بين يدي السورة

 

سؤال الهداية في سورة الفاتحة

ما هي الأسماء الواردة فيها ؟

لها في الكتاب والسنة أربعة أسماء والباقي اصطلح عليه القراء، والذي يعنينا ما جاء به الوحي دون غيره :

فمن أسمائها السبع المثاني قال تعالى ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) وسميت مثاني لأنها تثنى أي تتكرر في كل ركعة.

ومنها: فاتحة الكتاب: روى مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ، فُتِحَ الْيَوْمَ، لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ، لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: ” أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ “

ومنها: أم القرآن: روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ” أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ ” وروى مسلم عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ” لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْتَرِئْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ” وروى مسلم أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: ” مَنْ صَلَّى صَلَاةً، لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَهِيَ خِدَاجٌ، ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ،

ومن أسمائها الصلاة: كما في حديث أبي هريرة عند مسلم سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ: مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ { 6 } صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ { 7 }، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ”

مكان نزولها؟

مكية على الصحيح فقد نزل وصفها بالسبع المثاني في سورة الحجر وهي مكية

كم عدد آياتها ؟

وعدّ آيها سبع، واختلفوا هل البسملة آية منها أم لا؟ فذهب مالك والأوزاعي وفقهاء المدينة والشام والبصرة- وقيل باستثناء عبد الله بن عمرو ابن شهاب من فقهاء المدينة- إلى أنها ليست بآية من أوائل السور لكنها جزء آية من سورة النمل، وذهب الشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وفقهاء مكة والكوفة غير أبي حنيفة، إلى أنها آية في

أول سورة الفاتحة خاصة، وذهب عبد الله بن المبارك والشافعي في أحد قوليه وهو الأصح عنه إلى أنها آية من كل سورة. ولم ينقل عن أبي حنيفة من فقهاء الكوفة فيها شيء، وأخذ منه صاحب «الكشاف» أنها ليست من السور عنده فعده في الذين قالوا بعدم جزئيتها من السور وهو الصحيح عنه.

والراجح أنها ليست آية منها وذلك لعدة أسباب:

منها: ما جاء في حديث أبي هريرة حيث جاء في بدايته: فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين، فابتدأ السورة بالحمد مما يدل على أن الحمد هي أولها، وهذا من أقوى الأدلة.

ومنها: الإسرار بها في القراءة كما في حديث أنس بن مالك قَالَ: ” صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] ” وهو في البخاري، والفصل في الإسرار والجهر بين البسملة وما بعدها قرينة في غاية القوة على أن البسملة ليست من الفاتحة.

ومنها: أنه لو اعتبرنا أن البسملة جزء منها لتكررت لفظتي ( الرحمن الرحيم ) مرتين فيها، وهو من مواضع الاختصار والتكرار في مثل هذه المواضع بخلاف الأولى.

ومنها: أنه أيضا على القول بأن البسملة آية مفتتحة كل السورة ما عدا براءة، لزم ذلك أن يكون مفتتح السورة واحدا وهذا ما لا يحمد في كلام البلغاء، بل إنهم اعتنوا بالفواتح والتأنق فيها غاية العناية، فكيف في أفصح الكلام.

وأما حجج المثبتين فإما بنص صريح غير صحيح لا يعارض ما ذكرنا من النصوص الصحيحة، وإما صحيح غير صريح بل بعيد في أكثر الأحيان، وليس المقام مقام تفصيل.

ولا يغرنك ترقيم مصحف المدينة أو غيره فإنه رقم بناء على القول بأنها منها ولا يستدل بترقيم المصحف على عدد الآيات، بل إن الآيات في بعض المصاحف الأخرى مرقمة بخلاف هذا الترقيم.

هل ثبت شيء في فضلها ؟

ورد في فضلها في الصحيحين أحاديث:

الأول: ما رواه البخاري: عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمفَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: ” أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ، ثُمَّ قَالَ لِي: ” لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ “، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: ” الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ

الثاني ما رواه مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ، فُتِحَ الْيَوْمَ، لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ، لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: ” أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ “

ءوالثالث: ما رواه البخاري ومسلم كلاهما عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لاَ تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ»، ثُمَّ قَالَ: «قَدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا» فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ومن المعاني التي تزيد هذه السورة أهمية وتزيدها بهجة وحلاوة، ما فيها من ( المناجاة ) والمناجاة هي الحديث سرا عما في النفس من العواطف والخواطر والأسرار، والبوح بدواخلها والكشف عن خبايا مشاعرها، وأكثر ما تكون مع الأحبة، وأعظم المحبوبات هو الله عز وجل وأعظم مناجاة هي مناجاته والطلب منه والانكسار بين يديه، ووكل الأمر إليه، والعوذ به، وكل هذا في هذه السورة فتأمل هذا المعاني، ولتستحضر نفسك أنك تناجي الله وهو يسمعك مقبل عليه وأنت تطلب منه كلما قرأت هذه السورة العظيمة.

وأهم ما يشير إلى فضلها لا من النصوص ولكن بالاستقراء والتتبع والإشارة البعيدة، عدد المرات التي أوجبت الشريعة أن تكرر فيها هذه السورة يوميا، وموضع هذه التكرارات وهي الصلاة، بل الصلاة لا تصح ولا تقبل إلا بها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت الذي رواه البخاري ومسلم «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ»، ومعلوم قدر الصلاة في الشريعة وليس هذا مقام شرحه.

فإذا عرفنا هذا: أن الشريعة ألزمت المسلمين بتكرارها في خمس دفعات وفي كل دفعة تكرر مرتين أو ثلاث أو أربع بحسب الركعات فيكون مجموع الواجب منها سبع عشرة مرة في الركعات المفروضة، وفي أهم ركن من أركان الإسلام، تبين لنا مكانة هذه السورة إذ أن هذا التكرار يراد منه أن تبقى هذه المعاني الموجودة في السورة حية في نفوس المسلمين وألا تغيب عن بالهم لحظة واحدة، وأن ليس للحياة قوام إلا بهذه المعاني التي أودعت في تلك السورة.

ومع أن هذا العدد الكبير اللازم للتكرار يوميا دليل واضح على أهمية السورة، إلا أنه يحمل في طياته أمرا خطيرا أصاب الجميع تقريبا، وهو قراءتها دون تفكير ودون تأمل ودون تدبر، إذ كما يقال كثرة المساس يذهب الإحساس، وكثرة التلبس بالنعم يذهب معرفتها من القلوب، فصرنا نقرؤها قراءة عابرة لأجل صحة الصلاة وحسب، وربما لا يتذكر أحدنا آخر مرة تأمل فيها في معاني أعظم سورة في القرآن، ولربما تعجبنا من إمام قرأ سورة الفاتحة فخشع، أو تعجبنا من رجل صلى قربك فخشع بعد افتتاح الصلاة مباشرة، ولتسائلنا علام الخشوع؟

ومن هنا تبدأ حكايتنا مع هذه السورة.

ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك، وما مناسبة الاسم للمقصد؟

أطال أهل العلم في الحديث عن مقصد هذه السورة وعن المعاني المودعة فيها باعتبارها أهم سورة على الإطلاق، إلا أن هذه الأهمية – فيما نرى والله أعلم بالصواب – ربما ابتعدت بالبعض بعيدا عن التركيز على المقصد إلى التوسع في الشرح والإطالة فيه إطالة زائدة عن الحد، وقد شرحها بعضهم في مجلدات أو في بضع عشر حلقة من الحلقات المرئية وكل من هذه الحلقات تزيد عن الساعة ، ومثل هذا قد يشتت القارئ بعيدا عن التركيز على المعنى المقصود والاهتمام به وتفعيله في حياته، ولطالما ألهى التكاثر.

والذي يظهر بعد التأمل في حديث أبي هريرة – والذي يعتبر نموذجا من الوحي في تبيان سير المعاني في السور – والذي يوضح سير المعاني في هذه السورة خاصة، الذي يظهر أن مقصد السورة هو (سؤال الله الهداية) وذلك في كلمة (اهدنا) والتي افتتح فيها حظ العبد من هذه السورة، وأما الآيات الثلاث الأولى منها فكانت كالمقدمة والتوطئة والتهيئة لما سيأتي بعدها، وهذا من عادة العرب في كلامهم، كما قال أمية بن أبي الصلت في مدح عبد الله بن جدعان:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني … حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يومًا … كفاه من تعرضك الثناء

وهذا الأسلوب معروف بل هو من طبيعة النفس البشرية فإنك إن كان لك حاجة إلى عظيم قدمت بين يدي حاجتك ثناءك عليه، فكيف بملك الملوك، فكيف وهو يحب المدح ولا أحد أحب إليه المدح من الله كما جاء في الحديث الذي اتفق عليه الشيخان عن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ»، ثم يأتي بعد ثلاث آيات في المدح والثناء والتمجيد، آية مفصلية نصفها للرب جل وعلا ونصفها للعبد، يتمم فيها العبد ما بدأ به من المدح والثناء والتمجيد، ويقدم فيها ثمن ما سيطلب من الهداية، ولسان حالها يقول:

طالما أنك أنت السيد المصلح القيوم وربوبيتك هذه عمادها الرحمة بأوليائك وينتهي مجدك إلى يوم الجزاء الذي تملكه وما فيه، فإننا إذ ذاك نخصك أنت وحدك بالطاعة والتذلل الممزوج بالحب والتعظيم ونخصك أنت وحدك بالتوكل على الوفاء بما التزمنا به من الطاعة، فإن علمت هذا يا رب فاهدنا الصراط المستقيم.

وعلى قدر العبودية والاستعانة تأتي الهدايات.

فهذه السورة في لبها عهد وميثاق أكثر مما هي إخبار عن الواقع، وهذا العهد له أسلوبه المتميز وطابعه الخاص، يتبعه دعاء حار واستعانة ضارعة للاستقامة على هذا العهد، وهذا ضمان آخر لمتانة هذا العهد وقوته واستحكامه، فإن العهد إذا كان ناشئا من قلب مفعهم بعظمة الله وكبريائه وجلاله ثم انضمت إليها الاستعانة به وطلب التوفيق منه فهو عهد قد استكمل مقوماته وهو مضمون من جميع جهاته.

ومما يقوي هذا الاختيار تسميتها بالصلاة، والصلاة لغة الدعاء، وهذا هو محور السورة ومركز الثقل فيها.

من مزايا الفاتحة:

أنها لسان البشرية الصادق في الصلة برب العالمين والمناجاة المتلذذة، فهي السورة الوحيدة التي وضعت أول الأمر ليس ككلاما صادرا من الله للبشر، ولكن على لسان الإنسان المؤمن، تعبيرا عن حركة نفسية جماعية متطلعة إلى السماء، بينما سائر السور تعبر عن الحركة بالاتجاه المقابل، حركة الرحمة المرسلة من السماء إلى الأرض، فالفاتحة سؤال الهدى وباقي القرآن هو الهدى المطلوب.

وقفات مع حديث أبي هريرة:

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ: مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ { 6 } صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ { 7 }، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ”

وفي الحديث وقفات:

1-   يعتبر الحديث دراسة تحليلة صادرة من الوحي في سورة الفاتحة ولا أعلم سورة نزل فيها الوحي بمثل هذه الدراسة التحليلية التي تعتبر إماما في التعامل مع السور القرآنية

2-   تسمية السورة بالصلاة، وفي هذا إشارة إلى العلاقة الوطيدة بين السورة وبين أهم ركن من أركان الدين وهو الصلاة.

3-   تسمية السورة بالصلاة، والصلاة في أصل وضعها اللغوي تعني الدعاء، ومن هنا جاء اختيار مقصد السورة وهو كونها ( طلب ) لأمر ما كما سيأتي.

4-   المرتبة العالية التي وضع الله بها قارئ هذه السورة حيث وصفه بكلمة ( عبدي ) وفيها من التحبب والتقريب ما فيها.

5-   استحضار المناجاة وجواب الله عز وجل في كل كلمة يقولها العبد في هذه السورة.

6-   إقرار الحقوق في هذه السورة المباركة، حيث جعل الله حقوقا للعباد وحقوقا لنفسه وجعل هذه السورة ميزانا يزن به العباد حقوقه عليهم، وحقوقهم عليه إن هم أدوا ما عليهم.

7-   السورة عبارة عن صفقة بين العبد وبين ربه، يقدم فيها العبد عبادته واستعانته لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، ليهبه الهداية، هداية الصراط المستقيم، وكلما كانت العبادة أوثق والاستعانة أرسخ كانت الهداية أبلغ وأعمق.

2019 04 12 23h53 19

Map Shot 1

2019 04 12 23h29 45

Map Shot 3

Map Shot 4

Map Shot 9

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved