في ختام السورة

( في ختام السورة )

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)

ما هو موضوع هذا المقطع؟ وما علاقته بمقصد السورة؟

هذا المقطع يمثل مسك الختام في هذه السورة، ولما كانت الآخرة وما فيها من مواقف وأحوال معنى بارزا فيها، ختمت السورة أيضا بحديث مفصل بعض الشيء عن مواقف الآخرة، وتكذيب المكذبين الذين وصفوا بأنهم ( لا يعلمون ) في أول السورة وآخرها، بتقرير بين أمر ونهي كما سيأتي شرحه.

ما مناسبة ابتداء المقطع بذكر الساعة؟

هذا الموضع هو أخر موضع تذكر فيه هذه العبارة ( ويوم تقوم الساعة ) من ثلاثة مواضع جاءت فيها هذه اللفظة في هذه السورة، ولم تتكرر في غيرها، وهذه اللفظة مناسبة من وجهين:

الأول: ارتباطها بما ذكر قبلها مباشرة حين ذكر الله تدرج الإنسان من الضعف إلى القوة إلى الضعف والشيبة، ولا شيء بعد الشيبة إلا الموت، ولا شيء بعد الموت إلا

ما هي المعاني التي ينتهي إليها قوله تعالى ( كذلك كانوا يؤفكون ) ؟

لا شك أن كل لفظة وكل عبارة لها دلالات ومعان تدل عليها وتنتهي إليها، والموفق من وفقه الله للانتباه إلى هذه المعاني.

فأما الإفك فهو قلب الشيء وصرف عن جهته، يقال أفك الشيء إذا قلب، وأفك الرجل إذا كذب، وأكثر ما يستخدم في الكذب، والذي يظهر والله أعلم أن قوله تعالى ( كذلك كانوا يؤفكون ) هنا، أي بمثل هذه الحجة السخيفة التي لا يقبلها عقل كان الكبراء يصدون هؤلاء عن الهدى ويصرفونهم عنه، فمن ذا الذي يصدق أنهم لم يلبثوا غير ساعة؟ لا شك أنهم عمروا ما يتذكر فيه من تذكر، ولبثوا مدة طويلة ينتفع فيها من أراد الهدى، إلا أن انسياقهم وراء مثل هذه الحجج الباطلة التي كان يلقيها عليهم الكبراء زمنا طويلا جعلهم يستمرؤون الكذب ويعتادونه، ثم سيطر عليهم ولم يعودوا يملكوا الانفكاك عنه إلى درجة أنهم يقسمون يوم القيامة أمام الله عز وجل وفي الموقف أنهم لم يعمروا سوى ساعة، ولات حين مناص.

ما مناسبة ذكر ضرب الأمثال هنا ؟

المتأمل في السورة يجدها كلها في ضرب الأمثال:

ابتداء بضرب المثل بنصر الروم على أن وعد الله حق لا يتخلف وعلى الآخرة وعلى أن الأمر له من قبل ومن بعد.

مرورا بضرب المثل على أن إعادة الخلق أهون من ابتداءه.

ثم بضرب المثل مما ملكت أيماننا.

ثم بتشبيه المعرضين بالموتى الذين لا يسمعون.

كل هذه الأمثال حتى يتضح للناس معاني كلامه جل وعلا، فجاء التنبيه في ختام هذه السورة على هذه الأمثال وعلى الغرض منها حتى لا تغيب عن ذهن القارئ، وحتى تبقى حاضرة في باله بعد انقضاء السورة.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها وصف الله عز وجل الطائفة الناجية بالعلم والإيمان ؟

هذا فيه إشارة إلى أن العلم الحقيقي هو العلم المقترن بالإيمان، فأي علم بلا إيمان فلا يسمى علما، وأي علم بلا إيمان فلا يستحق ثناء ولا إشادة، ولا ينفع.

وليس تحديد ذواتهم بمهم سواء كانوا هم الملائكة أم المؤمنون أم غيرهم، ولكن المهم هي صفتهم التي ذكرهم الله بها في القرآن وأثنى عليهم بها وهي العلم المقترن بالإيمان.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها قوله تعالى ( كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ) ؟

في هذه الآية تهديد واضح شديد لكل من ترك لنفسه العنان تمشي خلف الإفك المذكور في الآيات السابقة، بأن تكون نتيجة ذلك أن يطبع الله على قلبه، أي يختم على قلبه فلا يقبل هدى، ثم شنع الله عليهم أكبر تشنيع ووصفهم بأنهم ( الذين لا يعلمون ) في مقابل ( الذين أوتوا العلم والإيمان )، حتى تكتمل الصورة وبضدها تتميز الأشياء.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها الحديث في الآية الأخيرة ؟

الآية الأخيرة من جوامع الكلم وهي تكاد تختصر جميع معاني السورة، فقد جاء فيها:

أمر: فاصبر

وتقرير: إن وعد الله حق

ونهي: ولا يستخفنك الذين لا يوقنون.

والصبر حبس النفس على المكروه، فقد أمره الله هنا بالصبر، على ماذا؟ على انتظار وعد الله، الذي لا يعلم متى أوانه والذي أبقاه الله عز وجل لنفسه خاصة، كدليل على ملكه وقدرته، لأن الإنسان إذا لم يعلم أوان وقوع المنتظر انشغلت نفسه واستعجل ولا يثبته في مثل هذه الحالة سوى يقينه التام بوقوع الموعود، والدليل على ذلك: التقرير الذي توسط الآية، وأما النهي الذي اختتمت به السورة، فهو عن الوقوع في استخفاف الذين لا يوقنون، والاستخفاف طلب العجلة، وهو مرتبط بصفة ختم الله بها الآية وهي ( عدم اليقين ) بوعد الله الذي لا يتأخر، وكأن الآية تحذرنا من مثل هذه الصفات.

 

 

Map Shot 11

 

 

Map Shot 1

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved