صفات جماعة المسلمين
فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)
ما هو موضوع هذا المقطع وما هي مناسبته لما قبله؟
يتناول هذا المقطع الحديث عن صفات الجماعة المسلمة، وجاء الحديث هنا بصيغة الخبر التي يراد بها الإنشاء، فكأن الكلام يأمر الجماعة المسلمة بالتلبس بهذه الصفات.
فقد بينت الآيات في المقطع السابق جزاء المؤمنين أهل الصالحات وأطالت في ذلك في ثلاث جمل، أما هذه الآيات ففقد أطالت في ذكر أعمالهم.
ومن حسن الكلام في هذا المقطع ابتداؤه بالتذكير بالآخرة وتعظيم شأنها، ذلك الموضوع الأبرز الحاضر في كل تفاصيل الكلام في القرآن، ثم بدأت بسرد صفات الجماعة المسلمة التي ينبغي أن تتوافر فيها حتى يتحقق فيها صفة الاجتماع على دين الله.
ومن أهم الأمور التي يجب للمتدبر المتأمل الانتباه لها ربط كل هذه الصفات بالآخرة في بداية المقطع، فالآخرة من أهم المعاني التي يجب أن تبقى حاضرة في ذهن الجماعة المسلمة، جماعة وأفرادا، وبقدر ما تكون الآخرة حاضرة في أذهانهم وبقدر ما تكون معانيها عميقة في نفوسهم، يتخلصوا من حظوظ نفوسهم فتسري فيهم روح الشورى، ويتحقق لهم الاجتماع والوحدة.
ما هذه الصفات وما هي مناسبتها لموضوع السورة؟
هذه الصفات تنقسم إلى أربعة:
الأول: له علاقة بالإيمان وتأصيله في النفوس
الثاني: تطهير النفس من رجس الذنب
الثالث: اكتساب الفضائل التي دعانا إليها ربنا
الرابع: تجاوزت الأحوال الفردية الغالبة في الآيات الأخرى إلى الأحوال التي تنتجها العلاقات الاجتماعية والاحتكاك بالآخرين.
وقد جمعت هذه الصفات أهم ما يجب على جماعة المسلمين التحلي به من الأخلاق والصفات ليتحقق لها الاجتماع في على الدين .
والمتأمل لهذه العلاقات يلاحظ عدة أمور:
الأول: أن الشورى مع أنها من العلاقات الجماعية قد جاءت من ضمن الأخلاق الفردية
الثاني: أن العلاقات الجماعية قد استغرقت نصف الحديث تقريبا عن صفات الجماعة المؤمنة وتركزت في أمرين تراوح الحديث بينهما:
الأول: الانتصار من الظلم
الثاني: العفو عن الظالم
والقارئ المستعجل يظن أن هناك تعارضا بين الأمرين، والحقيقة أن الأمرين متكاملين لا يتم أحدهما إلا بالآخر، ولكل موضعه، والحكمة لا تكون إلا بوضع هذا في موضعه وهذا في موضعه، وكما قال الشاعر:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى
فالانتصار يكون مع المتجبر المفسد الذي يغريه العفو بمزيد من الظلم والفساد، وأما العفو فيكون مع المخطئ العاجز الذي يخجله العفو عنه فيرتدع بالعفو أكثر مما يرتدع بالقصاص.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved