في ختام السّورة
( في ختام السورة )
تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85) وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)
ما هو موضوع هذا المقطع، وما مناسبة الابتداء به، وما مناسبته لمقصد السورة؟
هذا المقطع ختام السورة، وفيه خلاصتها والمعاني التي يجب أن تنقدح في نفس القارئ المتدبر كلما قرأها، ولأنها خلاصة السورة فهي قليلة الألفاظ كثيرة المعاني تحتاج وقفات عند كل معنى من معانيها.
وكما ابتدأت السورة بالتشويق باسم الإشارة ابتدأ المقطع بالتشويق باسم الإشارة ليتنبه القارئ ويرعي سمعه لما سيتلى.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها بدء المقطع بهذه الآية؟
هذه الآية كما ذكرنا تعتبر ملخصا للسورة واختصارا لجميع معانيها:
فأشارت إلى الدار الآخرة: باعتبارها عاقبة الأمر الحقيقية
ونجعلها: للإشارة إلى أن هذا الأمر مرده إلى الله وحده وهو المتصرف به كيف يشاء
وبينت أصحاب هذه الدار المستحقين لها وصفاتهم.
ثم ختمت بهذه الخاتمة الفاذة التي حوت معاني السورة وترجمت عن مقصدها كما سبق بيانه.
ما مناسبة قوله تعلى بعدها ( من جاء بالحسنة .. )؟
هذه الآية جاءت لبيان سبب جعل الدار الآخرة لهؤلاء الناس دون سواهم، وأن ذلك مرده إلى أعمالهم، ولا يظلم ربك أحدا، فمن جاء بالحسنة كانت له العاقبة ومن جاء بالسيئة فمن نفسه وعليها، وجاء بالاستثناء بعد النفي لإفادة الحصر.
ما مناسبة قوله تعالى بعدها ( إن الذي فرض عليك القرآن .. )؟
من يقرأ هذا الكلام يشعر بأنه موصول بقوله تعالى سابقا
إن فرعون علا في الأرض
وبقوله : إن قارون كان من قوم موسى.
وكأنه جل وعلا يعيد للنبي صلى الله عليه وسلم – ولكل قارئ متدبر – استحضار تلك الصور التي تحمل معنى ( العاقبة للمتقين ) قبل أن يعده هذا الوعد، بأنه سيرده إلى المعاد الذي وعده إياه، حتى لا يبقى في نفس القارئ شك من هذا الوعد القادم مهما كانت الأسباب غائبة والفرص معدومة في الظاهر، فإن الأمر أمره وهو صاحب العواقب.
مع معنى قوله تعالى ( إن الذي فرض عليك القرآن)؟
أي الذي اختاره لك من قولهم: فرض لك كذا إذا عين له فرضا أن نصيبا.
ما هو المعنى الذي ينتهي إليه تنكير المعاد؟
التنكير هنا للتعظيم، أي رادك إلى معاد شأنه عظيم.
ما هو المراد بالمعاد؟
قيل في المعاد أمران:
الأول: أن المراد بها مكة، وهذا فيه معنى رجوعه إليها فاتحا منصورا على قومه، له العاقبة، وأنه سيؤوى وينصر كما أووي موسى ونصر.
الثاني: أن المراد بها الدار الآخرة، أي ستكون له العاقبة في الآخرة وسيكون حال شانئيه مثل حال من قبلهم من الظالمين الكافرين، وقد تقدم ربط أفعالهم بأفعال قوم فرعون.
والمعنيان محتملان، ولو كان يمكن القول بأنهما متعينان لاخترت ذلك، فإن القصتين تشيران إلى العاقبة التي تكون في الدنيا وفي الآخرة.
ما مناسبة قوله تعالى ( قل ربي أعلم من جاء بالهدى ) بعد الحديث عن الرد إلى معاد؟
على المعنى الأول: يكون المعنى: الأمر بالإعراض عن المشركين حتى تأتيهم فاتحا منصورا أعزك الله وأخزاهم، حينها يعلموا من هو الصادق ومن هوالكاذب.
وعلى المعنى الثاني: يكون المعنى: يردك إلى معاد يوم القيامة، فيظهر المهتدي والضال على الحقيقة، في موقف لا لبس فيه ولا ظلم.
ما مناسبة قوله تعالى بعدها ( وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب .. )؟
هذا استكمال لما سبق عن الحديث عن الوعد بالعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، وكأنه يقول له: إن الذي رحمك فآتاك الكتاب من غير ترقب منك ولا استهداف، لن يجعل أمرك سدى، ولن يتركك دون أن يبلغك العاقبة التي تليق بك.
ما مناسبة النهي بعده عن مظاهرة الكافرين؟
الظهير هو المعين، والمظاهرة هي المعاونة، وأعلى مراتبها النصرة وأدناها المصانعة والتسامح، ولما كان النهي عن المظاهرة هنا عاما، شمل جميع أنواع المظاهرة.
وهذا المعنى – النهي عن مظاهرة الكافرين بأي نوع من أنواع المظاهرة – معنى متفرع عن الإيمان بمقصد السورة أي عن الإيمان بكون العاقبة للمتقين، فإن من علم أن العاقبة للمتقين هان أعداء الدين في عينه ولم يبال بهم، لا خوفا ولا طمعا، وبقي توجهه نحو الله وحده باعتبار أن العاقبة بيده وحده وهو يؤتيها المتقين من عباده.
كما أن فيه تعريضا بأن مظاهرة المشركين ليست من شأن المتقين، ثم يكون تحذيرا للمتقين ولمن يريدون أن تكون العاقبة لهم أن يقدموا على مثل هذا الأمر فيخدشوا تقواهم.
ما مناسبة قوله تعالى بعدها ( ولا يصدنك .. )؟
هذا فيه تأكيد وتوسيع للمعنى السابق الذي ورد في العبارة الأخيرة من الآية السابقة، وقل مثل ذلك عن الآية التي تليها وهي آخر آية في السورة، فكلها مسوقة لإثبات نتيجة ولوازم اليقين بمقصد السورة بأن العاقبة للمتقين، وأن الله وحده هو الذي يملك أن يجعل العاقبة لمن يشاء.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved