(العلاقة بين المال والقرب من الله)

المادة مفرغة من محاضرات للدكتور أحمد عبد المنعم

(العلاقة بين المال والقرب من الله)

( نحن أكثر أموالا وأولادا )

وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)

ما هو موضوع هذا المقطع؟ وما مناسبته لما قبله؟ وما مناسبته لمقصد السورة؟

هذا المقطع يتحدث عن العدو الأصيل للدين، ولأي تغيير يحدث، لأن مصالحه مرتبة بشكل معين وبطريقة معينة فإن جاء أي تغيير يرفض ويخاف، فرجال الاقتصاد هم من ينفق لمنع أي تغيير يحدث، فكانوا في مكة يدفعون لمن يقف على أبوابها ليقنع من يدخل بأن محمد صلى الله عليه وسلم صابئ مبطل، وكانوا يشترون الجواري يعلمونها هجاء النبي صلى الله عليه وسلم ثم تغني الجواري في أنحاء الجزيرة لينتشر الباطل فيها.

أين المستضعفين في هذا الموضع؟

لم يذكروا لأنهم تبع لهم

ما مناسبة ذكر المترفين بهذا اللفظ؟

أصل الترفة هي المكان المنتبر العالي في الشفة العليا، فهو إحساس بالعلو على الناس بما معه من المال، فهي كلمة لا تدل على مجرد الغنى وحسب، ولكنها تدل على حالة نفسية فيها طغيان وتجبر وتعالي بما هم فيه من نعمة، والمترفين اسم مفعول به، والمترِف هو الله فالكلمة هي تذكر بالله أصلا،

ما دلالة كلمة ما ؟

ما للاستغراق وكأنهم يقولون: كل شيء أتيتم به نحن به كافرون.

ما مناسبة قولهم ( وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين )؟

هذا القول هنا هو تتمة للدعاية التي يقوم بها المستكبرين، لأنه من غير المقبول أن يقول أنا كافر وينتهي الأمر، بل لا بد من الدعاية والتلبيس، والدعاية هنا موجهة للمستضعفين لأنه لولا هؤلاء المستضعفين لن يكون له مكانة ولا سلطان، فقوة البشر دائما خارجية وليست داخلية، ولهذا يميت الله يوم القيامة الخلق جميعا ثم يقول ( لمن الملك اليوم )؟

ولأن الكلام السابق كان له أثر بالغ على هؤلاء المستعضفين، خاصة تخلي المستكبرين عنهم يوم القيامة، فلا بد هنا من شبهة يثيرها المستكبرون ليعموا على المستضعفين، وهنا جاءت حجتهم، فاستخدم جزءا من الحقيقة المادية المنظورة الصحيحة وهو ( نحن أكثر أموالا وأولادا ) ليلبس على الناس بالجزء الآخر ( وما نحن بمعذبين ) وهي عقيدة غيبية لا تنبني عليها، وهذه شبهة العصر : كيف يكون الغرب متقدما ويكون مخطئا بالعقيدة؟

ولسهولة رواج هذه العقيدة نفاها القرآن في عدة مواضع في القرآن ( ابتلاه فأكرمه ابتلاه فقدر عليه رزقه )، ( وكم أهلكنا من قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا ) ( فخسفنا به وبداره الأرض ).

وهذه الآيات تنسف فكرة الربط بين البلاء وغضب الله وبين النعمة ورضا الله، فالإنسان يتربى على أن المال هو من يحقق المقاصد منذ أن يكون صغيرا حين يرى أباه يشتري له ما يريد فيربط بين المال وبين الحصول على مشتهاه، ثم يكبر فيصبح الأمر عقيدة عنده، ويصبح يقيم الأشياء بحسب ما تأتي به من المال، ثم يتطور الأمر ليصبح الولاء والبراء على المال، بل ويصبح عقيدة قتالية كما في حديث مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ، تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ: لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو “، فنسبة نجاته واحد بالمئة ومع ذلك يذهب.

كيف أجابت السورة عن هذه الشبهة؟

الشبهة فيها قسمين:

الأول: نحن أكثر أموالا وأولادا

الثاني: ما نحن بمعذبين

فالرد على الأول: أن ما معكم من هذا المال ليس بكسبكم ولكنه من فضل الله، الله ربي الذي أعبده وأطيعه، هو الذي يرزق من يشاء ما يشاء، ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة ويغفلون عنها، ولو شاء الله لسلب منكم بلحظة كما سلب من سبأ.

وهنا إشارة أيضا إلى أن أسباب الرزق يستوي فيها الكافرون والمؤمنون، وهي سنة عامة لكن قد يدخل عليها ما يقيدها،

والرد على الثاني: أن هذا المال الذي بين أيديكم وما عندكم من القوة لا تقربكم عندنا زلفى، وهذه هي الغاية الأساسية من الحياة، وهي التقرب إلى الله، وليس امتلاك المزيد من المال، ولا علاقة كما سبق بين السعة في المال، وبين رضا الله.

بل كيف تزعمون أنها تقربكم وأنتم تنفقونها في الصد عن سبيل الله.

ما مناسبة الاستثناء؟

في هذا الاستثناء انعكاس لحقيقة أن ليس كل الأغنياء مترفون ومتبطرون، وهي تحدد لك المعيار الذي تقرر به هل المال والولد خير أم لا؟

فالمال بحد ذاته قد يكون خيرا وقد يكون شرا، ولكن الآيات هنا أعطتنا معيارا لمعرفة هذه النعمة، فإن شر فكان خيرا له وإن كفر كانت شرا ووبالا عليه،

ما دلالة ذكر فعل السعي هنا بالمضارع؟

المضارع هنا لاستحضار مفهوم الاستمرار والحركة

ما وجه تكرار الآية؟

التكرار جاء لعدة مناسبات:

منها: أن الأولى كانت في خطاب للكافرين والثانية كانت تثبيتا للمؤمنين ولهذا جاءت في الثانية كلمتين زيادة ( من عباده ) وهي إضافة تشريف وغالبا تأتي للمؤمنين فكأنه يقول: البسط للمؤمن التقي خير، وخير من الله لك، وأما الكلمة الثانية فهي ( له ) ولم يقل يقدر ( عليه ) بخلاف سورة الفجر، فكأن اللفظة هنا تعني: يضيق من أجله، فمن أجله ضيق، لأجل ألا يفتن ولأجل أن يبتلى فترتفع درجته.

فالمعاملة مع المؤمن مختلفة فالبسط له خير والقدر له أيضا خير، وهذه خاصة للمؤمن، ومما يؤكد هذا الوجه الأمر بالقول في هذه المرة الثانية وكأنه يقول له: قل للمؤمنين كذا وكذا…

وله بعد ذلك خلف لما أنفق، وسيخلفه أي إخلاف، ولا غرو فهو خير الرازقين، ومتى ؟ في أوقات الاستضعاف، طبعا ليس بالضرورة أن يكون الخلف من جنس المال، ولكن قد يكون رزقا سوى ذلك.

ومن هذه الأوجه: أنهم قالوا أن معنى من عباده وله: هي أنه قد يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ثم يقدر له هو نفسه، فالذي بسط الرزق لكم قادر على أن يقدر عليكم وهكذا تتبدل الأحوال إلى يوم القيامة، فالشخص الواحد قد يغتني ثم يفتقر هو بنفسه وهكذا، فما أنفقتم من شيء فأنفقوه الآن قبل الفقر.

Map Shot 1

 

Map Shot 2

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved