في المقدمة
المقدمة
طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)
ما هو موضوع هذا الفصل وما هي علاقته بمقصد السورة؟
هذا هو مطلع السورة وعمود خيمتها الذي بنيت عليها، وهو أول ما يشاهده الداخل فيها من معان، فيجب العناية بها والانتباه لها غاية الانتباه.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها البداية بالحديث عن الكتاب؟ والمعاني التي ينتهي إليها وصفه بالمبين؟
أول ما يشاهده المقدم على هذه السورة آية فيها أربع ألفاظ:
تلك: للدلالة على المكانة الرفيعة العالية البعيدة
آيات: التي ينبغي أن تكون علامات يهتدي بها أصحاب التفكير المنطقي الفطري السليم.
الكتاب: المفروض على الناس
المبين: في ذاته والمبين عن خفايا المؤثرات الجمعية التي يمكن أن تحول بين الناس وبين الحق.
ولي غريبا البتة أن يبتدأ الحديث بالقرآن، فهو المنجي الوحيد من هذه المؤثرات لما يثيره في نفس الإنسان من غرائز النظر والتأمل والتفكير، فمنه نبدأ وبه ننتهي.
وتأمل كيف يعود الكلام في كل مرة ( إن في ذلك لآيات ) لكلمة الآيات هنا، وقد ذكر في المقطع ثلاثة أنواع من الآيات، القرآن أولها.
ما مناسبة الحديث عن حزن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما مناسبة الحديث عن الآيات بعدها؟
الخطاب هنا ينتقل للنبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه يجيب عن سؤال في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وورته من حملة التوحيد: أن لماذا يكفر الناس به على الرغم من أنه مبين؟ فياتي الكلام والسورة عموما ليجيبوا عن هذه القضية ويبينوا سبب انصراف الناس عن القرآن على الرغم من وضوحه ووضوح آياته.
نلاحظ أن المقطع بني على قضية: حزن النبي وأسفه على قومه، ونهي الله عز وجل له عن هذا الأمر الذي كان يودي به إلى الهلاك، وأي كرامة مثل هذه الكرامة.
ومجيء هذه الآية هنا فيه بيان لحال النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة، وما كان يعتوره من الهم والحزن جراء تكذيب هؤلاء المكذبين، وكأنها جاءت شفاء لما كان فيه من الضيق والهم والحزن صلى الله عليه وسلم، ولتبين له أن الأمر ليس نقصا في البراهين والدلائل، بل خضوعا للمؤثرات وتغييبا للبصيرة والنظر.
ثم يأتي بعدها حديث قدرة الله عز وجل على تنزيل آية تبهتهم لا يستطيعون أن يردوا عليها بشبهة من الشبه، ولا أن يقفوا أمامها إلا صاغرين، ولكن المشكلة الحقيقية هي في ( إعراضهم ) عن الآيات التي ينزلها عليهم الله عز وجل، وتركهم النظر والتأمل والتفكر بها، وتعللهم بعدم الاقتناع أو طلب آية معجزة، فههنا ظهر أن تكذيبهم تكذيب إعراض لا تكذيب عدم تصديق، ولأجل ذلك قال الله: فقد كذبوا: أي تكذيب إعراض، والفاء هي الفصيحة، ومثل هذا مستوجب للعذاب، فسيأتيهم قريبا ولا بد كما أتى من كان قبلهم، وهذا هو النوع الثاني من الآيات التي نبههم عليها، وهي مهالك الأولين ومصارعهم التي تكاد أن تدركهم.
ما مناسبة الإتيان باسم الله ( الرحمن ) في هذا الموضع؟
الرحمن اسم جمال في ثوب اسم جلال، وهو للتخويف والمهابة أقرب، ولما كان الموضع والسياق موضع تهديد وتنديد وجدب، جاءت الآيات بلفظ الرحمن بخلاف لفظ رقم في موضع آخر لنفس الجملة ( وما يأتيهم من ذكر من ربهم ) أي الذي يرعاهم ويحوطهم، وقد بينا الفرق بين الرحمن والرحيم في الحديث عن سورة الفاتحة.
ما مناسبة الحديث هنا عن النظر في إنبات الأرض؟
هذا هو النوع الثالث من الآيات الذي أمر الله عز وجل بالاستدلال به، وهو الآيات الكونية، فأمرهم بالنظر في ما تنبت الأرض من أنواع النباتات.
ولم يظهر لنا مناسبة تخصيص الأرض بالأمر دون السماء والله أعلم.
ما مناسبة ذكر عدم إيمان الأكثرين؟
هذا فيه تأكيد على ما ذكر سابقا من التركيز على المؤثرات الجمعية وانقياد أكثر الناس لها بعيدا عن الفطرة والحق، وانقياد الجماهير العريضة من الناس لهذه المؤثرات دون أي دعامة من منطق أو فطرة أو نظر وتأمل.
ما مناسبة التذييل بالعزيز الرحيم؟
العزيز هو الغالب الممتنع عن أعداءه.
والرحيم هو الواصل برحمته لمن يستحقها.
فجاء التذييل مصحوبا بالرغبة والرهبة، فهو العزيز على من كذب وتولى، وهو الرحيم بمن سمع وأطاع، وتأمل قوله ( وإن ربك ) أي ربك الذي يحوطك ويرعاك يا محمد: فلا تخش ولا تحزن لأجل تكذيبهم.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved