(تعريف بأهل الفلاح)
(تعريف بأهل الفلاح)
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)
ما مناسبة هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة؟
هذا المقطع يحتوي على النصف الأول من المقصد ألا وهو ( إثبات الفلاح للمؤمنين ) ومناسبته للمقصد واضحة غاية الوضوح، وكأنها الأصل الذي تتفرع منه باقي مواضيع السورة، ولقارئ أن يتساءل ما هي صفات هؤلاء المؤمنين الذي علق الله الفلاح بها، وما هي الأفعال التي أتوها لينالوا درجة الفلاح، فجاء الآيات من الثانية حتى الحادية عشرة تبين هذه الصفات مفصلة وذكرت منها ست صفات ابتدأت بالصلاة واختتمت بها، وكأنه لما أطمع هؤلاء المؤمنين بالفلاح كان ذلك مظنة لسؤاله عن تفصيل ما أمر به من أمور الإيمان ليمتثلها طالب الفلاح.
ما دلالة جمع العبادات والأخلاق عقب ذكر الإيمان؟
جمعت هذه السورة الكريمة “سورة المؤمنون” بشكل بديع بين المعاني العقدية والتعبدية والأخلاقية السلوكية..
فهي سورة تركز في أغلب محاورها على التذكير بتلك الأمور الغيبية المرتبطة بالجانب العقدي..
ومع ذلك فهي تشير في آيات واضحة إلى الدعوة إلى أمور تعبدية في غاية الأهمية ..
وفي الوقت ذاته هناك أمور سلوكية أخلاقية لا بد أن يتصف بها صاحب الوصف الكامل “المؤمن” الذي وصفه الله بالفلاح في بداية السورة ..
وقد ذُكرت هذه الأمور الغيبية والعبادية والأخلاقية في هذه السورة الكريمة في صورة تلفت إلى الانتباه، وتحرك العقول..
فبدأ الله بذكر الإيمان المرتبط بالجانب العقدي .. ثم ذكر الله الصلاة والخشوع فيها الذي يشمل الجانب العبادي ثم أمر الله بالإعراض عن اللغو ،المرتبط بالجانب الأخلاقي، بعد ذكر العبادة مباشرة ..
وهكذا، الزكاة عبادة ، حفظ الفروج خُلُق، حفظ الأمانة ومراعاة العهد خُلُق، المحافظة على الصلاة عبادة…
وهذا التداخل والترابط بين الجانب العقدي والعبادي والأخلاقي في هذه السورة الكريمة ،التي هي من السور المكية ،التي تركز على الجانب العقدي والتذكير بأمور الآخرة ، إنما هو لإظهار آثار العقائد والعبادات ، إذا تحققت بالتوازن المطلوب، على السلوك الإنساني.
فنحن نرى حال بعض الملتزمين من المسلمين ، ومن يظهر عليه الصلاح ؛ فهم في أمور العبادات المحضة على خير كثير .. ولكن نجد أن هناك تباين في شخصياتهم بين العبادة والتدين ، وبين السلوك والأخلاق.. إما مع الله أو مع أنفسهم أحياناً أو مع الآخرين في أغلب الأحيان..
وبالمقابل فإننا نجد من المسلمين من يمتلك أخلاقاً عالية وسلوكاً طيباً ، لا سيما مع الآخرين.. لكنهم مقصرون في الجانب التعبدي وفي تدينهم واستجابتهم لتعاليم هذا الدين العظيم..
مما يجعل الإنسان ينظر إلى أولئك باستغراب وإلى هؤلاء بحيرة وحسرة..
لأن الأصل في شخصية المسلم الحق أن يجمع بين هذه الأمور كلها..
لا إيمان بلا عمل، والعبادات والأخلاق إنما هما وجهان لكتاب واحد عنوانه العقيدة.
ما مناسبة الابتداء بالصلاة والانتهاء بها؟
أول صفة في صفات المؤمنين كانت ( الخشوع في الصلاة ) وآخر صفة كانت ( المحافظة على الصلوات )
الأولى: تدل على إتقان الصلاة.
والثانية: تدل على المداومة عليها.
وجاء بينهما عدد من الصفات كلها سلوكيات وكأن الآيات في تموضعها ترجمة لقول الله تعالى ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) فالخشوع في الصلاة والمحافظة عليها أوقاتا وأركانا وما دون ذلك من أفعال هو المقصود بالإقامة وكأنها سور يحيط بتلك الأخلاق ويحميها
كما أنه حصل بذلك تكرير ذكر الصلاة تنويها بها، وردا للعجز على الصدر تحسينا للكلام الذي ذكرت فيه تلك الصفات لتزداد النفس قبولا لسماعها ووعيها فتتأسى بها.
ما دلالة توسط ترك اللغو بين الصلاة والصدقة؟
هذا الموضع الذي اتخذته هذه الصفة من أبلغ الدلالات على أهمية هذه الصفة وكونها جزء من العبادات مثل الصلاة والزكاة، وقد جاء مثل هذا في سورة الشورى في قضي الشورى، والخلاصة أن توسط هذه الصفة بين أهم ركنين من أركان الإيمان لا يفترقان عادة في كتاب الله ولا يكاد يذكران إلا سوية، إشارة من الشارع الكريم إلى أهمية هذه الصفة التي قد يغفل عنها كثير من الناس ويعتبرها من المكملات والفضائل فيغفلون عنها ولا يلقون لها بالا فجاءت الآيات بهذا الترتيب لتلفت النظر جليا إلى أهمية مثل هذا الأمر.
والإعراض عن اللغو من خلق الجد ومن تخلق بالجد في شؤونه كملت نفسه ولم يصدر منه إلا الأعمال النافعة، كما أن الانغماس في اللغو هو صرف للأعمار فيما لا ينفع من الأعمال، وبالتالي كان تبذيرا لموارد محدودة في ما لا فائدة منه، وهذا عين السفه، والإسلام حث على البحث عن المعالي وارتفاع الهمم.
كما أن اللغو والذي هو الاشتغال فيما لا ينفع من أعظم الموانع عن الخشوع لذلك ذكرت بعدها مباشرة.
ما مناسبة التثنية بذكر المحافظة على الصلاة بعد الخشوع فيها؟
التثنية هذه إشارة إلى ضرورة اجتماع أمرين في نجاح الأعمال:
الأول إتقانها
والثاني: المداومة عليها
فإتقان العمل والمداومة عليه من أعظم أسباب النجاح فيه، ومن صفت له صلاته صفت له دنياه وآخرته، وكان الفلاح.
كما أن فيها ردا للعجز على الصدر وتحسينا للكلام الذي ذكرت فيه تلك الصفات لتزداد النفس قبولا لسماعها ووعيها فتتأسى بها.
ما مناسبة ذكر هذه الصفات الستة وترتيبها ؟
أغلب الظن أن مثل هذه الصفات تذكر على سبيل الإجمال لا على سبيل الحصر.
ما مناسبة إظهار كلمة الخلق في قوله ( وما كنا عن الخلق غافلين ) بدلا من قوله ( وما كنا عنكم غافلين ) ؟
هذا الإظهار بدلا من الإضمار إشارة إلى التعليل، والمعنى ما كنا عنكم غافلين لأنكم مخلوقاتنا فنحن نعاملكم بوصف الربوبية وفي ذلك تنبيه على وجوب الشكر والإقلاع عن الكفر.
ما مناسبة تنكير ذهاب؟
التنكير هنا للتفخيم والتعظيم ومعنى التعظيم هنا تعدد أحوال الذهاب به من تغوير إلى أعماق الأرض بانشقاقها بزلزال أو نحوه، ومن تجفيفه بشدة الحرارة ومن إمساك إنزاله زمنا طويلا.
ما مناسبة إفراد شجرة الزيتون بالذكر؟
إفراد الشيء بالذكر عن أقرانه إنما يكون تنويها بشأنه وهذا ظاهر في شجرة الزيتون لكثرة منافعها لأن من ثمرتها طعاما وإصلاحا ومداواة.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved