( ختاما )
( ختاما )
إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
ما موضوع هذا الفصل، وما هي مناسبته لما قبله، وما هي مناسبته لمقصد السورة؟
هذه الآيات الثلاث يختم الله عز وجل بها السورة، وسنأتي على تفاصيل الحديث عنها.
ما مناسبة ذكر تحريم مكة هنا؟ ولماذا ذكرت العبودية معها؟
ذكر تحريم مكة هنا يحمل معنى مفاده:
قد أعطيتكم عطاء لا يمكن لأي مكان سوى هذا المكان أن يحوزه مهما علا شأن غيره مدنيا وماديا، ألا وهو هذا الحرم الذي يأوي إليه الناس ويأمنون فيه، فأمنتكم من خوف وأجللتكم في أعين القبائل وقيتكم من الفتن المنتشرة عند غيركم إجلالا لهذا البيت، فلم تراعوا حرمته ولم تقوموا بحقه من التوحيد والعبودية والإسلام لله، وهذه منة لم ينلها أحد غيرهم أبدا، على الرغم من تفوق المدنيات حولهم، ولم تفوت السورة ذكر التحريم إلا وقد ذكرت معها العبادة، عبادة الرب الذي حرم هذه البلدة.
ما الحصر باستخدام إنما في أول الكلام؟
إنما هنا تفيد الحصر والمعنى ما أمرت إلا أن أعبد رب هذه البلدة، وفي هذا إشارة إلى الهدف الأسمى والأعظم من الحياة ألا وهو العبودية لله تعالى، فليس الهدف من الحياة الاستمتاع ولا التقدم المادي ولا التقدم المدني ولا عمارة الأرض مطلقا، وإنما الهدف الأسمى والوحيد هو إظهار العبودية لله تعالى، وهذا هو أهم معنى من معاني السورة وحوله تدور كلها، فسبحان من سبك المعاني والألفاظ بهذا الشكل الذي لا يستطيعه إلا إله مقتدر.
ماهي المعاني التي ينتهي إليها ذكر لفظة الرب هنا؟
لفظة الرب تستخدم دائما للإشارة إلى الرعاية و الحياطة من جانب الله عز وجل، فلفظ الرب هنا للإشارة إلى رعاية الله وحياطته لمكة شرفها الله.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر جملة ( وله كل شيء ) هنا؟
له كل شيء: ويفعل في ملكه ما يشاء، يهلك أقواما ويمهل آخرين، يهدي أقواما ويضل آخرين.
له كل شيء: كل ما أفرزته عقول الناس بماديتهم ومدنيتهم، له قصورهم وأبنيتهم ومنشآتهم، له أسلحتهم وتقدمهم التقني، له أموالهم واختراعاتهم، هم في حقيقتهم لا يملكون شيء، بل له كل شيء، فقط يغرهم الاستخلاف المؤقت فيظن الإنسان أنه امتلك الأمور، هيهات هيهات.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر الأمر بالكون من المسلمين في ختام السورة؟
هذا التذييل معنى ختامه هنا وحبله متصل بكل الألفاظ التي تتعلق بالإسلام قبله: ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين، أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين، وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين، وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين، إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون.
وهذه اللفظة من المعاني المهمة البارزة في هذه السورة، لأن التقدم المادي كما ذكرنا سابقا مظنة التمرد والخروج عن الطاعة والاستسلام لله عز وجل، فيأتي التنبيه هنا على قضية الاستسلام لله تعالى حثيثا حتى لا ينسى الإنسان في خضم خوضه في التقدم المدني استسلامه لله عز وجل مهما ظن أنه بلغ من أسباب القوة والعلم والبصيرة.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها إتباع ما سبق بقوله: وأن أتلو القرآن؟
كل ما سبق من الحديث عن العبودية والربوبية وملك الله المطلق والإسلام، يثير سؤالا عن كيفية التعرف على هذه المسالك، فتأتي هذه الآية لتدلك على الطريق: تلاوة القرآن.
ما مناسبة الحديث بعد الأمر بتلاوة القرآن؟
القرآن هو الذي يفصل الناس بين مهتد وضال، لذلك جاء الحديث بعدها عن الهدى والضلال، وقد حذف متعلق التلاوة هنا لظهوره، والمعنى: وأن أتلو القرآن على الناس، أي أبلغهم آياته وكلامه.
ما مناسبة التذييل بعده بقوله: إنما أنا من المنذرين؟
الخطاب في هذه السورة على طولها موجه في معظمه للكفار المكذبين المعاندين، فناسب أن يكون الختام هنا بالحديث عن النذارة.
ما مناسبة الحديث بعدها عن الحمد لله؟
الحمد لله هنا متصلة بالحمد لله التي جاءت بعد القصص في قوله تعالى ( قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى )، فكما أن القسم الأول المحتوي على القصص من السورة ختم بقوله ( الحمد لله )، جاء ختام هذا المقطع و ختام السورة ككل بالحمد لله رب العالمين، أي الثناء على الله بجميل فعاله، يهدي من يشاء من عباده ويتفضل على من يشاء من عباده بالعلم.
ولها علاقة وطيدة بما سيأتي بعدها مباشرة كما سيأتي بيانه.
ما مناسبة قوله تعالى بعدها: سيريكم آياته فتعرفونها؟
فالحمد قبل هذه الآيات ممهد لما ههنا: فالحمد لله أن جعل لنفسه آيات تدل عليه، والحمد لله أن أرانا هذه الآيات، والحمد لله أن عرفنا هذه الآيات.
وليست هذه الآية مقصورة على آيات الدنيا، ولكن تشمل أيضا آيات الآخرة.
ما مناسبة الختام بقوله تعالى: وما ربك بغافل عما تعملون؟
فيها قراءتان: وما ربك بغافل عما تعملون، و وما ربك بغافل عما يعملون، وهي في الحالتين يراد منها التهديد الشديد والوعيد العظيم، فإنه ليس بعد رؤية الآيات ومعرفتها إلا التكذيب بها علوا وظلما كما حصل مع قوم فرعون، أو الإسلام لله تعالى كما حصل مع ملكة سبأ، فجاء التهديد هنا مناسبا لما سبق من التهديد والإنذار على طول السورة فإنها ذكرت ملكة سبأ ممن رأى الآيات وعرفها، وذكرت ثلاثة أقوام ممن كذبوها وهم قوم فرعون وثمود وقوم لوط.
وذكر العمل ههنا متصل بما ذكر سابقا من مشاهد العذاب وما فيها من ذكر العمل، متصل بقوله تعالى ( أماذا كنتم تعملون ) ومتصل بقوله تعالى ( هل تجزون إلا ما كنتم تعملون
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved