( تسلية وتثبيت )

( تسلية وتثبيت )

 قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) 

ما موضوع هذا الفصل، وما هي مناسبته لما قبله، وما هي مناسبته لمقصد السورة؟

عرض المقطع السابق لوحة بديعة من مظاهر تفرد الله بالوحدانية في هذا الكون الكبير، ويأتي هنا لوحة أخرى من أبدع ما يكون، وهي لا تدور كسابقتها حول قضية واحد ( أإله مع الله ) ولكنها تتناول عدة قضايا تدور كلها في في فلك واحد وهي قضية التعامل مع المدنية المادية الحضارية، وهذه القضايا هي: 

قضية الغيب يتبعها إشارة إلى قضية الآخرة والعلم بها

قضية البعث والجواب عنها 

تسلية وتثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم 

قضية استعجالهم بالعذاب 

حديث مفاجئ غير متوقع عن بني إسرائيل والقرآن

وينتهي الفصل بتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى، وهو المقصود الأكبر من هذا الفصل، وآخر حبة في عقده. 

وسيأتي تباعا مناسبة الحديث عنها، ويبقى أمر أخير وهو اجتماع هذه المواضيع التي يبدو للقارئ المتعجل أنها متنافرة مفترقة لا يجمع بينها جامع، والذي يظهر والله أعلم أن المراد من اجتماعها في هذا الموضع الإشارة إلى ارتباطها ببعضها البعض خاصة وأنها جاءت متداخلة متلاحمة يغيب أحدها ليظهر الآخر والعكس بالعكس.

ما مناسبة البداية بالحديث عن الغيب؟ 

يأتي الحديث عن الغيب هنا استكمالا للوحة السابقة وحديثها عن أمور لا يملكها سوى الله ولا يستطيعها سوى الله, وبعد أن كانت الآيات السابقة تستفتح بقوله: أمن، جاء هذه الآية لتأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول، يقول بأنه لا يعلم أحد الغيب إلا الله، وقيل في المراد بالغيب معنيان: 

الأول: الغيب مطلقا، وكأنه استخدم هذا المعنى للولوج إلى الحديث عن البعث ووقته، فكما أنه من المعلوم الذي لا ريب فيه أنه لا يعلم أحد الغيب، فكذلك ستكون الآخرة وهم في غفلة منها ولن يشعروا بها إلا تبغتهم فجأة. 

الثاني: الغيب هنا بمعنى وقت قيام الساعة حيث سألوا عنها مستعجلين إياها، وهو قول وجيه، خاصة أن الحديث بعده يستمر في نفس السياق. 

وقد وقف الإنسان منذ بدء الخليقة أمام ستر الغيب المحجوب لا ينفذ إليه علمه ولا يعرف مما وراء الستر المسدل إلا بقدر ما يكشف له منه علام الغيوب، ولو علم الله أن في كشفه مصلحة أو حاجة لكشفه لذلك الإنسان المتطلع الشديد إلى ما رواءه. 

ويأتي الحديث عن الغيب هنا استكمالا لتعرية الإنسان العاجز مهما ملك من أسباب المدنية والمادية، ومما اعتقد أنه امتلك زمام الأمور وسيطر عليها، وقد منحه الله مواهب وطاقات واستعدادات وقوى ليعينه على تحقيق مقصد العبودية في الأرض، ولا زيادة، والغيب هنا لو قلنا بمفهمه العام، لا يعني المستقبل فقط على الرغم مما نراه من لهاث الإنسانية نحو معرفته فيما يسمى بكبسولات الزمن وما شابه، ولكنه يعني ما غاب عن علمه ومعرفته من الأمور الحاضرة التي تجري دون أن يدري بها، وما أكثرها سواء كانت في الآفاق أم في الأنفس. 

ما تفسير قوله تعالى ( بل ادارك علمهم في الآخرة )؟ 

الآية هذه تحوي ثلاثة مقاطع: 

بل ادارك علمهم في الآخرة 

بل هم في شك منها 

بل هم منها عمون

وقد وردت قراءات عديدة في القسم الأول منها على عدة معان: 

الأول: اضطرب علمهم في الآخرة واختلط، فيكون المعنى بل اضطرب علمهم في الآخرة على الرغم من كل هذه البينات، بل هم في شك منها، بل هم منها عمون. 

الثاني: بمعنى اضمحل وانتهى، فكأنهم أعرضوا عن هذه الآيات المذكورة سابقا – سواء كانت حال الأقوام المكذبين أو الآيات الكونية – حتى نسوا ذكر الآخرة، وغاب عنهم علما تماما، ثم هم في شك منها ثم هم منها عمون. 

الثالث: على العكس من المعنى السابق، أي اكتمل علمهم بالآخرة – وفي هنا بمعنى الباء – بسبب ما جاء من الآيات التاريخية والكونية، ومع ذلك أعرضوا عنها وغفلوا عن هذه الآيات حتى صاروا في شك منها بل صاروا في عمى تام عنها. 

الرابع: قريب من الأول وهو: أنه اكتمل علمهم حال كونهم في عرصات الآخرة، حال معاينتهم لها شهودا، فهذا حالهم في الآخرة علم متكامل، أما في الدنيا فهم في شك منها بل هم منها في عمى تام. 

الخامس: أدرك أي استوى، أي استوى علم الجميع بها عدما، فلا يعلم موعدها أحد كما جاء في حديث جبريل عليه السلام ( ما المسؤول بأعلم من السائل ). 

والذي يبدو لي والله أعلم أن كل هذه المعاني محتملة يحتملها السياق ولا يصار إلى ترجيح معنى على معنى إلا أن يكون هناك حجة تطمئن النفس لها والله أعلم. 

بل أقول أن من الإعجاز اللغوي الإتيان بمثل هذه العبارات الوجيزة التي تحتمل كل هذه المعاني حتى أن العقول لتحار كيف تقلب مثل هذا الكلام فيأتي في كل مرة بلون مختلف وشعور مختلف وإحساس مختلف. 

ما مناسبة الكلام بعدها؟ 

الكلام بعدها مستمر في الحديث عن الآخرة وعن الذين هم عنها ( عمون ) يكذبون بها ولا يؤمنون بها، فهو ههنا يذكر شبهة يطرحها من لا يؤمن بالآخرة ويذكر الرد عليها مستدلا بما جاء في أولها من قصص وما آلت إليه أحوال المكذبين المجرمين، قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة المجرمين وفي هذا عودة على ما جاء سابقا من قصص المهلكين الذين أهلكهم الله، وهكذا تبنى المعاني على بعضها في السورة الواحدة. 

ما مناسبة قوله تعالى بعدها: ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون؟ 

كانت الرحمة والشفقة من النبي صلى الله عليه وسلم هي الغالبة عليه فلما ذكر سابقا إنذارهم بهذا الوعيد أتبعها مباشرة بنهيه صلى الله عليه وسلم عن الحزن عليهم لما يعلم جل وعلا من تحرك مشاعة الشفقة في نفسه، فربط على قلبه بهذا التشجيع ألا يحزن عليهم إن أصابهم ما أنذروا به كما أصاب الذين من قبلهم. 

هذا في ما يتعلق بالحزن والحزن يكون لما مضى من الأمر، أما بخصوص ما يستقبل فقد كان صلى الله عليه وسلم في ضيق بسبب مكرهم، والحديث عن المكر هنا ليس غريبا، فهو متصل بخيط دقيق بحديث مكر ثمود بصالح عليه السلام، ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون )، فكأن هذا القرآن يروي القصة ثم يستخلص منها عبرة يسقطها على الواقع الحالي واقع النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما هي سنن واحدة يجري بها الكون، فيقص علينا القرآن خبر ما سبق لنعتبر في حاضرنا، ونستشرف مستقبلنا، فيعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن عاقبة مكر قومه ومن بعدهم إلى بني إسرائيل لن تكون إلا كعاقبة مكر ثمود بصالح عليه السلام، فيطمئن قلبه وتهدأ نفسه، لا بل تهدأ نفس كل داعية على دربه إلى يوم القيامة. 

ما مناسبة قوله تعالى ( ويقولون متى .. ) الآية والتي تليها؟ وما هي المعاني التي ينتهي إليها الكلام هنا؟

هذا استمرار لحكاية علاقتهم بالآخرة فهم ليسوا عنها عمون وحسب، ولم يكذبوا بها فحسب، بل يستهزؤون بها ويستعجلون عذابها، فجاءهم الجواب مباشرة: أن قد اقترب منكم وأزف لكم بعض ما تستعجلونه من العذاب، سواء كان هذا في تمكين النبي صلى الله عليه وسلم منكم، أو كان بعد موتكم. 

وهذا كله جار مجرى الرد على شبهاتهم فيما يتعلق بالآخرة، وتهديدهم فيما يقابلون بها أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بخصوصها. 

ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر عسى هنا من الله عز وجل؟ 

وعسى ولعل وسوف في مواعيد الملوك بمنزلة الجزم بمدخولها، وإنما يطلقونها إظهاراً للوقار، وإشعاراً بأن الرمز من أمثالهم كالتصريح ممن عداهم، وعلى ذلك يجري الله وعيده، وهي دالة على صدق الأمر وجده، وما لا مجال للشك بعده، وإنما يعنون بذلك إظهار وقارهم كما قلنا، وأنهم لا يعجلون بالانتقام لإدلالهم بغلبتهم وقهرهم، ووثوقهم أن عدوهم لا يفوتهم، وأن الرمز إلى الأغراض كافية من جهتهم. 

ما مناسبة قوله تعالى بعدها ( وإن ربك لذو فضل على الناس .. ) الآية؟ وما هي المعاني التي ينتهي إليها؟

هذا في بيان فضل الله عز وجل في تأخير العذاب عنهم، ولولا فضله لهلكوا ولهلكوا جميعا من ساعتهم، وهذا استكمال لسياق التهديد السابق، فكأنه يقول لهم: اقترب لكم ما تستعجلون من العذاب ولولا فضل الله عليكم ورحمته لأدرككم من فوركم.

والغرض من هذا الكلام هنا هو تهديد المشركين وتذكيرهم بفضل الله عليهم أن أخر عنهم العذاب، لعلهم يؤمنون ويرجعون، وفيه أيضا تطمين للنبي صلى الله عليه وسلم ومن خلفه من الدعاة بأن الله ليس بغافل عن المشركين وما يفعلونه بهم، فإن علموا هذا استبشروا وثبتوا وسكنت قلوبهم. 

ما مناسبة قوله تعالى بعدها ( وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم .. ) الآية، والتي تليها؟ وما هي المعاني التي ينتهي إليها؟

جاء هذا المعنى بعد سابقه من الحديث عن فضل الله بتأخير العذاب عليهم، وأن هذا التأخير جاء على الرغم من معرفته جل وعلا لما تكن صدورهم من العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وثنى بعدها مباشرة بما هو أعظم، بمعرفة الله وعلمه بكل ما يغيب عن الخلق إن في الأرض أو في السماء. 

والغرض من هذا كله زيادة في تهديد المشركين بعد أن امتن عليهم بتأخير العذاب عنهم، فهو مطلع على كل خفاياهم، كما كان مطلعا على كل خفايا ثمود إذ أرادوا الغدر بنبيه،  ناهيك عما يعلنون من العداوة والكفر والتكذيب. 

 ثم يحدث الله عن نفسه بما لا تدركه العقول فهو الذي يعلم كل شيء يغيب عن غيره إن كان في الأرض أو في السماء، فكفى بهذا الرب العليم المطلع على كل شؤون خلقه أن يكون قادرا على كل شيء. 

وكل هذه المعاني – أقصد الحديث عن علم الله لما يخفى ولما يظهر – مسوق سياق التهديد للمشركين المكذبين، فإنهم لو استحضروا علم الله لما يخفون وما يعلنون ارتدعت نفوسهم وأقبلت على الإيمان، وفيها أيضا تطمين للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه ومن بعدهم، فإنهم لو استحضروا علم الله ما يخفي أعداؤهم وما يعلنون اطمأنت نفوسهم وانشرحت صدورهم وسكنت نفوسهم. 

ما مناسبة ذكر بني إسرائيل في هذه السورة المكية؟ وما هي علاقتهم بمقصدها؟

عند نزول هذه السورة لم يكن لبني إسرائيل احتكاك يذكر مع المسلمين وكان جل صراعهم مع قريش، إلا أن هذه السورة جاءت لتحضر المسلمين لذلك الصراع الذي ستمتد فصوله إلى آخر الدنيا حتى يجتمع اليهود بأكناف بيت المقدس فيقتلهم المسلمون، ليس هذا فحسب بل إن مهمة المسلمين ستمتد لإنقاذ البشرية جمعاء منهم، وقلع جذورهم من النظام العالمي الحالي الذي يتحكمون فيه لتنعم البشرية كلها بالسلام، ولا غرابة في ذلك فالذي أنزل هذا القرآن يعلم فصول الصراع وحلقاته كلها من أولها لآخرها، وهو كما وصف نفسه: هدى وبشرى للمؤمنين، لا للمؤمنين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فحسب بل في كل عصر وأوان، ولا نبالغ إن قلنا بأن هذا العصر من العصور التي تحتاج فيها البشرية إلى القرآن أشد من أي وقت مضى.

وعلاقتهم بالتقدم العلمي المدني لا تنتطح فيها عنزتان، فهم يسيطرون على رؤوس الأموال والشركات العابرة للقارات وشركات الإعلام والأسلحة والأدوية والنفط والصناعة، وقد جنحوا بالبشرية نحو الهلاك كما نراه في كل يوم، فجاءت هذه السورة لتكون هدى للأجيال اللاحقة من المسلمين الذين شهدوا هذه العلاقة، ربما لا يدرك السابقون مثل هذه العلاقة لأنهم لم يشهدوها، إلا أن القرآن لا تنتهي عجائبه وهو بحق هدى ورحمة للمسلمين على طول الزمان. 

ما مناسبة قوله بعدها: وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين وما بعدها؟ 

هذا فيه تعريض بهم بأن أكثرهم لن يؤمن ولن يكون لهم رحمة على الرغم من أنه يقص عليهم أكثر الذي يختلفون فيه، فكأنه يقول لهم: سيكون لكم هدى ورحمة إن آمنتم به، ولكنكم لن تؤمنوا وسيحكم الله بينكم بحكمه، الذي رفضتهم الانصياع له في الدنيا.

ما مناسبة التذييل بالعزيز العليم؟ 

في بداية السورة جاء وصف المولى جل وعلا بأنه حكيم عليم وهنا جاء وصفه بالعزيز العليم، والعزيز هنا أنسب لما سبقها من حديث عن تهديد المشركين، والعزيز الغالب، فأضاف الحكمة إلى العلم في وصف نفسه حيث لزم وأضاف العزة إلى العلم في وصف نفسه حيث ناسب، تبارك ربنا وتعالى. 

ما مناسبة قوله تعالى بعد هذا كله ( فتوكل على الله ) .. الآية وما بعدها؟

الفاء هنا ترتب ما بعدها على ما قبلها، وكأنه تقول للتالي المتدبر: إذا علمت كل ما سبق من الجواب عن شبهاتهم في تكذيبهم، وعلمت قدر الله عز وجل وعلمه البالغ كل شيء فتوكل على الله. 

والتوكل على الله: جعله وكيلا لك يتصرف في شأنك ما يشاء. 

وبعد الأمر بالتوكل ذكر نقطتان: 

أن النبي على الحق الواضح الجلي

أنه لا يهدي من لم يرد الهدى وإنما يهدي من آمن بالآيات وانقاد واستسلم لها. 

وكأن الثانية تجيب عن تساؤل تثيره الأولى، وكأن الداعي إلى الله يسأل نفسه: طالما أني على الحق لماذا لا يؤمن بي الناس؟ فيأتي الجواب: أن الهدى لا يكون إلا لمن يسمع وأن العلة ليست في الهدى نفسه وإنما في المعرض عنه.

والغرض من هذا كله تطمين قلب الداعية حتى يمضي في طريقه لا يبالي لا بمن آمن ولا بمن كفر. 

وهذا فيه خيط رفيع متصل بما حصل من ملكة سبأ حين آمنت بالآيات واستسلمت لها وقالت كلمتها ( أسلمت مع سليمان لله رب العالمين )، فتأتي القصة تحكي الحدث ثم يعقب القرآن بعدها بحديث تتصل خيوطه بمعاني القصص وأحداثها. 

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved