في النبي صلى الله عليه وسلم

(في النبي صلى الله عليه وسلم)

وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴿۳٤﴾ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿۳٥﴾ وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ هُمْ كَافِرُونَ ﴿۳٦﴾ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴿۳٧﴾ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿۳۸﴾ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴿۳۹﴾ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴿٤۰﴾ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٤۱﴾ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ ۗ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ﴿٤۲﴾ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا ۚ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ﴿٤۳﴾ بَلْ مَتَّعْنَا هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ۗ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴿٤٤﴾ قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ۚ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ ﴿٤٥﴾ وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿٤٦﴾ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ﴿٤٧﴾

ما هو موضوع هذا الفصل؟ وما علاقته بالمقصد؟ وما علاقته بما قبله من الكلام؟

ليس غريبا أن يأتي فصل كامل في هذه السورة يتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بشخصه، يتحدث تربص المشركين به أن يموت، وسخريتهم منه، خاصة بعد طول مدة الدعوة دون نتائج ملموسة على الأرض من استجابة قريش له ظانين أن الأمر سيتوقف عند هذه الحال.

ولا يقف المقطع عند هاتين النقطتين بل يتبع ذلك بتهديدهم بالهلاك والهزيمة والخزي في الدنيا، بله الآخرة كما سيأتي.

والمنتبه لهذا المقطع يلحظ توجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة وما في ذلك من مراعاة خاطره وجبره، إذ أن الخطاب المباشر أبلغ في المواساة والتثبيت.

ويشبه أن يكون هذا الفصل مبينا لسبب نزول السورة أو مقصدها الرئيس أو لسبب ذكر الأنبياء فيها، فإن المقصود مما سيأتي من قصص الأنبياء بيان النقاط التي جاءت في هذا الفصل: من ذكر سخرية الأقوام من أنبياءهم وتكذيبهم إياهم، ثم نزول العذاب عليهم، مع تهديدهم بالحساب في اليوم الآخر.

ما مناسبة افتتاح هذا المقطع بالحديث عن تربصهم بموته صلى الله عليه وسلم؟

دأب كفار قريش على التربص بموت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء هذا في مواضع عدة من كتاب الله كقوله: ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون)، وقد جاءت أول آيتين في هذا الفصل تحملان جوابا وتوضيحا بخصوص هذه النقطة:

فأما الجواب: فهو التعريض بهم وباعتراضهم وكأنهم خالدون لا يموتون، ولأجل هذا افتتح الكلام بنفي الخلود عن أي بشر كان، حتى لو كان نبيا رفيع المقام مثل النبي صلى الله عليه وسلم، فهي سنة البشر كلهم من قبله مهما علت منازلهم، وكأن الآيات تقول: إن كان أصحاب المنازل العالية يموتون، وأنت يا محمد ستموت لا لتربصهم بك ولكن كما مات من قبلك من البشر، لكنهم لن يروا ذلك، فما بال هؤلاء الحمقى يتربصون بك الموت وكأنهم سيبقون بعدك، أو أنهم خالدون لا يموتون أبدا، وفي الحالين سيبقون بعدك ويشمتون بموتك؟

وفي الآية إيماء إلى أن الذين لم يقدر الله لهم الإسلام ممن قالوا ذلك القول سيموتون قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم فلا يشمتون به، وقد كان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أهلك رؤوس الذين عاندوه وهدى الباقي إلى الإسلام.

ثم جاءت الآية الأخرى لتؤسس لقواعد ثابتة:

الأولى: أن كل نفس ستموت حتما، والموت هو انفصال النفس عن الجسد وتبقى الروح معها، وهذا مشاهد لا ينكره أحد.

الثانية: في بيان الحكمة من الموت والحياة، وهي الابتلاء سواء أكان ذلك بالخير أم بالشر.

الثالثة: حتمية الرجوع إلى الله بعد الموت، فإن سائلا لربما سأل ماذا بعد الموت: فتأتي الجملة الثالثة لتجيب، ويا لهف نفسي كم ضل في هذا الباب خلق لا يعلمهم إلا الله.

ما مناسبة الانتقال إلى الحديث عن استهزائهم به صلى الله عليه وسلم؟

انتقال إلى وجه آخر من أوجه إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه أذى في حضوره، فإن تمنيهم موته صلى الله عليه وسلم كان في غيابه، أما الهزء فكاء في حضوره ومواجها له، وهذا ظاهر في قوله (وإذا رآك).

وقوله: أهذا الذي يذكر آلهتكم: أي بسوء بدلالة السياق فإن الذكر يحتمل المدح والذم والحكم السياق.

وختمت الآية بالتعجيب من حالهم حين يسخرون منك وأنت تذكر آلهتهم بسوء، وهم في نفس الوقت يكفرون بالله الذي سبق الحديث عنه في الفصل السابق وعن تفرده في التصرف بالكون كله، في مقابل آلهتهم العاجزة التي لا تستطيع شيئا.

ما مناسبة ذكر اسم الرحمن دون غيره؟

سبق الحديث عن الفرق بين الرحمن والرحيم في أثناء الحديث على سورة الفاتحة، وأن اسم الرحمن اسم جلال مشتق من جذر يدل على الجمال، فهو مشتق من الرحمة وأنها الأصل في تصرفات الرب جل وعلا، لكنها ممنوعة مؤقتا لا تتعدى لمن كان هذا حالهم: يسخرون من النبي صلى الله عليه وسلم ويكفرون بذكر الله وما أنزل من القرآن.

ما مناسبة الآيات التالية: خلق الإنسان من عجل.. الآية؟

المناسبة واضحة وهي استعجال الكفار لنزول الآيات ،أو للفتح بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، أو لنزول العذاب عليهم كما سيأتي، كما أن الحديث سابقا عن استعجالهم موت النبي صلى الله عليه وسلم، ومداومتهم على الاستهزاء به يثير تساؤلا في نفس السامع أن: متى سيكون النصر على هؤلاء وتبكيتهم؟ فجاءت هذه الآيات لتطمئن المسلمين بأن نصر الله آت، وتنهاهم عن الاستعجال، وهذا من القرائن التي تؤكد أن السورة نزلت في آخر المرحلة المكية.

والجزء الأول: خلق الإنسان من عجل: يشبه أن يكون مقدمة لما بعده.

ورؤية الآيات هنا: أي رؤية آيات الله في نصر الدين وهو ما حصل في يوم بدر وما بعده من أيام الإسلام التي انتصر فيها المسلمون ثم كانت لهم العاقبة.

ما مناسبة قوله تعالى بعدها: ويقولون متى هذا الوعد؟

الآيات السابقة كانت موجهة الخطاب إلى المؤمنين، أما هذه فهي في حق الكافرين الذين قالوا قولتهم هذه: متى هذا الوعد؟ فجاءت لتهديدهم، وهذه هي المقالة التي كان المسلمون بسببها يستعجلون عذاب المشركين.

وجواب لو في قوله: لو يعلم الذين كفروا، محذوف تقديره: لما كانوا على ما هم عليه من الكفر والاستهزاء برسولكم وبدينكم، وحذف الجواب كثير في القرآن وذلك لتهويله حيث تذهب نفس السامع كل مذهب.

وذكر الوجوه والأدبار: زيادة في التنكيل، فإن الوجوه أعز الأعضاء على الإنسان ولأن الأدبار يأنف الناس من ضربها لأن ضربها إهانة وخزي ويسمى الكسع.

والإتيان بغتة أيضا من التهويل، فإن ذلك أشد على النفوس لعدم الاستعداد له، والبهت الغلب المفاجئ المعجز عن المدافعة.

ثم عادت الآيات لتأكيد المعنى مربوطا بسخريتهم من الأنبياء، ممن كان من قبل النبي صلى الله عليه وسلم.

ما مناسبة قوله تعالى بعده: قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن.. الآية؟

لا زال السياق في تسلية النبي صلى الله عليه وسلم، ولا زال الحديث عن تهديد الكافرين خاصة وأن الخطاب يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل المشركين من يحفظهم من عذاب الله وبأسه في أي وقت من ليل أو نهار.

وأتى بلفظ الرحمن لما ذكرنا سابقا من تهديدهم بمنع الرحمة مع إطماعهم بها.

وجاء بعد هذا السؤال بثلاثة إضرابات:

الأول: بل هم عن ذكر ربهم معرضون:

الثاني: أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا: وأم هذه هي أخت بل مع دلالتها على الاستفهام، والاستفهام هنا إنكاري، ثم اعترض الكلام بأن هذه الآلهة عندها إشكالان:

الأول: أنها لا تستطيع نصر نفسها نصرا مستقلا.

الثاني: لا أحد يستطيع أن ينصرهم أو ان يعينهم أو أن يمنعهم منا، فإن الصحبة هنا بمعنى المنع والنصرة والمعونة، يقال للمسافر صحبك الله: أي حفظك الله ومنعك من آفات السفر.

الثالث: بل متعنا هؤلاء وآباءهم: أي أن النعمة لن تستمر عليهم بل هو تمتيع وإمهال كما هي حال من قبلهم.

وقد توجه إليهم بالخطاب في قوله: من يكلؤكم، ثم أعرض عنهم في قوله: بل هم عن ذكر ربهم معرضون: للفت النظر إلى الإعراض عنهم لعمههم في الإعراض والاستكبار على الرغم من ظهور الآيات.

وهذا الحديث عن التمتيع والإمهال مما يؤيد كون السورة نزلت في أواخر المرحلة المكية حيث اطمأن الكفار إلى طول المدة والإمهال الذي اقترب من عشر سنوات بعد بدء الدعوة الجهرية.

ما مناسبة التذييل بقوله تعالى: أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون؟

المراد من قوله تعالى: نأتي الأرض ننقصها من أطرافها لا يمكن تبين حقيقته والقول الراجح فيه إلا بضميمة قوله تعالى: أفهم الغالبون بعده مباشرة، فقد تعددت الأقوال في تفسير نقصان الأرض ومعناه، والذي يظهر أن النقصان هنا له علاقة بالغلبة المذكورة لاحقا، والذي يظهر أن المراد به أحد أمرين:

الأول: غلبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وظهورهم على كفار قريش، ودخول القرى في دين النبي صلى الله عليه وسلم قرية بعد قرية، وخروجها من دين الكفر والشرك.

إلا أن الأمر يثير تساؤلا عن نزول الآية في القرآن المكي: إذ كيف يستدل القرآن على قضية التوحيد بالتمكين للإسلام وهو ما يزال ضعيفا في مكة، ولم يأت تمكين بعد ولا نقصان أطراف ولا غلبة لأهل الإسلام؟

إلا أن القارئ المستوعب لكل معاني السورة يعلم أن الكلام هنا ليس بغريب إذ أن البشارة بالتمكين جاءت في عدة مواضع من هذه السورة كما في الأشكال المرفقة.

الثاني: في إهلاك الأمم السابقة خاصة التي كانوا يمرون عليها ويرونها وهي خاربة ومن هذا الباب قوله تعالى (أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى).

وهو معنى محتمل أتى به سياق السورة من أولها إلى آخرها في حديثها المتطاول عن إهلاك القرى وتهديد كفار قريش به.

ما مناسبة الاستئناف بعدها في قوله جل وعلا: قل إنما أنذركم بالوحي.. الآية وما بعدها؟

هذه الآيات الثلاثة بمثابة ختام ونتيجة لكل ما سبق، وهو قصر لمهمة الرسول على النذارة بالوحي فحسب، ومن ثم ذيلت الآية بما يستلزم تركهم ومفارقتهم بعد الإبلاغ في إقامة الحجة عليهم، ووصفهم بالصم كناية عن عدم الانتفاع والأظهر أنها جملة مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم.

وإياك أن تمر على الآية الثانية دون أن تتذكر حال الذين كانوا يركضون من ديارهم وهم يدعون بذات الدعاء: يا ويلنا إنا كنا ظالمين، والغرض من كل هذا استحضار من سبقهم وتحذير المشركين أن ينالهم مثل ما نال من قبلهم.

والكلام في آخر آية من الكلام العالي الذي لا يقل عن أول آية في السورة من الوعظ والتهديد.

وتأمل كيف جاء الحديث عن الحساب لكن بثوب جديد حيث ذكر الميزان القسط أي العدل، في استعادة لقضية الحساب مرة أخرى.

Map Shot 1

 

Map Shot 2

 

Map Shot 3

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved