(عودة إلى يوم القيامة )

المادة مفرغة من محاضرات للدكتور أحمد عبد المنعم

(عودة إلى يوم القيامة )

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45) قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48)قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)

ما هو موضوع هذا المقطع؟ وما مناسبته لما قبله؟ وما مناسبته لمقصد السورة؟

هذه الآيات عودة إلى الحديث عن الدار الآخرة، وهكذا تعالج الماديات ففي المقطع الذي قبلها كان الحديث عن الماديات وما قبله كان حديث عن الآخرة، فتوسط الحديث عن الماديات الحديث عن الآخرة قبلها وبعدها.

كما أن استحضار الحديث عن الدار الآخرة يحيي هذا الشعور المركوز في الفطرة، فلا بد أن يتداخل الحديث عن الآخرة مع الحديث عن أي قضية أخرى، سواء الشريعة أو الدين الحق أو الله عز وجل.

وبداية المقطع ( ويوم يحشرهم ) نقلة من الحياة الدنيا إلى الآخرة، من الحياة الدنيا التي يملكون فيها المال والقوة، وفيهم نوعين من الناس مستكبرين ومستضعفين، وفي القيامة يحشر كلا الصنفين سوية مع بعض، وهنا يسأل الله عز وجل الملائكة ليظهر تبرؤ الملائكة منهم أمام الجمع.

والمقطع يبين بشكل واضح أن اهم أسباب ترك الوحي هو الشعور بالضعف، فيلجأ إلى الجن ويستعيذون بهم بحثا عن القوة، والسورة تؤكد أن الشعور بالقوة هو من التعلق بالوحي.

وكذلك الشرك حيلة نفسية للهروب من الحساب والجزاء، وذلك كيلا يلتزم أوامره.

ما مناسبة ذكر الجمل الثلاث؟ وما مناسبة ذكر القول مفردا في كل منها؟

الجمل الثلاثة جاءت لهدم ثلاث أعمدة:

الأول: الطعن في صاحب الدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ومن وراءه من الدعاة.

الثاني: الطعن في الوحي نفسه.

الثالث: تأثير الوحي على الناس، وفي هذا الترتيب جواب عن أسئلة تطرح نتيجة تكذيبهم: فهم لما قالوا عنه مجنون، ظهر سؤال: وهل هذا الكلام الذي يقوله كلام مجنون؟ فاحتاجوا هنا للجواب الثاني: وهو أنه كذب، فظهر السؤال الثالث: على فرض كونه كذبا كيف تفسرون تأثيره على الناس؟ فجاءت الشبهة الثالثة: وهو أنه سحر.

والإفراد دليل على اهتمامهم بكل قول على حدا لوحده، فهم ما تركوا شيئا إلا وطعنوا به.

ما مناسبة الآية التي بعدها؟

الآية هذه فيها عتاب للكافرين، ورسالة مفادها: كيف تكذبون؟ هل عندكم وحي سابق قارنتم الكلام به، فأنتم ما عندكم كتاب من قبل أفلما جاءكم وحي وكتاب تدرسونه كفرتم به بدل أن تؤمنوا به، فالعرب ما عندهم كتاب قبل وكانوا يسمون الأميين، وكانوا يسألون أهل الكتاب عن الغيبيات فيجيبون، فلما جاءهم هذا الكتاب كان الصواب أن يؤمنوا به، إلا أنهم ارتدوا على أدبارهم فلم يفعلوا.

ما المراد بقوله ( وما بلغوا معشار ما آتيناهم )؟

قيل فيها معنيين:

الأول: كذب الكفار قبل قريش، وما بلغ كفار قريش من القوة المادية معشار ما أتينا الأمم السابقة منها، وقد أهلكهم، فسوف يهلك قريش كما أهلك من كان قبلهم.

الثاني: كذب الكفار قبل قريش، وما بلغ الأمم السابقة من الوضوح في الوحي ما بلغ قريش من الوضوح في الدلائل، فالقرآن أوضح الدلائل على الحق، فإن كان من كذب بآيات بعشر وضوح دلالة القرآن على الحق قد أهلك، فما بالك بمن أوتي هذا القرآن الذي لا مرية فيه في الدلالة على أنه حق؟

ما مناسبة قوله ( قل إنما أعظكم .. )؟

هذا ينصب في سياق مهم جدا في الحوار والجدال والمناظرة، وهي أن تترك شيئا يؤرق الخصم ويبقى يضغط في ضميره، فترك لهم هذه الوصايا.

ما دلالة قوله ( أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا )؟

القيام هنا بمعنى التحشد والاحتراز، ومثل هذا مهم جدا في حالة المستضعفين، خاصة عندما تتكاثر عليهم الشبهات والزخارف من قبل أهل الباطل، فيتوهوا في خضم هذه الشبهات، وهذا حاصل في عصرنا بشكل واضح، يقول كثير من الناس لم أعد أدري ما الصواب: فلان يقول الربا حلال والآخر حرام، هذا يقول الغناء حلال وهذا يقول حرام، فهاهنا لا بد من القيام، أي بذل الجهد في البحث عن الحق.

وكل من قام هذه القومة لا بد أن يهديه الله للحق، كما حصل مع سلمان الفارسي.

ثانيا: أن يكون هذا القيام لله، يعني لا لإرضاء أحد سوى الله،

ثالثا: مثنى وفرادى، وذلك للخروج من التفكير الجمعي إلى التفكير الفردي، لأن مخالفة المجتمع والفكر السائد فيه صعب عندما تكون فيه، أما عندما تخرج منه يسهل عليك التفكير المنطقي الفطري بعيدا عن المؤثرات، ومما لا شك فيه أن تفكير الإنسان حين يكون لوحده يختلف تماما عندما يكون في جماعة، فما بالك لو كان الجماعة فيها هؤلاء الكبراء الذين يمكرون بالليل والنهار ليصدوا عن سبيل الله، وفيها هؤلاء المستضعفون الذين لا هم لهم سوى التراقص عل أنغام هؤلاء المستكبرين؟

ما مناسبة الكلام بعدها؟

بعد ذلك نفى عنه أمرين:

الأول: الجنون

الثاني: الغرض المادي،

ما مناسبة التذييل بقوله: وهو على كل شيء شهيد؟

فيها رسالة: أن الله يعلم ما أقول ويشهد على ما أقول ولو شاء أن يفضحني لفضحني، فشهادة الله برفعة ذكره ونصرة دينه وحفظ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يتم الدعوة،

ما معنى الحق في قوله ( يقذف بالحق ) ؟

الحق هو الوحي كما قال الطبري، فالعبارة تؤكد على معنى وهو: أن الجهاد بالوحي هو الجهاد المثمر، والقرآن هو عنصر أساسي في الصراع، ولا ينفع أن يطرح القرآن على أنه مجموعة من اللطائف البلاغية واللغوية، أو تراث شعبي، وهو ما يدل عليه كلمة ( يقذف ) لأن القذائف لا تكون إلا في الحروب.

والمقصود هنا بالقذائف هو الأفكار والمحاور الأساسية التي تقوم عليها العقيدة، أي التصورات الكلية للإسلام.

وبينما يقذف الله بالحق، يقذف أهل الباطل بالغيب ومن مكان بعيد، فهم لا يعرفون نهايات الأمور وعواقبها فمرة يجربون الاشتراكية ومرة الرأسمالية، وفي كل مرة أخطاء وكوارث لا يعلمها إلا الله،

ما معنى ( وما يبدء الباطل وما يعيد )؟

وما يبدؤ الباطل وما يعيد، يعني أن الباطل لا يقدم ولا يؤخر، فإن جاء الحق فلا يستطيع الباطل أن يفعل شيئا ولا يتصرف بشيء.

وقيل أن المعنى أنه لا يخلق خلقا ابتداء ولا يعيد خلقه – أي الباطل -.

وقيل أن المعنى أن الحق وهو الوحي يمكن أن يبدئ إقامة دولة ويستطيع أن يقيمها مرة أخرى، لذلك يمكن أن تعود الأمة مرة أخرى لو عادت للوحي، وأما الأمم القائمة بغير وحي فهي بسببين:

الأول: بقايا وحي ونبوة كما يقول شيخ الإسلام،

والثاني: أنه سابقك لأنك أنت الذي نزلت عندما تخليت عن الوحي، فهو ليس بعال ولكنك أنت الذي نزلت وانحدرت فصرت تراه عاليا.

والفاعل هنا هو ربي ( والربوبية هنا خاصة )

ما مناسبة وصف المكان هنا بالقريب؟

الوصف بالقريب هنا لأن كل مكان قريب من الله، فهو ذو الطول لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

ما مناسبة ما جاء بعدها من قوله ( قل إن ضللت .. )؟

في هذه الآية يقول النبي صلى الله عليه وسلم للناس: أي هداية فإنما هي بالوحي، وليس للهداية في حياتي سبب سوى الوحي، فكل الخير منه وكل الضلال بالبعد عنه.

ما مناسبة قوله ( وأنى لهم التناوش من مكان بعيد )؟

أصل التناوش هو التناول من مكان قريب، ولكن بعد أن ماتوا وجاءتهم الآخرة انتهى الأمر فلم يعد ينفعهم، وقد كان الوحي أمامك وكان قريبا منك وكان الإيمان به سهلا يسيرا.

ما المراد بقوله: ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون )؟

وفي هذا السياق يأتي قوله ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون )، وقيل فيه أمران:

الأول: أي من التوبة والاعتذار

الثاني:ما كانوا فيه من التنعم في الدنيا بالمال والولد، فكأنه يريد أن يأخذ معه إلى الموت ما كان يتنم به في الدنيا، وليس بآخذه.

ما مناسبة الختام بقوله: ( في شك مريب )؟

هذا فيه عودة إلى قوله تعالى ( تقوموا ثم تتفكروا )، ولو أنهم قاموا وتفكروا لخرجوا مما هم فيه من المصاب، كما جرى مع أبي طالب حيث كان موقنا بصدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لم يتبع، بينما عندما انعزل الوليد بن المغيرة عن مجتمعه وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله اختلف حاله، ولو أنه بقي على ما هو عليه، لانتفع. Map Shot 1

 

Map Shot 2

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved