ، فهي غذاء الروح وصلتها بربها ، تقوى النفس و تثبيت القدم وترسيخ للقلب الذي عليه مدار الفوز والخسارة .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [سورة البقرة 153]

من أعظم عوامل الاستعانة في الحرب هي إقامة الصلاة، هي المحطة التي تزود الجندي بالطاقة والإمداد من رب العباد .

٥- [وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)

 الصلاة إعداد القلب والإنفاق إعداد الجيش .

الإنفاق تزكية و مطهرة من التعلق بالدنيا ، وتجرد وإعداد للقتال .

ابتدأت السورة بصفات خمس: الخوف من الله [ التأثر بالقرآن والتربية بالقرآن ]

التوكل _ إقامة الصلاة _ الإنفاق

وقد وصف من بلغوا درجة رفيعة في الإيمان  

(أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)

[سورة اﻷنفال 4]

* قوانين النصر في سورة الأنفال (٢) 

أن يكون الخروج للقتال من أجل قضية وهدف عظيم : الخروج لقضية 

(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)

[سورة اﻷنفال 7 – 8]

في غزوة بدر كره المؤمنون الخروج للقاء العدو في المعركة وكانوا يريدون الخروج لأخذ العير ، فجاءت الآيات توجه المسلمين و تجعل الهدف من توجه لأخذ العير إلى قضية قتال ومواجهة ومعركة وخروج للقاء النفير ،وجهاد لإعلاء كلمة الله .

* الفكرة التي يعلمنا القرآن : أن خروجك لابد أن يكون لهدف عظيم ، ولقضية هامة .

[ الخروج لقضية ] خروج لاحقاق الحق ، وإبطال الباطل .

لم يشأ الله لهذه الطليعة أن تتحرك لأمرٍ عارض قريب ، خاصة أن هذه أول معركة لها . بل شاء الله أن تتحرك لقضية عظمى ، أن تتحرك حركة تعلو معها مكانتها و تزداد هيبتها و تكتمل رسالتها .

إن أعظم دافع لنجاح الجيوش هو< القوة المعنوية >، أعظم دافع هو أن يتأكد هذا الجندي الذي يحمل العدة ويحمل السلاح من عدالة القضية التي يخرج من أجلها ، فالجندي الذي يقاتل دون الإيمان بقضية عادلة _ مهما بلغت القوى المادية التي يملكها و مهما بلغ التدريب الإستراتيجي الذي تعرض له _ فإن اليد التي تحمل السلاح ستصبح يداً ضعيفة واهية خائرة ، لذلك لم يتحرك. الرسول صلى الله عليه وسلم للقاء العدو في بدر إلا بعد أن عرض الأمر على المسلمين ، وبعد أن سمع من المهاجرين، وبعد أن تأكد من صدق عزيمة الأنصار . [ لابد للقائد أن يتأكد أن كل جندي يحمل همّ القضية ] 

قام سعد بن معاذ لأنه شعر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يسمع منهم _ على اعتبار أن الأنصار قد عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم على حمايته ونصرته في حدود المدينة _ والآن هناك معركة خارج نطاق المدينة ، فقال سعد رضي الله عنه لعلك تريدنا يا رسول الله ؟ قال عليه السلام : أجل .

فقال سعد : يا رسول الله قد أمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، واعطيناك على ذلك عهودنا و مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يارسول الله لما أردت ، فوالله لا يتخلف عنك اليوم منا رجل واحد ، ولو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لصبرٌ في آلحرب ، صدقٌ عند اللقاء، ولعل الله أن يريك منا ما تقرّ به عيناك ، فسرّ بنا على بركة الله .

حين عرض النبي صلى الله عليه وسلم الأمر على المهاجرين والأنصار ، خاصة أنه شعر بكراهيتهم للحرب [ وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون ] 

أراد بذلك أن يوجه القادة العسكريين أنّ عليهم قبل بدء المعركة التحدث إلى جنودهم وجها لوجه ، وتعميق شأن القضية التي خرجوا من أجلها 

* لابد من ربط القرآن بالواقع الذي نعيش فيه ، لابد للقائد أن يجلس مع جنده وأن يتأكد أن الذي أخرجهم ليس متاع الدنيا الزائل، ليس حب السيطرة على مقدرات الشعوب ، وليس نهب خيراتها ، ليس السيطرة عليهم ليكونوا هم القوة العظمى .

لابد أن يتأكد أن الذي أخرجهم هو الإيمان بالحق وإقامة العدل ، هو إحقاق الحق وإبطال الباطل و نصرة الحق .

فإذا تحقق هذا فإن النصر متحقق بإذن الله ، لذا قال لهم النبي عليه السلام : ” سيروا و أبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين ” 

* نستفيد من مقدمات غزوة بدر عدة دروس : 

١– لابد من التهيئة النفسية للقاء العدو . [ الطب النفسي العسكري ] 

٢– لابد من وضوح الهدف و عدالة القضية التي يخرج لها الجند . [ نتساءل لأي شيء خرج الجند الأمريكان للحرب في العراق ، وما الأمراض النفسية التي لازمتهم أثناء الحرب و بعدها ] 

٣– مسؤولية القائد تجاه الجند ، [ ليست الرئاسة مجرد أوامر بل تربية وتهيئة وإعداد ]

* قوانين النصر في سورة الأنفال 

– الاستغاثة والدعاء (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)

[سورة اﻷنفال 9]

عند الحديث عن قوانين النصر فلا يكفي الإيمان، ولا يكفي يقيني بالحق الذي أخرج من أجله ، ولا يكفي إعداد العدة بل لابد من الافتقار إلى الله عز وجل به الاستغاثة والدعاء والتضرع ..

قوانين النصر في سورة الأنفال ٣ 

* الاستغاثة والدعاء : 

[ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ] 

عند الحديث عن قوانين النصر فلا يكفي الإيمان ، ولا يكفي يقيني بالحق الذي أخرج من أجله ، ولا يكفي إعداد العدة بل لابد : 

من الافتقار إلى الله عز وجل والاستغاثة والدعاء والتضرع والاستعانة ، الشعور بأني بدون معية الله لا أملك شيئاً – [ أني معكم ] 

لابد من نداء استعانة لله الواحد الحق .. استعانة واستغاثة صادقة ، فهو وحده الذي يستطيع أن يحرك جيوش الملائكة . لابد أن أستغيث به قبل أن أوُجّه نداء الاستغاثة الشرق والغرب .

فالنصر لا يأتي من تحالفي مع جيوش الشرق والغرب ، ولايأتي من تحالفي مع القوى العظمى ، النصر لا يأتي إلا من باب واحد ؛ من اللجوء و التحالف مع من يملك النصر ، وهو الله سبحانه وتعالى : [ وما النصر” إلا من عند الله ” إن الله عزيز حكيم ” ] 

فكان الترتيب الرباني والرحمة الربانية بالنعاس ، وكان المطر بعده لينعشهم ، وكان المدد بالملائكة ، وكانت الرؤيا من قبل ] 

* من قوانين النصر : رفع معنويات الجند بشتى الوسائل.

فالله يقول ( وما جعله إلا بشرى لكم ) 

* من قوانين النصر : النصائح والتوجيه العسكري 

[ فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ) 

الآية توجه المجاهدين إلى ضرب العدو في مقتله ، وتلفت الأنظار إلى مواطن الضعف وهذا أمر يحرص عليه كبار العسكرين قبل المعركة ، إذ يبحثون بواسطة استخباراتهم عن نقاط ضعف العدو بضربه من خلالها .

* من قوانين النصر الثبات 

[ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ] 

اثبت ، ارسخ مهما تكشف لك من القوة وأسباب القوة المادية التي يمتلكها الطرف الآخر ، إياك أن توليه الأدبار ، إياك أن تنهزم أو تهرب أو تفر ، إياك أن تخسر  المعركة بالفرار .

إياك أن تعتقد أن عدوك الذي يملك أكثر مما تملك سيهزمك بهذا ولهذه الأسباب ، فإن الهزيمة والنصر بيد الله [ والنصر إلا من عند الله ] 

هكذا تعلمنا غزوة بدر : فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض العيون عن عدد قريش فأكدوا له بأن عدد الفرسان قاربوا ألفاً بالعدة والعتاد ، وهم مستعدون على أتم الاستعداد للقتال .

ونفر إلى أصحابه فوجد أنهم لايتجاوزا ثلاثمائة بدون عدة ، وما بينهم إلا فارس واحد ، لم يكونوا مهيئين للقتال .

ألف مقابل ثلاثمئة ..

معادلة في موازين القوى غير متكافئة 

صحيح أنّ المسلمين قاتلوا و رموا بعدتهم البسيطة ، لكن الله هو الذي قدر  الضربة أن تصيب ، وهو الذي جعل الرمية بالغة الأثر .

هذا الرعب والأثر الذي يحدثه بثبات المسلم نراه يوميا في فلسطين ، فالله عز وجل هو من جعل الحجارة في يد طفل تقهر دبابة ، يرميها ثابتا مقبلا غير مدبر ، موقن أن صاحب حق يواجه معتد غاصب ، هو سبحانه من يجعل الحجارة تبلغ ما لا تبلغه طائرة أو صاروخ أو دبابة .

من الذي جعل لهذه الأيدي الصغيرة وهذه الصدور العارية اثراً يرهب العدو ، ويبلغ من المدى ما لا تبلغه صواريخهم بعيدة المدى .

[ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ] 

المطلوب منك هو الثبات أما أثر الثبات وتأثير الثبات فذلك فعل الله .

افعل ما يجب أن تفعله بيقين وثبات و أترك الأثر على من اتخذته وكيلا .[ وعلى ربهم يتوكلون ] وكفى بالله وكيلا و كفى بالله حسيباً 

* الثبات هو ما تحتاجه اليوم في الطاعات ، لايمكن لقلب أن يثبت في ميدان القتال ولايمكن لقدم أن تثبت في ميدان الحرب مالم تثبت في ميدان الطاعات ، وما لم تصطف في ميدان الصلوات وتتلاحم القلوب والأرواح في ميدان الطاعات والدعوات .

الثبات على الطاعات هو من عوامل النصر ، الثبات على الحق هو ما نحتاجه اليوم ، الثبات على مراد الله عز وجل .

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لحارثة الأنصاري : ” عرفت فالزم ” 

فالغاية التي خرجت من أجلها هي إحقاق الحق ، وما عليك إلا الثبات عليها ، والله عز وجل يتولى النتائج .

ويطمئن القلوب رغم كيد الكافرين ، و رغم الدسائس والمكائد والخطط ، و رغم كل ما يحاك في الظلام ضد الإسلام ، رغم كل ما يذاع ، رغم البروتوكولات ، رغم ذلك يقول سبحانه [ ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين ] .

* من قوانين الثبات في سورة الأنفال ٤ 

الخدعة : [ ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتالٍ أو متحيزاً إلى فئة ] 

فالحرب خدعة ، ومخادعة العدو من عوامل النصر ، [ إلا متحرفاً لقتال ] 

أي أن يتظاهر بالفرار أمام العدو ليخدعه و يستدرجه ليتمكن منه .

[ أو متحيزاً إلى فئة ] أي أو أن يترك القتال لينضم إلى جندٍ محتاجين المعونة والمساعدة ، مثلما ترك خالد بن الوليد رضي الله عنه قتال الفرس في العراق وانضم إلى جند المسلمين في الشام تنفيذا لأمر الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه .

* وقيل في تفسير [ أو متحيزاً إلى فئة ] هو الانسحاب المنظم لإعادة ترتيب الصفوف .

* من قوانين النصر : التربية الإيمانية بعد النصر 

[ فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ] 

أنزل الله هذه الآيات مؤدبة للصحابة ، مذكرة لهم بأنه صاحب الفضل عليهم وهو من نصرهم ( هو الله رب العالمين ) ، كي لا يصيب المنتصر الزهو والفخر والعجب بنفسه فيحبط عمله .

وفي الآية دليل مكانة هؤلاء الصحابة عند الله عز وجل فإن هؤلاء البدريين هم الصفوة والنخبة ، هم القلة التي صبرت و كابدت وجاهدت في مكة مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، والتي بالتالي أكرمها الله عز وجل بهذا التأييد وهذا المدد .

وسيبقى لأهل بدر السبق والفضل . وستبقى كلمات الرسول صلى الله وسلم نبراس لنا في حكمنا على أصحابه الأوائل

” لعل الله أطلع على أهل بدر ، فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ” 

 ، وستكون كلماته عليه السلام منهج لنا في كافة احكامنا على الناس .

* من قوانين النصر : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

* من قوانين النصر : الاستجابة لله والرسول .

وحرض على الاستجابة بقوله [ وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ] .

ونلاحظ تكرار الفعل [ واعلموا ] للفت ذهن السامع و لحث المخاطبين على مزيد من التأمل و العناية 

[ واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ] 

[ واتقوا فتنة ..واعلموا أن الله شديد العقاب ] 

[ واعلموا أنما أموالكم و أولادكم فتنة ] 

[ وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير ] 

[ واعلموا أنما غنمتم من شيء ] 

مثال : [ استجيبوا لله وللرسول ] ثم حذرهم إن اعرضوا من فتنةٍ تعم الظالم وغيره ، فعلى عقلاء الأقوام وأصحاب الأحلام منهم إذا رأوا دبيب الفساد في عامتهم أن يبادروا إلى معالجة ما حل بالناس من ضلال ، وأن يكشفوا ماهيته وعواقبه وأسبابه ، وأن يزجروا المفسيدين عن الفساد حتى يرتدعوا .

فإذا هم تركوكم لم يزل الفساد يسري وتنتقل العدوى حتى يعم أو يكاد ويعسر اقتلاعه ، وتحيق الفتن التي تأخذ الجميع .

فإن من شنتها أنها لا تخص المجرمين إذا كان الغالب على الناس هو الفساد .

عن عائشة رضي الله عنها : أنهلك وفينا الصالحون ! قال صلى الله عليه وسلم نعم إذا كثر الخبث .

* من قوانين النصر : التحذير من العصيان الخفي < الخيانة > 

بعد أن أمرهم الله بالطاعة والاستجابة ومقاومة المعاصي الظاهرة يحذرهم من المعاصي الباطنة [ عصيان علني / وعصيان خفي ] 

والخيانة ضد الوفاء الذي هو دليل نزاهة النفس و اعتدالها . وقد تكرر ذكر الخيانة في السورة [ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ] 

وأصل الوفاء : التمام والخيانة ضدها ؛ وهي نقصان الأمانة : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)

[سورة اﻷحزاب 72]

هنا [ خيانة ] جاءت تفيد العموم ، فكان التحذير من كل خيانة ، ومن كل إفشاء لسر الجيش أو الدولة ، أو بمعنى الفلول وله علاقة بالانفال ، فالآية تحذر من الفلول .

[ وأنتم تعلمون ] : المقصود منها تشديد النهي وتشنيع المنهي عنه ، لأن النهي عن الشيء المعلوم قبحه أشد .

[ وأنتم تعلمون ] أي وانتم بعلم بحقيقة المحاسن والقبائح .

* ثم عطف الأموال والأولاد على الخيانة : لاستيفاء اقوى دواعي الخيانة ، واستخدام القصر للمبالغة في إثبات أنهم فتنة [ إنما ] وقدّم المال على الولد لأنه أعظم فتنة للنفس .

[ وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ] 

لله : اللام للملك  والاستحقاق

إعادة حرف [أن] يفيد : 

* التوكيد

 * يفيد تعظيم شأن القسمة لأن الله عز وجل هو من يقسمها .

الابتداء بإسم الله يفيد التعظيم.

* الغنيمة كلها للمجاهدين إلا الخمس ، أي 4/5 للمجاهدين .

والخُمس  في مصارفه على خمسة أسهم .

قال صلى الله عليه وسلم : ” ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم .

* لما خصص الله لبنى هاشم وبني المطلب من الغنيمة ؟ 

١) إكراماً من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم .

٢) لأن الله حرم عليهم أخذ الصدقات والزكاة ، فأغناهم من مال الله .

٣) لأنهم نصروا الرسول صلى الله عليه وسلم وكانوا معهم في شعب بني طالب تحملوا الجوع والمقاطعة من قريش رغم أن

بعضهم لم يسلم وأنما كان يحمي الرسول وظاهروه في الجاهلية ، فكانت لهم مزية ، لذا أعطى أعيانهم ولم يعط أبناءهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن الأنبياء لا تورث .

* [ وأصلحوا ذات بينكم ] : الإصلاح بعد النزاع من عوامل النصر إن حصل خلاف 

فقد سألوا عن الغنائم مراراً بدليل الفعل المضارع الذي يدل على التكرار والإعادة مرة بعد الأخرى .

[ يسألونك ] : فعل مؤذن بتنازع الجيش في استحقاق الأنفال .

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ۖ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [سورة اﻷنفال 1]

[قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ] : العلاج أحياناً أن تتجرد من الأمر بالكلية حتى تدرك حقيقة تصرفك ، حتى ترى الخلل على وجهه الصحيح والحقيقي .

اللام للملك ، وقيل للاختصاص ، أي أن الأنفال تختصُّ في حكمها وصرفها بالله والرسول .

وعُطف الرسول على اسم الجلالة [ الله ] لتأكيد الدلالة على أنها ليست حقاً لهم ، وإنما هي لمن يعينهم الله بوحيه ، وقد ذكر  الرسول صلى الله عليه وسلم : 

١) أن الرسول إنما يتصرف في الأنفال بإذن من الله توفيقاً أو تعويضاً .

٢) لتشمل الآية تصرف أمراء الجيش في غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو بعد وفاته.

ثم قال :[ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ]

أي أصلحوا بينكم ، أصلحوا البين والعلاقة .

وكما قرىء [ لقد تقطع بينُكم ] ، وكأن ذات مفعول به ، أي أصلحوا حقيقة بينكم ، اجعلوا الأمر الذي يجمعكم صالحاً غير فاسد ، ولا تدعوا سببا للبين والبعد بينكم .

يقول الطاهر بن عاشور  رحمه الله : ” واعلم اني لم أقف على استعمال [ ذات البين ] في كلام العرب ، فأحسب أنها من [ مبتكرات القرآن ] ” 

*  أطلق الأنفال على الغنائم في الحرب كأنهم اعتبروها زيادةعلى المقصد من الحرب فالأهم فيهاإبادة الأعداء وكان الشجعان لايأخذونها

* لذا بدأت السورة بأهم تساؤل من قبل الصحابة عن هذه الأنفال ، 

فكما كان المقصد الأسمى والأعلى هو الجهاد وإعلاء كلمة الله ، لتكون هي غاية دولة إسلامية فتية .

كان لابد من تحويل الهدف من الخروج والتعرض لقافلة ، 

وكان  لابد أن يوجه النظر إلى أمر الأنفال أولا حتى لا تكن هذه الانفال هي عوضا عن غنائم قافلة قريش .

وهذه الأنفال لم تكن مباحة في الشرائع السابقة ، وجاء الأمر هنا ليبين حكمها و كيفية تقسيمها حسب أمر الله .

ما الفرق بين الآيتين ؟ 

 قال الله تعالى في سورة البقرة : ﴿وَقاتِلوهُم حَتّى لا تَكونَ فِتنَةٌ وَيَكونَ الدّينُ لِلَّهجِ فَإِنِ انتَهَوا فَلا عُدوانَ إِلّا عَلَى الظّالِمينَ﴾ [الآية : ١٩٣]

 وقال تعالى في سورة الأنفال : ﴿وَقاتِلوهُم حَتّى لا تَكونَ فِتنَةٌ وَيَكونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعمَلونَ بَصيرٌ﴾ [الآية : ٣٩] .

 ولو تأملنا هاتين الآيتين فسنجد الآتي : 

قوله : { الدّينُ لِلَّهِ } و {الدّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}

 قال الألوسي في تفسيره (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ) : ” ولم يجئ في آية البقرة – كلمة {كله} كما في آية الأنفال ؛ لأن ما هنا – آية البقرة – في مشركي العرب ، وما هناك – آية الأنفال – في الكفار عموماً، فناسب العموم هناك وتركه هنا ” . 

وذكر ابن عاشور في تفسيره ( التحرير والتنوير ) وجهاً آخر لهذا الاختلاف ، فقال ” زِيدَ في آية الأنفال اسم التأكيد وهو {كله} ؛ لأن هذه الآية أسبق نزولاً من آية البقرة ، فاحتيج فيها إلى تأكيد مفاد صيغة اختصاص جنس {الدين} بأنه لله تعالى ؛ لئلا يتوهم الاقتناع بإسلام غالب المشركين ، فلما تقرر معنى العموم ، وصار نصّاً من هذه الآية ، عدل عن إعادته في آية البقرة ؛ تطلباً للإيجاز ” .  

لما اختلف المقصد في الآيتين ، أعقبت كل واحدة منهما بما يناسب مقصودها على ما يقتضيه السياق والموضوع ، لذلك جاء تعقيب آية البقرة بقوله سبحانه : {فَإِنِ انتَهَوا فَلا عُدوانَ إِلّا عَلَى الظّالِمينَ}، 

وهو خطاب لأهل مكة ، أي : إن انتهوا عن كفرهم .

بينما جاء تعقيب آية الأنفال بقوله تعالى : {فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعمَلونَ بَصيرٌ} ، والخطاب هنا يشمل الكل .

الخلاصة :

أن آية البقرة جاءت في قتال أهل مكة (كفار قريش) ، ولا حاجة لكلمة ( كله ) لأنه دين واحد في مكة ، وهو دين عبادة الأصنام .

أما آية الأنفال فالأمر ورد عامًّا في قتال كل الكافرين ، وجاءت السورة تُفصّل أحكام الجهاد والقتال ضد عموم الكفار ، وليس كفار قريش خصوصا .

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved