عاقبة المستكبرين المستهزئين في سورة الجاثية
عاقبة المستكبرين المستهزئين في سورة الجاثية
ما هي الأسماء الواردة فيها ؟
لها اسماه ( الجاثية ) وهو المثبت في المصاحف التي بين أيدينا، كما سميت بسورة ( الشريعة ) وقد ورد لفظ الشريعة في هذه السورة ولم يرد في غيرها.
وقيل إن من اسمائها ( الدهر ) لذكر كلمة الدهر فيها واختصاصها بهذه الكلمة دون أخواتها من الحواميم، وهذا فيه بعد خاصة مع اشتهار اسم الدهر لسورة الإنسان فلئلا تشتبه هذه بتلك.
مكان نزولها؟
مكية بالاتفاق وكأنها نزلت في أواخر العهد المكي مع بقية الحواميم كما يقال، حيث روي أن هذه السور نزلت متتابعة.
كم عدد آياتها ؟
ست أو سبع وثلاثون بحسب اعتبار ( حم ) آية مستقلة أو متصلة.
هل ثبت شيء في فضلها ؟
لم يثبت في فضلها شيء
ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك، وما مناسبة الاسم للمقصد؟
تتحدث هذه السورة عن عاقبة المستكبرين الذين أعرضوا عن الحق على الرغم من معرفتهم التامة به، فهم على الرغم من علمهم بهذا الحق استكبروا عنه فوصفت هذه الآية حالهم.
والاستكبار جاء في عدة مواضع في السورة:
منها قول تعالى ( ثم يصر مستكبرا )
ومنها قوله تعالى ( فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين )
وأهم ما جاء فيها ما ذكر في الآية الأخيرة ( وله الكبرياء ) فنفت الكبرياء عن كل مدعيها في الدنيا وأثبتتها لله وحده في نسق لم يرد سوى في هذه السورة.
وأما الاستهزاء فقد ورد تقريبا في نفس المواضع التي ورد بها الاستكبار وكأنه قرينه وعلامته، وهذه المواضع:
منها قوله تعالى ( اتخذها هزوا )
ومنها قوله تعالى ( ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا )
ومنها قوله تعالى ( وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون )
وقد وردت الاستهزاء في مقولات قالوها حكتها السورة عنهم ( ائتو بآبائنا ) ( ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا ).
فأما الحديث عن ( العاقبة ) فمناسب لتسميتها ( الجاثية ) والسياق الذي وردت به اللفظة ( وترى كل أمة جاثية ) حيث يصور السياق حال الأمم وهي باركة على ركبها من الذل ومن شدة الخوف والهلع ومن هول المقام، وكأن السورة تقول: أبشر يا من علمت الحق واستكبرت عنه واستهزأت به، بموقف مذلٍّ في يوم مهول فظيع لا تستطيع فيه الوقوف على قدميك من شدته، ولا ينالك فيه من رحمة الله شيء، ولا غرو فإن الكبرياء ردائي من نازعني منها شيئا قذفته في النار ولا أبالي.
ومثل هذا المعنى جاء في الحدث الصحيح الذي رواه مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعِزُّ إِزَارُهُ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ» وأيضا ما رواه عن أبي موسى الأشعري في وصف أهل الجنة وحالهم (وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ»
فالكبرياء صفة خاصة بالله تعالى لا يجوز لأحد الاتصاف بها، فمن فعل حرم الله عليه الجنة كما في الحديث الذي رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ».
وواضح في السورة أن مثل هذا مختص بما كان بعد العلم خاصة، أي بعد أن عرف المستكبر الحق وأيقن به وهذا واضح في عدة مواضع:
منها قوله تعالى ( وإذا علم من آياتنا شيئا )
ومنها قوله تعالى ( فما اختلفو إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم )
ومنها قوله تعالى ( أفرايت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم )
وما توحيه هذه الجمل من جو ومحيط.
فالمستكبر أتاه الحق فعرفه وتبين له لكنه آثر الحياة الدنيا ( وغرتكم الحياة الدنيا ) فكانت عاقبته الذل والهوان كما أتت به السورة.
وأما مناسبتها لاسم ( الشريعة ) فإن الله المختص بالكبرياء، لم ينزل شيئا إلا في أحكم موضع، فوضع شرعا هو في غاية الاستقامة، وأمر العباد بلزومها، فانقسم الخلق فيها إلى قسمين، قسم قبل واستقام، وقسم استكبر واستهزأ وأطاع هواه، وجعله فوق شريعة الجبار ظانا أن ما أتى به عقله خير مما أتى به رب العزة ، فلا بد أن يجمع هذا المتكبر وإخوانه في هذا الموقع جثاة على ركبهم، خائفين أذلاء مطرودين من رحمة الله المتكبر العزيز الحكيم.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved