في ختام السورة
(ختام السورة)
( الأمانة والغرض منها )
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)
ما مناسبة هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة؟
هنا يبدأ مقطع السورة أي أن السورة بدأت تدرج هنا نحو نهايتها إذ يستطيع القارئ المتدبر أن يتلمس تغيرا في الكلام بشكل واضح، فبعد أن هدد المنافقين بعذاب الدنيا انتقل إلى الحديث إلى عذاب الآخرة ( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ) واعترض الحديث عن الساعة هذين الموضوعين ( يسألك الناس عن الساعة ) ليكون تمهيدا له، ولفتا مفاجئا للنظر من هذه الحوادث الدنيوية إلى عالم آخر تماما وهو عالم الساعة، وفي ذكر قربها أشد التهديد، ناهيك عن ذكر صور من عذابهم يوم القيامة.
ما مناسبة الحديث عن الكبراء هنا؟
السورة من أولها إلى آخرها برزت فيها شخصية النبي صلى الله عليه وسلم بروزا ظاهرا، سواء ما يتعلق بشخصه أو بأزواجه رضي الله عنهن، كقدوة وأسوة للمؤمنين، وذكر الرؤساء والكبراء هنا فيه إشارة إلى أن من لم يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم أسوة، وائتسى بغيره من السادة والكبراء، فلن يكون مصيره إلا ما ذكرت الآيات من تقليب الوجوه في النار.
ما مناسبة الحديث عن الوجوه، وعن التقلب؟
خص الوجه من سائر الأعضاء لأنه مقر الحواس الرقيقة، ففيه العيون والأفواه والآذان والمنافس، كما أنه موضع التكريم عادة ففي تعريضه للعذاب نوع من الإهانة.
ما مناسبة ذكر التقلب هنا كنوع من أنواع العذاب؟
الذي يظهر والله أعلم أن الله عاقبهم على تقلبهم في الدنيا بتقليب وجوههم في النار يوم القيامة، وهذا يصلح في المنافقين، والحديث عنهم أخذ حيزا كبيرا في السورة.
كيف آذى قوم موسى موسى عليه السلام؟ وما مناسبة النهي عن الإيذاء هنا؟
روى البخاري ومسلم حديثا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ، إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ: وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى، فَخَلاَ يَوْمًا وَحْدَهُ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الحَجَرِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الحَجَرُ، فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ بِالحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ، ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا “
فهذه قصة الإيذاء التي ذكرتها الآيات، ويبقى السؤال:
ما هي مناسبة هذه القصة لمقصد السورة والذي هو إبطال عادات الجاهلية؟
المتأمل في هذه القصة يرى أن موسى عليه السلام قد خالف ما اعتاده قومه من عادة جاهلية وهي التعري والتكشف أمام بعضهم البعض أثناء الاغتسال، وصار يغتسل وحده مخالفا ما اعتادوه، فوقع فيه قومه، ومثل هذه الحالات تحصل لمن يتصدى لإبطال عادات الجاهلية المستحكمة في الناس، فيخالف ما اعتادوه، فلما يجده الناس قد خالف ما اعتادوه من عادات الجاهلية، لربما وقع فيه الناس، فحذرنا الله بالاسم الموصول بالإيمان ( يا أيها الذين آمنوا ) أن نقع في مثل هؤلاء ممن تصدوا لتغيير عادات الجاهلية في مجتمعاتنا لمجرد أنهم خالفوا ما اعتاد عليه المجتمع، وضرب لنا مثلا ببني اسرائيل تنفيرا من هذا الأمر.
ما مناسبة الأمر بالقول السديد وما ترتب عليه من الأجر والمثوبة؟
هذا فيه عود على ما ذكرنا سابقا من تكرار لفظ القول ومشتقاته في قصة الأحزاب، وما يتلفظ به الإنسان من أقوال هنا في غاية الأهمية لأمرين اثنين:
الأول: أنه يكشف خبايا النفوس كما ذكرنا هنا.
الثاني: العناية بضبط اللسان خاصة في مواضع الفتن التي تحيق بالأمة جميعا، لما لها من أثر في الناس.
ولا عجب أن تختم الآية بالفوز العظيم لمن؟ لمن أطاع الله ورسوله، هذا المعنى الذي افتتحت به السورة وختمت به.
كيف أخذت الأمانة من السموات والأرض والجبال؟
لم يذكر الله عز وجل تفصيل ذلك، ومثل هذه الأسئلة والتفاصيل لا تفيد علما ولا يبنى عليها شيء، والله عز وجل أعلم بها، ولم يذكرها الله عز وجل لنا لعدم وجود فائدة من معرفتها، وإنما وجهنا للفكرة الأساس من الموضوع وهي ( أن السموات والأرض والجبال على عظم أجرامها وقوتها أبين أن يحملن الأمانة وأشفقن منها ) فما بالك أنت أيها الإنسان الضعيف البسيط.
ما هي هذه الأمانة التي تحدثت عنها الآية؟
أفضل ما يشرح هذه الأمانة هي السورة نفسها ولو تأملنا في السورة لوجدنا آيات تشير إليها:
منها: اتق الله
ومنها: لا تطع الكافرين والمنافقين
ومنها: اتبع ما يوحى إليك
ومنها: توكل على الله
ومنها: ليسأل الصادقين عن صدقهم
ومنها: وما بدلوا تبديلا
ومنها: وما زادهم إلا إيمانا وتسليما
ومنها: ليجزي الله الصادقين بصدقهم
ومنها: الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله
ومنها: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله
ومنها: فلا تخضعن وقرن ولا تبرجن وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله
ومنها: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أن يكون لهم الخيرة من أمرهم.
هذه هي الأمانة فمن وفى بها نجا ومن لم يفعل أصابه ما ذكر.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved