حكمة لقمان

 

( حكمة لقمان )

وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)

ما هو موضوع هذا المقطع، وما مناسبة الابتداء به، وما مناسبته لمقصد السورة؟

ينتقل السياق في هذا المقطع إلى الحديث عن لقمان ووصاياه لابنه، في نسق جديد واسلوب مغاير وهو اسلوب الحكاية والتوجيه غير المباشر، وذلك بعد أن تقرر أن القرآن حكيم، ومنزل من عند حكيم، ومن ثم تأتي القصة لتعرفنا على أدب تلقي الحكمة من الله تعالى وترينا نموذجا من نماذج الحكمة وأدب الحكماء في نشر الحكمة وتعميمها.

يحكي هذا المقطع قصة شخص رزقه الله الحكمة، فرفعت شأنه وأعلت قدره حتى سميت السورة باسمه وحكى القرآن شأنه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، وكأن من يقرأ هذا المقطع بعد المقطعين السابقين يشعر بأنه المقطع يحمل رسالة له أن:

كن حكيما كلقمان الذي انتفع بآيات الله المتلوة والكونية، انتفع بوحيه وبخلقه فارتفع شأنه، وعلا قدره.

وأنه إن لم تكن هناك نبوة فثمة حكمة

ما هي المعاني التي ينتهي إليها البدء باللام وحرف التحقيق؟

هذه البداية لإثارة الاهتمام، فكأنها تقول للسامع: ما سيأتي الآن من الكلام كلام مهم فارعه سمعك أيها السامع وانتبه له، والبداية بلقد في القرآن كثيرة وكلها في هذا الغرض.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها استخدام كلمة ( آتينا )؟

كلمة آتينا هنا هي استمرار لسياق ( أنزلنا وأنبتنا ) في المقطع السابق، وهي للفت النظر أن الله هو مالك الحكمة وحده وهو معطي الحكمة وحده.

ما مناسبة استعمال الفعل شكر في قوله تعالى ( أن اشكر لله ) دون غيره؟

أصل الشكر هو في الدابة تسمن في علف قليل، ثم استعمل الشكر في عرفان الإحسان ونشره ولا يكون إلا عن يد، أي عن معروف صنع للشاكر، وعكسه الكفر، وهذا فيه إشارة إلى يد الله البر الرحيم ونعمه على خلقه، وهذا متناسب غاية المناسبة مع سرد نعم الله والتنبيه عليها بعد قصة لقمان مباشرة.

يقال شكرت الله بدون حرف جر وشكرت لله وبالله، والتعدية باللام أفصح.

والشكر يكون بالقلب خضوعا واستكانة باللسان ثناء واعترافا وبالجوارح طاعة وانقيادا.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها إظهار لفظ الجلالة هنا؟

إظهار لفظ الجلالة هنا لأجل بيان المهابة واستحضار العظمة، بخلاف ما لو قال مثلا ( أن اشكر لنا ) فإن الجملة هذه مع أنها تفيد العظمة إلا أنها خالية من ذكر لفظ الجلالة الذي أضفى على الجملة السابقة مهابة وعظمة.

ما مناسبة قوله تعالى ( ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه .. ) ؟

جاءت هذه الآيات هنا لتبين للقارئ أن الله عز وجل ما طلب الشكر لنفسه

ما مناسبة التذييل بقوله تعالى ( فإن الله غني حميد )؟

وصف الله تعالى نفسه بالغني هنا فيه تاكيد لمعنى الجملة السابقة ( ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ) وأن الله إنما جعل الحكمة الشكر لله لا لأجل نفسه وإنما لأجل الشاكر، فهو مستغن عن خلقه لا يحتاج شكرهم وشكرهم إنما هو لأنفسهم، وهو حميد على وزن فعيل بمعنى محمود، والحمد هو الثناء بالصفات الحسنة، سواء كانت مع يد أو بدونه، فجاء هذا المعنى ليكمل الشكر، ويثبت لله تعالى الصفات الذاتية الحسنة بعد أن أثبت الشكر له معروفه وإحسانه لخلقه.

ما دلالة ترك التأكيد باللام خلافا لموضع آخر في القرآن أكده باللام في سورة ابراهيم؟

السياق هناك كان يحتاج مزيد تأكيد لأنه يتحدث عن كفر من في الارض جميعا بخلاف هذه الآية التي تتحدث عن كفر شخص واحد، فلم تحتج للتأكيد كما احتاجه ذلك الموضع.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر لقمان وهو يعظ ابنه؟

بعد الثناء على لقمان بأنه أوتي الحكمة، وبعد أن تم بيان رأس الحكمة، شرعت الآيات تحكي صورة لقمان وهو يعظ ابنه وفي هذا إشارة إلى أمرين:

الأول: أن من لوازم الحكمة الاهتمام بتربية الأبناء

الثاني: أن من لوازم الحكمة الوعظ عموما.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها اختيار لفظ الوعظ دون غيره؟

الذي يظهر أن الوعظ فيه زيادة عن النصح والتوجيه بأمور:

التخويف كما جاء في مجمل اللغة والمقاييس

والتذكير بالعواقب كما جاء في لسان العرب

وذكر ما يلين القلب من ثواب وعقاب كما جاء في المحكم وتاج العروس

وهذا ما اجتمع في كلام لقمان لابنه.

وهذا اللفظ دليل على أهمية الوعد

ما هي المعاني التي ينتهي إليها ابتداء لقمان بكلمة يا بني؟

ابتدأ لقمان كلامه بالنداء بالتصغير يا بني بدلا من يا ابني وذلك لإنزال المخاطب الكبير منزلة الصغير كناية عن الشفقة به كما قال الشاعر:

ولكن إذا ما حب شيء تولعت به أحرف التصغير من شدة الوجد

وفي هذا توجيه للواعظين عامة وللمربين خاصة بالاعتناء في هذا الجانب لأنه من مظاهر الحكمة وهو أدعى للقبول.

ما مناسبة البدء بالشكر وربطه بالحكمة؟

الشكر لله يستلزم أن تتعرف إلى الله الرب المنعم، وإلى نعمه الواصلة لك، وهذا ما أشار إليه فعل الشكر لأنه لا يكون إلا عن فضل وإحسان، ثم تؤدي حق هذه النعم على أحسن وجه، وهذا يشمل أمورا كثيرة ابتداء بالتوحيد وانتهاء بحسن الخلق.

ما مناسبة تغير الخطاب أثناء الوصية بالوالدين؟

الذي يظهر عدة مناسبات:

منها: أنه من الأحسن ألا يكون الموصي صاحب مصلحة في الوصية لئلا يقال: أوصى بحقه فجاءت الوصية من غير لقمان

ومنها: أن فيها تشريفا للوالدين حيث وصى الله بهما بنفسه

ومنها: فيها رسالة للقمان: يا من أوصيت ابنك بنا أوصينا ابنك بك وبجميع الآباء.

ما مناسبة اختيار لفظ الوالدين بدل الأبوين؟

فيه عدة مناسبات:

منها: لتذكير الولد بالوالدية وما عانته

ومنها: المناسبة لما جاء بعدها في الحديث عن الأم

ومنها: تخصيص الوالدة بمزيد بر لزيادة حاجتها للبر بعد أن تكبر وتشيخ ولا تجد معينا.

بخلاف مواضع أخرى مثل ( لأبويه لكل واحد منهما الثلث ) أو ( كما أخرج أبويكم من الجنة ).

ما مناسبة حكاية الحمل والوهن بعدها؟

هذا جاء في مقام التعليل، فكأن قائلا يقول: لم أوصيتني بوالدي، فجاء الجواب: لأنه حملته أمه .. .

ما هي مناسبة ترتيب المواعظ هذه من لقمان لابنه؟

جاء كلام لقمان لابنه في النقاط التالية:

الأول: التوحيد

الثاني: الوصية بالوالدين

الثالث: التربية على المراقبة

الرابع: إقامة الصلاة

الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

السادس: الصبر

السابع: مجموعة أوامر أوامر ونواهي لها علاقة بالآداب العامة.

أما التوحيد:

فمن الطبيعي أن تبدأ الوصية به، فالتوحيد منجاة من النار ولا ينفع مع عدمه شيء، وهو منبع العبادات النافعة والأخلاق الحسنة، والأمر معروف لا يحتاج إلى تطويل.

وأما الوصية بالوالدين:

فهي أخت التوحيد وقرينته، ولخطورة أمر الوالدين قرنهما الله عز وجل مع نفسه في الأمر بالشرك فقال جل وعلا ( أن اشكر لي ولوالديك ).

وأما المراقبة:

فإنها أساس الطاعات فلو علم الإنسان أن الله مطلع عليه في شأنه كله ماترك أمرا إلا فعله ولا نهيا إلا تركه، وهذا فيه تقديم لجانب العقيدة على جانب السلوك لأن منبعها وأساسها.

وأما إقامة الصلاة:

فكلنا يعمل ما مكانة الصلاة في حياة المسلمين، ولم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعدون ترك شيء كفرا إلا الصلاة.

وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

ففيه تنبيه على العبادات المتعدية النافعة، خاصة قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبعد أن نفع الإنسان نفسه بإقامة الصلاة، لا بد له أن يتعدى ذلك لحماية المجتمع الإسلامي وتعزيز ( مناعته ) بهذه الشعيرة العظيمة، ولا تكمل حكمة الإنسان إلا بسعيه في الإصلاح.

وأما الصبر:

فهو قرين ما سبق من الأمر بالعبادات الفردية والعبادات المجتمعية، فلا بد للإنسان أن يصبر على نفسه الأمارة بالسوء، وأن يصبر على ما سيصيبه في خضم أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، والأمر بالصبر هنا فيه توطئة وتهيئة لنفس المتلقي مما سيصيبه على إثرها من ضر ولأواء.

وأما الآداب:

ففيها أيضا التنبيه على أن مراعاة أحوال الناس وآدابهم من مقتضيات الحكمة، فلا نكتفي بالعبادات ونهمل ما سوى ذلك مما طبعت النفس البشرية على حبه واحترامه وتقديره.

فنهى عن خلقين وأمر بخلقين وذيل كل آية بما يناسبها.

نهى عن تصعير الخد: وهو مرض يصيب الإبل فيلتوي عنقها وهو كناية عن التكبر عن الناس والإعراض عنهم، ونهى عن المشي مرحا باختيال وتكبر، وذيل بما يناسبها أن الله لا يحب من يفعل هذه الأفعال وهي الخيلاء والفخر.

وأمر بالقصد في المشي: وهي كناية عن الهدوء والسكينة، والغض من الصوت: وهي مثل سابقتها ثم ذيل بأن علو الصوت فيه تشبه بالحمير والحمير من أصحاب الأصوات المنكرة.

ما مناسبة ذكر الصخرة والسموات والأرض؟

ذكر أسباب الخفاء كلها:

الصغر: حبة من خردل

الحجب: في صخرة

البعد: في السموات

الظلام: في الأرض.

ما مناسبة جواب الشرط يأت بدل من يعلم؟

الإتيان يشمل العلم فعبر عن الأعلى لاشتماله على الأدنى، لأن من يأتي يعلم من باب أولى.

ما مناسبة التذييل باللطيف الخبير؟

اللطيف هو من يعلم دقائق الأشياء يوصلها بالمسلك السالم بلطف إلى نهاياتها، والخبير هو العلم بمآلات الأمور، وهذا مناسب للحديث عن الإتيان بالحبة من قلب الصخرة أو

أين عود عزم الأمور؟

على كل ما سبق من الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على المصاب.

 

 


Map Shot 1

 

Map Shot 2

 

Map Shot 3

Map Shot 4

 

Map Shot 5Map Shot 6

Map Shot 7

 

Map Shot 8

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved