في ختام السورة

في ختام السورة

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ(73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(74) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۗ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ(76) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩(77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ(78)

ما هو موضوع هذا الفصل وما هي علاقته بمقصد السورة؟

هذا هو فصل الختام في السورة، وكما ابتدأت السورة بنداء الناس، انتهت بندائهم ههنا أيضا، مكملة ما بدأته في أول السورة من الأمر بتقوى الله لعظيم أمره جل وعلا.

ما مناسبة المثل المضروب لمقصد السورة؟

المثل المضروب في الناحية الأخرى من التعظيم تماما، فكما ابتدأت بالحديث عن تعظيم الله لأنه هو مالك يوم الدين، ويوم الدين أمره عظيم، جاء هنا في الحديث عن حقارة ما يدعون من دونه، فهم لن يخلقوا أحقر المخلوقات وهو الذباب، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يمكن أن ينالوا منه، فإن كان الأمر هكذا، ففيه دليل قاطع على خسة وحقارة الذين يدعون من دونه وعبر عنهم بالمطلوب، وكذلك الداعون وعبر عنهم بالطالب.

لذلك أتبع بعدها مباشرة بقوله تعالى ما قدروا الله حق قدره، فشتان بين هذه السورة الحقيرة الضعيفة وبين الله العظيم جل وعلا.

ولو أن المثل المضروب كان مثلا: وإن تسلبهم السباع شيئا لا يستنقذوه منه: لأوحى ذلك بالقوى بدل الضعف، ولكنه ضرب مثلا بأحقر وأضعف المخلوقات لإظهار ضعفهم وحقارتهم.

ثم أتبعت هذه المثل الذي يدل على ضآلتهم قوله تعالى ما قدروا الله حق قدره، فما قدروه حق قدره إذ عبدوا ما لا يقدر على الذباب، فما بالك بما سوى ذلك

ثم عادت الآيات لتبين سلسلة من سلسلة الصراعات والخصومة بين المؤمنين والكافرين، مبينة أن هؤلاء الذي امتد ذكرهم على طول السورة ابتداء بقوله تعالى ( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات) إلى قوله تعالى ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا)، أن قيمتهم مستمدة من اصطفاء الله العظيم لهم، وأن الله بنفسه هو الذي اصطفاهم، فتعظيمهم من تعظيم الله الذي أنزلهم هذه المنزلة.

ما مناسبة الآيات التي بعدها؟

بعد أن انتهى من خطاب الناس، والأقرب كما بينا أن المراد بهم المشركون، فإنهم هم المخاطبون أولا بالخطاب، وإن كان المؤمنون داخلون في الخطاب فرعا لا أصلا باعتبار أمرهم بالاستمرار على ما هم عليه من التقوى ومن الاتعاظ بالأمثال، وبعد أن بين ما في مذهب المشركين من سخف وضعف، وعما في عبادتهم من قصور وجهل، انتقل ههنا بخطاب خالص للمؤمنين، لينهضوا بتكاليف دعوتهم ويستمروا على نهجها العريق، آمرا إياهم بخمسة أوامر:

الأول والثاني: الركوع والسجود والمراد بها الصلوات، وأفردت الصلاة دون غيرها مع دخولها في المعنى الثالث: وهو عبادة الرب

الثالث: عبادة الرب ويشمل إفراده بالعبادة وهو التوحيد، ويشمل جميع ما يكون من أعمال العبادات القلبية والبدنية كالخوف والتوكل والرجاء والمحبة والتعظيم واليقين، وكذلك الصلاة والحج والجهاد والصيام والقيام،

الرابع فعل الخير، والمراد به الإحسان للخلق: كإيتاء الزكاة وصلة الأرحام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر مكارم الأخلاق، وهذه تجمع كل حيثيات الدين، وكل ما سبق مجموع في آية واحدة ومربوط بالفلاح.

الخامس الجهاد في سبيل الله، وليس مجرد الجهاد بل الجهاد حق الجهاد، أي استفراغ الوسع كله في ذلك، والجهاد هو قتال أعداء المسلمين في الدين لأجل إعلاء كلمة الإسلام، وليس موضع الآية بموضع غريب البتة، بل هو موضع مستمر منذ قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم إلى ههنا، وهذا فيه تأكيد على الجهاد وأنه لازم من لوازم الدين لا يكتمل إلا به وقد جاء مثل هذا في سورة الحديد.

وربما كانت هذه الآية دليلا على مدنية السورة، أو مدنية هذا الجزء على الأقل، وربما كانت أول آية نزلت في الجهاد وقد نزلت قبل غزوة بدر قطعا، وربما كانت بشارة بها وأن الله ناصرهم عما قريب.

وقوله تعالى هو اجتباكم: في مقام التعليل لما سبق من الأوامر، ويكون المعنى: اعبدوا ربكم وجاهدوا في سبيله لأنه اجتباكم واصطفاكم واختاركم لتلقي دينه ونشره ونصره على معانديه، فهو موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وورثة الأنبياء من كل زمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وحتى لا يظن ظان أن الله فرض كل هذا ليعنت المسلمين جاءت العبارة بعدها لتنفي مثل هذا: وما جعل عليكم في الدين من حرج أي ما أراد بكل هذه التكاليف أن يعنتكم ولكن أن يكمل بكم مسيرة أبيكم إبراهيم الذي لاقى ما لاقى قبل من الصعوبات في طريق هذا الدين.

وقوله تعالى: هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا: يقصد بها نفسه جل وعلا فإن الذي سمانا المسلمين هو الله عز وجل، وهذا الكلام متصل بقوله تعالى سابقا ( فله أسلموا) والإسلام لله تعالى نتيجة طبيعية للتعظيم، ومرتبط ارتباطا كبيرا بإبراهيم وما شرع من مناسك الحج، واسم الإشارة هذا متوجه إلى القرآن، فنحن امتداد لأهل الإسلام من لدن إبراهيم عليه السلام إلى وقت نزول القرآن.

وأما قوله ليكون الرسول عليكم شهيدا وتكونوا شهداء على الناس: فمتعلق بقوله تعالى (هو اجتباكم)، ويكون المعنى: هو اجتباكم ليكون الرسول شهيدا على الأمة أنها آمنت به، وتكون الأمة شاهدة على الأمم بأن رسلهم بلغوهم الدعوة فكفروا بها.

وفرع على الاجتباء أيضا: الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والاعتصام بالله – أي الالتجاء إليه ليمنع عنكم الضر وينجيكم – شكرا على هذا الاصطفاء، والأمر هنا معناه الدوام على ما هم عليه مما سبق.

واختتمت الآية بختام بارع وبشرى للمؤمنين: بأن الله هو مولاهم فنعم المولى هو، لا كما هي الآلهة السابقة ( بئس المولى وبئس العشير ) بل هو نعم المولى ونعم النصير.

 

 

Map Shot 1

 

Map Shot 2

 

 

 

Map Shot 3

 

Map Shot 4

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved