في بعض أحوال الآخرة
( في بعض أحوال الآخرة)
اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)
ما هو موضوع هذا المقطع؟ وما علاقته بمقصد السورة؟
يكاد هذا المقطع يكون شرحا وتوضيحا لكلمة ( الآخرة ) الواردة في المقطع السابق، وتسليطا لمزيد من الضوء والتركيز عليها، هذا بالنسبة لموضوع هذا المقطع وعلاقته بما قبله.
وأما علاقته بمقصد السورة فظهر لنا فيه مناسبات:
منها: أنه يتحدث عن ركيزة أساسية ومعنى بارز جدا على طول السورة، وهو تحقق وعد الله بالبعث والحساب، فإن الذي يصدق وعده في مسألة صغيرة كنصر الروم – مقارنة بالآخرة –، لن يتخلف وعده للناس بالبعث والنشور والحساب، وهذا المعنى بارز على طول السورة، لأجل هدف مقصود وهو لفت النظر لهذا اليوم وبقاؤه حيا في النفوس لما له أثر في الحفاظ على النفس في حيز الصديقية الكاملة بوعد الله مهما كانت الحسابات المادية الصرفة تشير إلى عكس ذلك.
ومنها: أن من يعيد الخلق بعد زواله ويرجع الناس للحساب هو رب قادر تام القدرة، لا يعثر عليه أن يصدق وعده فيما يعد من نصر المؤمنين مهما كانت الحسابات المادية الظاهرة ( ظاهرا من الحياة الدنيا ) بعكس ذلك، فمالك الآخرة قادر على كل شيء.
وذكر في هذه السورة عدة معاني:
1- بدء الخلق وإعادته والرجوع إليه.
2- إبلاس الكفار يوم القيامة.
3- البراءة بين الشركاء.
4- افتراق الناس يوم القيامة، فريق في الجنة وفريق في السعير.
وهذا الغنى والتنوع في المعاني مع ربطها مع بعضها البعض ومع مقصد السورة وما جاء قبلها من معان، من أعظم أوجه إعجاز القرآن الكريم،
ما هي المعاني التي ينتهي إليها الالتفات هنا؟
نلاحظ في الآية التفات من الغيبة إلى الخطاب المباشرة الحضوري، بين ( الله يبدأ الخلق ثم يعيده ) كخطاب حكاية إلى ( ترجعون ) وهو خطاب مباشرة، وفي هذا إمعان في التهديد والتخويف والوعيد.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها بدء هذا المقطع بلفظ الجلالة؟
يبدأ هذا المقطع بلفظ الجلالة مباشرة دون أي اتصال بما قبله بحرف ما، وربما كان ذلك والله أعلم ليهز الوجدان، ويحرك النفوس، إذ تنقطع عما سبق من الكلام وتبدأ بداية جديدة ههنا، بلفظ الجلالة وما يحمله من عظمة وهيبة.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها إعادة قوله تعالى ( ويوم تقوم الساعة )؟
القارئ المتعجل يظن أن مثل هذه الإعادة هي للتكرار فقط، ولكن الصحيح أن الإعادة هنا للتهويل وتفظيع ما يقع فيه، ويكون المعنى: ويوم تقوم الساعة ويا له من يوم.
ما هي مناسبة ذكر بدء الخلق وإعادته في هذا المقطع؟
هذا المعنى سيق للدلالة على معنى مهم وهو الاعتبار بأن من يبدأ الخلق قادر على أن يعيده، ولا غرابة في ذلك، وأما المراد الأعظم فهو الرجوع إلى الله عز وجل.
ما هي مناسبة ذكر ما بعدها من المعاني؟
ما بعدها من المعاني في تفصيل أحوال الرجوع، ف بعد أن ذكر الرجوع فصل في بعض أحواله، فذكر أمرين:
الأول: إبلاس الكافرين، والإبلاس سكون في حيرة.
والثاني: تخلي الشركاء عنهم، فإن الساكت ربما أجاب عنه شفيعه فنفى مثل هذا عنهم البتة.
أما الإبلاس فذكر تكميلا لما ذكر سابقا من الحديث عن توهمهم للعلم إذ ظنوا أنهم يعرفون الحقائق بعد أن نظروا للأسباب الظاهرة، وكأن الآية تقول: أين علمكم الذي ظننتم أنكم تستطيعون به التنبؤ بالمجريات واستشراف المستقبل؟
وأما تخلي الشركاء فذكر لبيان انفراط عقد قوتهم في الآخرة من الولاية – كما انفرط في الدنيا – حين حل بهم الهلاك العام بعد أن كانوا أصحاب قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها.
ثم ذكر ختاما تفرقهم واختلافهم إلى قسمين: قسم يسعد في الجنات، وقسم يحضر إلى العذاب، وكل هذا بسبب تكذيبهم بالآيات كما سبق في المقطع الذي قبله وكما سنرى لاحقا أيضا.
وكل هذا كما ذكرنا في بيان حقيقة الأمور، وكيف أن الناس غفلوا عن ذلك وأن علمهم اقتصر على الظاهر من الحياة الدنيا.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر ( لقاء الآخرة ) منفردة في التشنيع عليهم بالتكذيب مع أنها من ضمن الآيات؟
افردت هذه النقطة وهي التكذيب بلقاء الآخرة مع أنها من جملة التكذيب بالآيات للاعتناء بها والتنويه بها، لأنها أساس في العقيدة ينطلق منها كثير من السلوكيات.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved