( آيات الساعة )

( آيات الساعة )

وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) 

ما موضوع هذا الفصل، وما هي مناسبته لما قبله، وما هي مناسبته لمقصد السورة؟

يعود هذا المقطع مرة أخرى للحديث عن الآخرة، لكنه لا يتحدث عنها مربوطة بالغيب وبالإيمان به، ولكنه يتحدث عنها مبتدئا بمقدماتها، الدابة خاصة، ثم يعرض لبعض مشاهدها. 

وقد تكلم الرازي بكلام طيب ننقله ههنا: اعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى بَيَّنَ بِالدَّلائِلِ القاهِرَةِ كَمالَ القُدْرَةِ وكَمالَ العِلْمِ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِما القَوْلَ بِإمْكانِ الحَشْرِ، ثُمَّ بَيَّنَ الوجه في كَوْنِ القُرْآنِ مُعْجِزًا، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ تَكَلَّمَ الآنَ في مُقَدِّماتِ قِيامِ القِيامَةِ، وإنَّما أخَّرَ تَعالى الكَلامَ في هَذا البابِ عَنْ إثْباتِ النُّبُوَّةِ، لِما أنَّ هَذِهِ الأشْياءَ لا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُها إلّا بِقَوْلِ النَّبِيِّ الصّادِقِ، وهَذا هو النِّهايَةُ في جَوْدَةِ التَّرْتِيبِ. واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ تارَةً ما يَكُونُ كالعَلامَةِ لِقِيامِ القِيامَةِ، وتارَةً الأُمُورَ الَّتِي تَقَعُ عِنْدَ قِيامِ القِيامَةِ.

والمتأمل في هذا المقطع يلفت نظره كثرة ذكر ( آيات ) بكثرة خاصة في أول آيات المقطع، وهذا أيضا مناسب لموضوع المقطع وهو الحديث عن آيات الساعة التي تكون قبلها وعن آياتها في الدنيا.

ما هي شكل الدابة الخارجة هذه وما هو مكان خروجها وهل هي واحدة أو متعددة؟

هذا كله من الأمور التي لم يثبت فيها خبر ولا فائدة من البحث في مثل هذا وقد تكلم بعض المفسرين في مثل هذا الكلام وأطالوا به وهو كما قال أبو حيان: ( نقله تسويد للورق بما لا يصح وتضييع لزمان نقله ) فالذي ينبغي للمعتني بمعاني القرآن أن يعرض عن مثل هذا وينصرف إلى الأسئلة الصحيحة التي تفيده. 

ما مناسبة الحديث عن الدابة هنا؟ 

ظهر لنا من المناسبات أربعة والله أعلم: 

الأولى: أن السورة مليئة بوقائع منطق العجماوات، منطق الطير ثم كلام الهدهد وكلام النملة، فناسب أن يذكر هنا آية الدابة ولو بحثت في القرآن عن مكان أليق لما وجدت. 

الثانية: تقسيم الناس الذي سبق ذكر الدابة مباشرة، فقد قسمهم القرآن قسمين: الأول طبع على قلبه وعلم أنه لا يؤمن حتى يعاجله الهلاك، وقسم كتب الله له السعادة فيؤمن سريعا أو بطيئا قبل الوفاة، وهذا تماما ما يحصل يوم خروج الدابة، فينقسم الناس قسمين قسم مؤمن خالص وقسم كافر طبع الله على قلبه، فتأتي هذه الآية لتفرق الناس على هذه الشاكلة، وقد ورد في الآثار أن خروجها يكون يوم لا يأمر الناس بمعروف ولا ينهون عن منكر. 

الثالثة: أنها من الآيات التي ستكون بين يدي الساعة والسورة مليئة بالحديث عن الساعة، وقبل الحديث عن أحداثها جاء الحديث عن بعض آياتها التي تسبقها هنا، وكله مما يثير الإيمان في النفوس. 

الرابعة: أنها من الآيات التي لا ينفع الإنسان الإيمان يومها كما جاء في الأحاديث، فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :” ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا [لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إيمانها خيراً: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الْأَرْضِ ” فحينا لا ينفع نفس إيمانها، وهذا فيه استمرار لما سبق كما ذكرنا وفيه تهيئة وتوطئة لما سيأتي لاحقا من الحديث عن القوم الكافرين حين لا ينفعهم ما سيقولون ( ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ). 

ما تفسير قوله تعالى ( وإذا وقع القول عليهم )؟

الظاهر أنه كما نقل القرطبي: وجب الغضب عليهم إذ صاروا لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، وهذا مناسب لما ذكر سابقا من تفرق الناس إلى مؤمن وكافر. 

وقد روي عن حفصة بنت سيرين أنها سألت أبا العالية عن قوله تعالى ( وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ) فقال: أوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، فقالت: وكأنما كان على وجهي غطاء فكشف. 

وقيل في القول ثلاثة معان: 

العذاب

الغضب 

الحجة 

وكله قريب يحتمله السياق ويؤدي معنى واحدا.

ولا ينطقون: 

إما أنهم لا يجدون عذرا يعتذرون به

أو لشدة الموقف لا ينطقون وقد ظهر باطلهم

أو يختم على أفواههم فلا ينطقون.

ما مناسبة ذكر حديث الدابة هنا ( أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون )؟

ذكر الحديث بذاته في غاية المناسبة لموضع الحديث في فصل مليء بالحديث عن الآيات، فهي في نفسها آية، وتكلم الناس وهذه آية أخرى. 

الأمر الثاني أن الآية قرئت على وجهين: 

الأول: تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، بفتح الهمزة، فيكون المعنى أن مقولها هو: الناس كانوا بآيات الله لا يوقنون، وهذا شيء عجيب كل العجب، أعجب من الدابة نفسها، فكيف لا يؤمن هؤلاء مع توافر أدلة صدق القرآن وأنه من عند الله وأنه هو خالق الناس وجاعلهم خلفاء ومسخر لهم شيئا من التقدم المدني حتى يرتاحوا فالواجب عليهم الإيمان به والانقياد له. 

الثاني: تكلمهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، بكسر الهمزة على الاستئناف، فيكون تمام معنى الجملة في قوله تكلمهم، كأن هذا أمر عجيب في نفسه، ثم يكمل الحديث: إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون فتأتي هذه الآية المعجزة في وقت طمس على قلوبهم بالكفر التام وصاروا لا يؤمنون بالآيات فتصمهم بالكفر كما بينا سابقا.

وربما كان من مناسباتها أنها تنزل على قوم لا يعرفون معروفا ولا ينتهون عن منكر، والتقدم المدني المادي مظنة مثل هذه الأمور حيث يطغى الناس ويبغون نتيجة انفتاح الدنيا عليهم. 

وربما كان أيضا من مناسباتها تهديد الكافرين بمثل هذا العذاب الذي قد يأتيهم، فكما أن الدابة تخرج على مثل هؤلاء القوم، فكذلك كفر الكافرين اليوم مظنة نزول الآيات عليهم أيضا.

وربما كان وراء الأكمة ما وراءها ووراء الحديث عن الدابة معان أعمق لم ييسر كشفها والله أعلم. 

ما مناسبة الانتقال إلى الحديث عن هذا المشهد من مشاهد الآخرة بعدها؟ 

بعد تم الحديث عن الدابة كأحد أشراط الساعة انتقلت النافذة إلى مشهد من مشاهد الآخرة نفسها، لتنقل لنا مشهدا مناسبا لما مضى، في حديث كله حشر ووزع وتكذيب بالآيات وعدم إحاطة بها علما ووقوع القول عليهم وعدم تمكنهم من النطق، في مقابل عجماوات تنطق على طول السورة، وتأمل ارتباط الحشر هنا مع صورة الحشر في قصة سليمان، وتأمل ارتباط الوزع هنا في الوزع في قصة سليمان وتأمل ارتباط التكذيب بالآيات بقصص فرعون وثمود وقوم لوط، وتأمل سؤال الله لهم بعدم إحاطتهم بالعلم بالحديث المستمر عن العلم منذ بداية السورة إلى آخرها، وتأمل وقوع القول عليهم في هذا المشهد وارتباطه بوقوع القول عليهم آنفا يوم تخرج عليهم الدابة،  فتبارك الله منزل هذا الكتاب، اللهم إنا نشهد أنه كتابه وأنك منزله وأنه الحق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا يستطيع أحد من خلقه أن يأتي ولا بسورة من مثله. 

وهنا يسألهم الله عز وجل: مبكتا إياهم ومؤنبًا لهم: أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أماذا كنتم تعملون؟ وقيل فيها معنيين: 

الأول: ألم تعرفوها حق معرفتها وسارعتم بالتكذيب بها كما قال ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه )

والثاني: أكذبتم بها وقد عرفتوها حق معرفتها، لأن الألف إذا دخلت على النفي نقلته إلى الإيجاب.

ثم يقول لهم أم ماذا كنتم تعملون: يعني في ما أمرتكم ونهيتكم عنه، أو ماذا كنتم تعملون حتى شغلكم ذلك عن النظر فيها والتفكر في معانيها، فإن كان لكم حجة فهاتوها؟

ومعنى الكلام كله راجع إلى التوبيخ والتقريع، والحديث هنا عن الآيات القرآنية أي عن الوحي المنزل.

والمعنى الأول متصل إلى قول ثمود لقومه ( لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة )، حيث استعجلوا الكفر قبل أن يتبينوا الإيمان ويتفكروا مغترين بما هم فيه من القوة والمدنية، بعكس ملكة سبأ حيث نظرت وتلبثت وانتظرت واختبرت صدق سليمان.

والمعنى الثاني متصل بتكذيب قوم فرعون ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) وبتكذيب قوم لوط ( وأنتم تجهلون ) 

ومن لطائف البلاغة أنه جاء بالاحتمال الأول مصرحا به وهو التكذيب لأنه هو الواقع منهم، وحذف معادله الثاني وهو التصديق تنبيها على انتفائه عنهم، وهذا تبكيت لهم ومثاله: أن تقول لراع عندك وقد علمت أنه راعي سوء: أتأكل نعمي أم ماذا تعمل بها، فتجعل ما ابتدأت به وجعلته أساس كلامك هو الذي صح عندك من أكله وفساده وترمي بقولك: أم ماذا تعمل بها، مع علمك أنها لا يعمل بها إلا الأكل، وكل ذلك لتبهته.

ويحتمل أن يكون معنى الاستفهام تقريرا وتكون أم متصلة ويكون المعنى: أكذبتم بآياتي أم لم تكذبوا فماذا كنتم تعملون إن لم تكذبوا فإنكم لم تتبعوا آياتي.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها قوله تعالى : بما ظلموا؟

هذا للإشارة إلى سبب وقوع القول عليهم، والتنبيه على أن الظلم سبب لوقوع العذاب على الناس. 

ما مناسبة قوله بعدها : ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه .. الآية؟ 

هذه واحدة من ( الآيات ) التي امتلأ هذا المقطع بالحديث عنها، وهي جعل الليل سكنا والنهار مبصرا، ومما يؤيد ذلك تذييل الآية بقوله: إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون. 

ولم يقل: جعل النهار لتبصروا فيه، بل قال: والنهار مبصرا، بينما قال: جعل الليل لتسكنوا فيه، لأن السكون في الليل هو المقصود من اليل، وأما الإبصار في النهار فليس بمقصود بل هو وسيلة إلى جلب المنافع الدينية والدنيوية بالانتشار فيه.

فذكر السكون أولا دليل على الانتشار ثانيا وذكر الإبصار ثانيا دليل على الإظلام أولا، وهذا من الاحتباك.

ما مناسبة التذييل بقوله تعالى: إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون؟ 

المتأمل في السورة يلحظ أن من المعاني البارزة فيها تخصيص الهداية بالمؤمنين، وكأن هذه الجملة تقول للقارئ المتدبر: أن مثل هذه الآيات – تقلب الليل والنهار – لا ينتبه لها ولا يلتفت لها إلا المصدقون بالله وأخباره التي ألقاها على نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي هذا خيط أوله في قوله تعالى ( هدى وبشرى للمؤمنين ) ويمر على قوله تعالى ( وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين ) وآخره في هذه الآية. 

ما وجه وصف النهار بأنه مبصر؟ 

أي: يبصر فيه، كما يقال: ليل فلان نائم إذا نام، ونهار فلان صائم إذا صام بالنهار(١). وذلك أن الفعل لما كان يحصل في الظرف جاز أن يسند إليه، كما قال:

فنامَ ليلي وتجلَّى همي

ما مناسبة العودة إلى مشاهد الآخرة بعدها في قوله تعالى: ويوم ينفخ في الصور ..؟ وما مناسب الحديث عن الفزع هنا؟

المتأمل في الحديث هنا يرى أن الحديث ينتقل فجأة من الحديث عن الآخرة ومشاهدها، إلى الحديث عن الآيات في الدنيا: 

فيذكر مشهد الحشر 

ثم يذكر آية الليل والنهار 

ثم يرجع إلى مشهد النفخ في الصورة والفزع 

ثم يعود إلى ذكر آية الجبال وحركتها سابحة في الفضاء. 

ومثل هذا الاحتباك يراد منه والله أعلم إظهار ارتباط المعاني، واتصالها ببعض وهو اعتراض لهذه الآيات بين تضاعيف الحديث عن مشاهد يوم القيامة ومثل هذا كثير في القرآن يؤتى به لبيان ارتباط معانيه. 

وقد ابتدأ هذا المقطع بالحديث عن نوع خاص من الحشر وهو حشر المكذبين للسؤال، ثم ثنى بهذا المشهد وهو الحشر العام، وابتدأ بحشر العذاب لأن مقصد السورة كلها في تبكيت المكذبين بالآيات فناسب أن يبدأ به، ثم إن هذا قد يورث في ذهن القارئ أن الحشر إنما هو خاص بهؤلاء، فجاءت آية النفخ لتؤكد على الحشر العام، الذي يستوعب جميع من في السموات والأرض، ومما يؤكد هذا تكرار ( من ) في قوله ( ففزع من في السموات ومن في الأرض ) أي كلهم جميعا واحدا واحدا فزعا لا يغادر أحدا منهم إلا من شاء الله. 

وخصت آية الليل والنهار للتنبيه على سرعة انقضاء الأجل والتهويل من قرب هجوم ساعة الموت ورود وقت المعاد فإن انقضاء الزمان مؤذن باقتراب ساعة المعاد. 

ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر الفزع بالماضي؟

ذكره بالماضي ليدل على وجود الفعل وكونه مقطوعا به حتمي الوقوع.

ما هو تفسير قوله تعالى ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب )؟ وما مناسبتها للآية التي قبلها.

أكثر المفسرين على أن الآية في وصف أحداث يوم القيامة، والأمر فيه نظر لعدة أسباب: 

الأول: أن الكلام هنا لا يناسب مقام التهويل والتخويف إذا أريد بها ما يحصل يوم القيامة لأنه قوله تعالى ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) لا يناسب مقام الإهلاك والإبادة. 

الثاني: أن سير الجبال للفناء يوم القيامة يحصل منه الهلاك والخراب وهذا شيء لا يراه أحد من البشر لأن المخلوقات تصعق من نفخة الصور فما معنى قوله إذا ( وترى )؟ 

الثالث: أن تسيير الجبال يوم القيامة إذا رآه أحد شعر به لأنه ما دام وضعها يتغير بالنسبة للإنسان فيحس بحركتها وهذا مناف قوله ( تحسبها جامدة ) بخلاف وضعها في الدنيا. 

الرابع: لا ينافي هذا ذكر يوم القيامة قبلها، فإن آية الليل والنهار وهي في الدنيا، ذكر قبلها مشاهد نم يوم القيامة، فهي مثل أختها آية الليل والنهار. 

وقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى وُجُوهٍ مِنَ التَّأْكِيدِ، وأنْحاءٍ مِنَ المُبالَغَةِ. فَمِن ذَلِكَ تَعْبِيرُهُ (بِالصُّنْعِ) الَّذِي هو الفِعْلُ الجَمِيلُ المُتْقَنُ المُشْتَمِلُ عَلى الحِكْمَةِ. وإضافَتُهُ إلَيْهِ تَعالى تَعْظِيمًا لَهُ وتَحْقِيقًا لِإتْقانِهِ وحُسْنِ أعْمالِهِ. ثُمَّ تَوْصِيفُهُ سُبْحانَهُ بِإتْقانِ كُلِّ شَيْءٍ، ومِن جُمْلَتِهِ هَذِهِ المُرُورُ. ثُمَّ إيرادُهُ بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى دَوامِ هَذِهِ الحالَةِ واسْتِمْرارِها مَدى الدُّهُورِ. ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِالحالِ، لِتَدُلَّ عَلى أنَّها لا تَنْفَكُّ عَنْها دائِمًا. فَإنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ﴾ [النمل: ٨٨] حالٌ مِنَ المَفْعُولِ بِهِ، وهو الجِبالُ. ومَعْمُولٌ لِفِعْلِهِ الَّذِي هو رُؤْيَتُها عَلى تِلْكَ الحالِ.

فالمراد والله أعلم هو الدلالة على حركة الأرض ومرور الجبال معها في الدنيا لا في الآخرة. 

وعلاقة هذه الآية بما قبلها هو أن جريان هذه الجبال سببه دوران الأرض وهذا الدوران هو ما يتسبب بتقلب الليل والنهار وانقضاء الآجال والأعمار ومضيها من عمر ابن آدم. 

ما مناسبة الختام بالحديث عن السيئة والحسنة؟

السيئة هنا بمعنى الكفر، والحسنة هنا بمعنى التوحيد، وفيها اتصال بما سبق من حديث صالح مع قومه حين قال لهم ( يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة ) أي بالكفر قبل أن تتلبثوا وتنظروا في شأن الإيمان والتوحيد. 

والحديث هنا أثاره ما سبق ذكره من الفزع الذي سيصيب أهل السموات والأرض في يوم النفخ في الصور، لأن الحديث عن الفزع والاستثناء بعده قد يثير تساؤلا لدى القارئ المتدبر: من هم الذي سينجون من هذا الفزع يوم القيامة؟ فيأتي الجواب في خضم هاتين الآيتين: من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون، في مقابل: من جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل يجزون إلا ما كانوا يعملون. 

فالفزع الأول العام فزع يصيب الكل لهول الموقف، ثم يؤمن من جاء بالحسنة ويستمر الفزع على المسيئين.

وذكر الانكباب على الوجه هنا أيضا متناسب مع ما مضى سابقا من قوله تعالى: وكل أتوه داخرين، أي أذلاء صاغرين، وأي ذلة وصغار كمن يكب على وجهه في النار. 

والآية من الاحتباك أن ذكر الخيرية والأمن أولا دليل على غياب المثل والخف ثانيا، وأن الكب في النار ثانيا دليل على الإكرام عنه أولا. 

ما مناسبة التذييل بقوله تعالى: هل يجزون إلا ما كانوا يعملون؟ 

ذكر سبب انكباب وجوههم في النار هنا وحذف فيما قبلها للإشارة إلى أن سبب آمن من جاء بالحسنة من الفزع هو أيضا ما كان يعمل هؤلاء من الأعمال الصالحة مما مر ذكره في مطلع السورة وفي أثناءها. 

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved