عودة إلى الطاعة
(عودة إلى الطاعة)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴿٢٠﴾وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴿٢١﴾إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴿٢٢﴾وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴿٢٣﴾يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴿٢٤﴾وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴿٢٥﴾ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴿٢٦﴾يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴿٢٧﴾وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴿٢٨﴾يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴿٢٩﴾
ما مناسبة هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة؟
في المقطع السابق استغرق الحديث عن آيات لطف الله وعنايته بهم كما سلف، وأراهم الله فوائد وعاقبة امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى بدر والاجتماع عليه وطاعة أمره، رغم كراهتهم للخروج في أول الأمر ومجادلتهم ورغبتهم بلقاء العير دون النفير، فسمعوا وأطاعوا وخالفوا هواهم، فأثابهم بالنصر المبين، ثم أعقب ذلك أمرهم بطاعة الله ورسوله شكرا على نعمة النصر واعتبارا بأن ما يأمرهم به خير عواقبه، وحذرهم من مخالفة أمر الله ورسوله،
فإنما النصر مع الطاعة والاجتماع والهزيمة مع العصيان والتنازع
وفي الكلام هنا رجوع إلى الأمر بالطاعة والذي افتتحت به السورة في قوله ( وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) كما يرجع الخطيب إلى مقدمة كلامه بعد أن استدل عليه، لتصبح هذه المقدمة على صورة نتيجة ظهرت بعد الاستدلال عليها، والمقدمة كانت الأمر بالطاعة والاستدلال استمر على طول المقطع السابق، ثم جاءت هذه الآيات مرة أخرى لتؤصل لنفس المعنى بعد أن رسخ في النفوس بدليل الرعاية والعناية الإلهية قبل وأثناء وبعد المعركة على طول المقطع السابق، والأمر بعد الاستدلال أبلغ وأوقع في النفوس من الأمر قبل الاستدلال عليه.
ما دلالة افتتاح الجملة بقوله ( واعلموا )؟
تفتتح الجمل بمثل هذا للاهتمام بما تتضمنه وحث المخاطبين على التأمل فيما بعده وذلك من أساليب الكلام البليغ أن يفتتح بعض الجمل المشتملة على خبر أو طلب فهم باعلم أو تعلم لفتا لذهن المخاطب، وفيه تعريض غالبا بغفلة المخاطب عن أمر مهم فمن المعروف أن المخبر أو الطالب ما يريد إلا علم المخاطب، فالتصريح بالفعل الدال على الطلب العلم يراد به الاهتمام، وهذا في القرآن كثير.
ما هو المراد بقوله تعالى واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه؟ وما مناسبة هذه الجملة في هذا السياق؟
أرجح ما قيل في المراد منها : أن هذا من باب الإخبار من الله عز وجل أنه أملك لقلوب العباد منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتى لا يدرك الإنسان شيئا إلا بمشيئته عز وجل.
والمعنى: اعلموا أيها المسلمون أن الله يحجز بين العبد وقلبه إذا شاء فلا يستطيع المرء أن يدرك ويعي به شيئا من حق أو باطل إلا بإذن الله تعالى فقلوبكم بيد خالقكم سبحانه يصرفها ويقلبها كيف يشاء يصرفها من الهدى إلى الضلالة ومن الضلالة إلى الهدى فإياكم أن تردوا أمر الله حين يأتيكم أو تتثاقلوا أو تتباطؤوا عن الاستجابة له، فلا تأمنوا حينها أن يحال بينكم وبين قلوبكم فلا تقدروا على الاستجابة بعد ذلك إن أردتموها.
ويؤيد هذا مناسبة هذه الجملة بعد الأمر بالاستجابة وكأن موضعها يقول: استجيبوا فإن لم تفعلوا حلنا بينكم وبين قلوبكم فنترككم كأنكم لا تعقلون، وتمنع عنكم الاستجابة، ونحول بينكم وبينها، وجاء هذا المعنى كثيرا في القرآن كقوله تعالى ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) وفي السنة كما جاء من حديث حذيفة في صحيح مسلم قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»، وكما في الحديث الذي رواه مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ: «تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ» ولا شك أن للمعصية غاية الأثر في القلوب وهذا لا يخفى على أحد.
ما معنى قوله ( واتقوا فتنة .. ) الآية؟ وما دلالتها؟
الكلام هنا موجه للظالمين والنهي موجه لهم، والمعنى: أيها الظالمون المتسببون بالفرقة والتنازع، كفوا عما أنتم عليه قبل أن تنزل عليكم فتنة يطال شررها الأمة جمعاء، فلا تتسببوا بأذى الجميع بسبب ظلمكم.
ما معنى كون الأولاد والأموال فتنة ؟
واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة: أي لأنهم سبب في الوقوع في كثير من الذنوب، فصاروا من هذه الحيثية محنة يختبر الله بها عباده، وإن كانوا من حيثية أخرى زينة الحياة الدنيا، كما في الآية الأخرى، والتذييل معناه: أن الله عنده أجر عظيم فآثروا حقه على أموالكم وأولادكم وما قد يغلب على أنفسكم بسببهم فتسول لكم أنفسكم تجاوز حدود الله، فآثروا حقه عليهم ليحصل لكم ما عنده من الأجر المذكور.
ما المقصود بالفرقان؟
المعنى: أنه يجعل لكم من ثبات القلوب، وثقوب البصائر، وحسن الهداية ما تفرقون به بين الحق والباطل عند الالتباس، ويجعل لكم مخرجا من الشبهات ونجاة من كل ما تخافون.
وهذا كله في مقابل ما سبق ذكره من أن الله يحول بين المرء وقلبه في حال عدم الاستجابة لله ورسوله.
ما مناسبة قوله تعالى ( واذكروا إذ أنتم قليل .. ) ؟
لما أمرهم الله عز وجل بالاستجابة وحذرهم من نتائجها وعقوباتها على المستوى الفردي في قوله ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) وعلى مستوى الأمة بقوله ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )، وخوفهم عذابه بقوله ( إن الله شديد العقاب )، ضرب لهم مثالا عمليا مروا به هم أنفسهم، مذكرا إياهم بما كانوا فيه من الذل وكيف استنقذهم منه، وأبدهم بالضعف والقلة والخوف عزة ونصرا، ليذكروا كيف يسر لهم أسباب النصر من غير مظانها حتى أوصلهم إلى مكافحة عدوهم، بل وأن يتقي أعداؤهم باسهم فكيف لا يستجيبون لله فيما بعد ذلك وهم قد كثروا وعزوا وانتصروا؟
ما سبب تكرير النداء في قوله ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ) ؟
تكرير النداء مع وصفهم بنعت الإيمان لتنشيطهم إلى الإقبال على الامتثال بما يرد بعده من الأوامر، وتنبيههم على أن فيهم من الصفات – وهي الإيمان – ما يوجب ذلك، أي أن الإيمان هو الذي يقتضي أن يثقوا بعناية الله بهم فيمتثلوا أمره إذا دعاهم.
ما مناسبة إعادة حرف الجر بعد واو العطف في قوله ( وللرسول ) ؟
التكرار هنا للإشارة إلى استقال المجرور بالتعلق بفعل الاستجابة تنبيها على أن استجابة الرسول صلى الله عليه وسلم أعم من الاستجابة لله، لأن الاستجابة لله لا تكون إلا بمعنى الطاعة، بخلاف الاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم فإنها بالمعنى الأعم وهو استجابة ندائه والطاعة، فأريد أمرهم بالاستجابة للرسول بالمعنيين كلما صدرت منه دعوة تقتضي أحدهما.*
ما مناسبة قول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا .. ) الآية؟
قبل هذه الآية كان السياق في تذكيرهم بنعم الله من الإيواء والنصر والرزق الطيب من المغانم، وختم ذلك بالحث على الشكر، فانتقل هنا إلى النهي عن الخيانة في مقابل هذه النعمة، وحذرهم أن يظهروا الطاعة والاستجابة في ظاهر أمرهم ويبطنوا المعصية والخلاف في باطنه، وأن يؤدوا ما ينبغي عليهم تأديته وحفظه من حقوق الله كاملة ورسوله كاملة بامتثال الأمر واجتناب النهي دون تقصير، وألا ينقصوا من ذلك شيئا، فإن الخيانة من الخون وهي النقص وهي ضد التمام وهي إبطال ونقض ما وقع عليه تعاقد دون إعلان بذلك النقض وضده الوفاء لأنه تمام ما تم العهد عليه.
ما وجه تنكير كلمة فرقان في قوله ( يجعل لكم فرقانا ) ؟
تنكير الفرقان للتنويع التابع لأنواع التقوى: كالفتن في السياسة والرئاسة والحلال والحرام والعدل والظلم، فمن اتقى الله في السياسة جعل الله له فرقانا في السياسة، ومن اتقى الله في الرئاسة أو الحلال أو الحرام أو العدل أو الظلم كان له فرقان في كل شيء منها بحسب تقواه فيها، وليس هذا فحسب بل وعدهم بأشياء أخرى أكثر من ذلك بكثير في قوله ( والله ذو الفضل العظيم ).
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved