الهدى والضلال في ظلال القرآن

( الهدى والضلال في ظلال القرآن )

 

إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)

ما موضوع هذا الفصل، وما هي مناسبته لمقصد السورة؟ وما مناسبته لما قبله من الفصول؟

بعد أن افتتحت السورة الحديث بذكر انتقال الإمامة وكيفيتها ومراحلها المستقبلية على طول هذه المدة من الزمان، وبيان ما سيكون حالهم ومآلهم في الألفي سنة القادمة – على حسب اختيارنا للوعدين -، جاءت هذه الآيات لتعقب على القصص السابقة على عادة القرآن في كثير من المواضع، وسنبين مناسبات الكلام تباعا كما سيأتي.

والمتأمل في هذا المقطع يرى أنه احتوى العديد من النقاط التي تدور حول قضية الهدى والضلال في ظلال القرآن:

فقد ابتدأ بقوله تعالى ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )
وجاء في آخره ( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها )

وأما علاقته بمقصد السورة، فهو مرتبط ارتباطا مباشرا بالحديث السابق عن العبث البني إسرائيلي في عقائد الأمم فهو يبين سبيل النجاة من هذه الضلالات وهي الالتزام بالقرآن، فهو الذي يهدي للتي هي أقوم، ويحمل صاحبه للنجاة من معامع الضلالات البني إسرائيلية.

ما هي مناسبة الابتداء بالحديث عن القرآن؟ وما هي المعاني التي ينتهي إليها؟

جاء التأكيد هنا لغرضين:

الأول دفع الإنكار: في حق من لم يؤمن بهذا الكتاب وهم مشركي قريش واليهود

والاهتمام: في حق من آمن بالكتاب وهم المؤمنون.

ولا عجب أن يفتتح الحديث هنا بذكر القرآن، كيف ولا وقد أخبرنا هو في طياته بهذه الملحمة المهيبة، والحديث هنا جاء عن القرآن لعدة مناسبات:

منها: أنه هو الوحيد الذي يقدم الحقيقة التي جهد بنو إسرائيل في طمسها في دورتي الإفساد الأولى والثانية، وهو الوحيد الذي يقدم المخرج للبشرية من هذا الفساد الذي أوقعهم به بنو إسرائيل، فهو طوق النجاة للبشرية من هذا الفساد الذي تمور فيه مورا.

ومنها: عودة الكلام على الكتاب الذي جاء في أول السورة ( وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى )، فهذا القرآن ليس إلا امتداد لكتاب موسى الذي جاء يحمل الهدى بين جنبيه، والذي هو أصلا امتداد لما جاء به نوح عليه السلام من قبل كما جاءت الآيات في مطلع السورة.

ومنها: التخفيف عن المؤمنين بعد هذه القصص المهولة التي سبقت عن بني إسرائيل وما ستؤول إليه أحوالهم، مما قد يسبب حرجا في صدورهم أن يصيبهم مثل ما أصابهم، فجاء الحديث هنا عن القرآن لتهدأ معه النفوس وتطمئن القلوب، بأن القرآن سيعصمهم مما وقع به بنون إسرائيل وأنه النجاة من عاقبة كعاقبتهم.

ومنها: استكمال الحديث عن الآيات التي جاءت في أول السورة ( لنريه من آياتنا )، فالقرآن من جملة الآيات التي لا يمكن لبشر أن يخبر بمثل هذه الملاحم.

وهذه الجملة ههنا تنتهي إلى معان عديدة:

منها: أنه إن أردتم السير إلى المسجد الأقصى فإن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم.

ما مناسبة قوله بعدها: ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير .. الآية؟ وما هي المعاني التي ينتهي إليها؟

ذكر أكثر أهل التفسير أن المراد بها: الإنسان حين يدعو على أولاده أو على نفسه حين يغضب، وهذا القول عاجز تمام العجز عن الإجابة عن سؤال المناسبة، وهو في غاية البعد عن السياق.

وإذا نظرنا إلى المناسبة وأخذناها بالاعتبار في بحثنا عن تفسير الكلام نجد أن للكلام تفسيرين يجيبان عن سؤال المناسبة:

الأول: أن الحديث هنا عمن استعجل نزول العذاب أو سأل الفتح من الكافرين، وهذا معنى فيه قرب.

والثاني: وهو الذي نراه أقرب وأنسب للسياق: أنه استمرار للحديث عن القرآن وهدايته للطريق المستقيمة القويمة في الآية السابقة، فهو يحكي حال أقوام تركوا هذا القرآن وطريقه القويم وصاروا يطلبون ويبتغون – بأعمالهم البعيدة عن الطريق القويمة – الشر المذكور آنفا وهو العذاب الأليم، بدل أن يبتغوا ويطلبوا الأجر الكبير الذي يبشر به القرآن بأعمال صالحات يقدمونها لأنفسهم.

فالآية تنعي عليهم أفعالهم المخالفة للطريق القويم التي يجتهدون فيها وكأنهم يطلبون بها العذاب الأليم بدل أن يجتهدوا في الأعمال الصالحة التي توصلهم إلى ما يبشرهم به القرآن من الأجر الكبير.

ولم تقتصر الآية على وصف حالهم فحسب، بل حددت السبب في الانصراف عن القرآن ببشرياته وأجره، وهو طبع العجلة التي في الإنسان والتي تدفعه إلى إيثار الدنيا الفانية – فقط لأنها عاجلة – على الآخرة الباقية مهما كانت عظيمة فقط لأنها آجلة.

وطالما أن الحديث هنا جاء بعد الحديث عن بني إسرائيل وفسادهم فهو يشير إلى السبب الذي حمل بني إسرائيل على هذا الفساد والعلو في اأرض، ألا وهو داء العجلة والحديث عنه سيستمر لاحقا، ولا عجب فالقرآن لا يترك السلوكيات دون أن يتحدث عن العقائد التي تقف وراء هذه السلوكيات وتغذيها.

ما هي مناسبة استخدام الباء في قوله بالشر وبالخير؟

الذي يظهر أن الباء هنا لتضمين الدعاء معنى الاستعجال، فكأنه يقول: يطلب الشر مستعجلا به، والتضمين باب واسع من أبواب التصرف في المعاني.

ما مناسبة الحديث عن تعاقب الليل والنهار؟

لما انتهى من الحديث عن القرآن، وبين أن كثيرا من الناس لا يستجيبون لداعي القرآن ولا يؤمنون بآياته بل يجتهدون في السير في طريق الباطل ما كان ينبغي لهم أن يجتهدوا به في طريق الحق ليصلوا إلى البشرى، عقب بعدها مباشرة بالحديث عن آيات كونية آفاقية لعل من لم يهتدي بالقرآن يهتدي بالنظر في مثل هذه الآيات، إذ لا يمكن أن يصدر مثل هذا النظام إلا من خالق حكيم عليم، وهذه الآيات تهدي إلى ما يهدي إليه القرآن، الطريق القيمة، ملة الإسلام والتوحيد.

فلئن غاب القرآن عن أمة أو زمن فإن مثل هذه الآيات لا تغيب عن معتبر.

وربما كان فيها أيضا إشارة إلى فترات القوة والاستضعاف التي تمر على كل الأمم، خاصة مع ذكر إهلاك القرى لاحقا وهي مناسبة وجيهة جدا.

ومن مناسبات الآية:

الجواب عما جاء في الآية السابقة وهي العجلة وطلب ما لم يقسمه الله للإنسان، وإشارة للإنسان أن يتعلم من الكون وتتابع الليل والنهار أن كل شيء مفصل لكل إنسان بحسب ما تقتضيه حكمة الله، أفليس الحكيم الذي قدر الليل والنهار وفصل كل شيء بقادر على أن يدبر لكل إنسان رزقه ونصيبه من الخير؟

وتَقْدِيمُ اللَّيْلِ لِمُراعاةِ التَّرْتِيبِ الوُجُودِيِّ؛ إذْ مِنهُ يَنْسَلِخُ النَّهارُ وفِيهِ تَظْهَرُ غُرَرُ الشُّهُورِ العَرَبِيَّةِ، ولِتَرْتِيبِ غايَةِ النَّهارِ عَلَيْها بِلا واسِطَةٍ، ومِمّا يَزِيدُ تَقْدِيمَ اللَّيْلِ حُسْنًا افْتِتاحُ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلا﴾

ويبدو أيضا أن ذكر الليل والنهار هنا على سبيل الآيات، جاء في سياق الحديث عن الآيات المتواصل في هذه السورة، وكأنها تقول لهم: ألم يكفيكم أن الله خلق لكم آيتي الليل والنهار، فأنتم الآن تطلبون آيات على صدق النبوة وتجتهدون في التفنن في هذا الطلب، وهذه الآيات ماثلة أمامكم لا تخطئها عين.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها التذييل بقوله تعالى: وكل شيء فصلناه تفصيلا؟

﴿وكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا﴾ كانَ مَعْناهُ أنَّ كُلَّ ما يَحْتاجُ إلَيْهِ مِن دَلائِلَ التَّوْحِيدِ والنُّبُوَّةِ والمَعادِ فَقَدْ صارَ مَذْكُورًا. وكُلَّ ما يَحْتاجُ إلَيْهِ مِن شَرْحِ أحْوالِ الوَعْدِ والوَعِيدِ والتَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ، فَقَدْ صارَ مَذْكُورًا، بل ومبينا بيانا بليغا لا يحتاج إلى شيء آخر معه، وإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ فَقَدْ أُزِيحَتِ الأعْذارُ، وأُزِيلَتِ العِلَلُ فَلا جَرَمَ كُلُّ مَن ورَدَ عَرْصَةَ القِيامَةِ فَقَدْ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ ونَقُولُ لَهُ: ﴿اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾.

وكذلك فإن التذييل بهذا القول يراد منه: أننا فصلنا الليل والنهار على هذا الوجه المتقن بالزيادة والنقصان وتغير الأحوال في أوقات معلومة على نظام لا يختل على طول الزمان إلى أن يريد اله خراب العالم وفناء الخلق، وكما فصلنا هذا النظام الدقيق في الليل والنهار فإن كل شيء سواهما مما تحتاجونه من أمور دينكم ودنياكم فصلناه على شاكلة الليل والنهار، بما يزيل إلباسه، ثم أتبع الكلام بالمصدر تنبيها على تمام القدرة وأنه لا يعجزه شيء يريده.

ما مناسبة الحديث بعدها عن المسؤولية الفردية؟

هذه هي إحدى طريقتين يعتمدها المفسدون في الأرض – وعلى رأسهم بنو إسرائيل – في إفساد الناس: وهي نشر الفساد وتطبيعه في المجتمعات حتى ينشأ الناس عليه ويألفونه فيصبح الحق عندهم غريبا.

فبعد الحديث عن الآيات المسطورة، وهي القرآن وما فيه، والآيات المنظورة، الليل والنهار وتقلبهما، لم يبق سبيل لمن لا يؤمن، ولم يبق له عذر ولا حجة، فجاء الحديث عن المسؤولية الفردية وإلزام الطائر في العنق، والطائر هو حظ الإنسان ونصيبه من القسمة أو القرعة، واستعير هنا في الحظ من العمل، واستخدم العنق للدلالة على شدة الارتباط، فيكون المعنى:

وكل إنسان سيجد يوم القيامة ما كان قدم من عمل مرتبطا به ارتباطا شديدا.

وهذا مسوق مساق التهديد لمن لم يهتدي بهذه الآيات سواء بالقرآن أو بالآيات الكونية، ويمكن أن تلحظ التهديد واضحا في قوله: ألزمناه وقوله: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا.

والحديث عن الكتاب المنشور مناسب لما ذكر سابقا من تفصيل الأشياء، فكأن الآيات تقول لنا: كما أننا فصلنا كل شيء، الليل والنهار، سنفصل لكم أعمالكم كاملة يوم القيامة.

والآية التي بعدها مرتبطة بها ارتباطا وثيقا، وهي بمثابة البيان والتفصيل لما جاء قبلها.

ويبدو أن الحديث عن المسؤولية الفردية هنا مرتبط ارتباطا وثيقا بدورتي الإفساد الخاصتين ببني إسرائيل، فإن أكثر الناس انقادوا لبني إسرائيل في إضلالهم لهم، واتبعوهم، فتأتي هذه الآيات لتحذرهم من الانجرار وراء هذا الإفساد – إفساد بني إسرائيل – ولتقول لكل واحد:

عليك نفسك فألزمها الانتفاع بالآيات وإياك أن تتبع المترفين الذين يقودون القرى إلى البوار المحتوم.

وفي هذا تربية أي تربية للناس على ضرورة لزوم الحق مهما انتشر الفساد ومهما ذهب الناس في ضلالهم يمينا وشمالا، وتقضي تماما على ثقافة اتباع القطيع، والسير مع الناس أحسنوا أو أساؤوا، وهذا كما ذكرنا أول طريق من الطرق التي يعتمدها بنو إسرائيل في إفسادهم للناس، فهم يجتهدون في نشر الفساد حتى يصبح مألوفا ويسير الناس ورائه معتقدين أنه الصواب طالما أن الأكثرية تتبعه.

الوَجْهُ الثّانِي: أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّهُ أوْصَلَ إلى الخَلْقِ أصْنافَ الأشْياءِ النّافِعَةِ لَهم في الدِّينِ والدُّنْيا، مِثْلَ آيَتَيِ اللَّيْلِ والنَّهارِ وغَيْرِهِما كانَ مُنْعِمًا عَلَيْهِمْ بِأعْظَمِ وُجُوهِ النِّعَمِ. وذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ اشْتِغالِهِمْ بِخِدْمَتِهِ وطاعَتِهِ فَلا جَرَمَ كُلُّ مَن ورَدَ عَرْصَةَ القِيامَةِ فَإنَّهُ يَكُونُ مَسْئُولًا عَنْ أعْمالِهِ وأقْوالِهِ.

الوَجْهُ الثّالِثُ: في تَقْرِيرِ النَّظْمِ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّهُ ما خَلَقَ الخَلْقَ إلّا لِيَشْتَغِلُوا بِعِبادَتِهِ كَما قالَ: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] فَلَمّا شَرَحَ أحْوالَ الشَّمْسِ والقَمَرِ واللَّيْلِ والنَّهارِ، كانَ المَعْنى: إنِّي إنَّما خَلَقْتُ هَذِهِ الأشْياءَ لِتَنْتَفِعُوا بِها فَتَصِيرُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنَ الِاشْتِغالِ بِطاعَتِي وخِدْمَتِي، وإذا كانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ مَن ورَدَ عَرْصَةَ القِيامَةِ سَألْتُهُ أنَّهُ هَلْ أتى بِتِلْكَ الخِدْمَةِ والطّاعَةِ، أوْ تَمَرَّدَ وعَصى وبَغى، فَهَذا هو الوَجْهُ في تَقْرِيرِ النَّظْمِ.كما ذكر الرازي رحمه الله.

ما مناسبة ذكر العنق للإشارة إلى ملازمة العمل لصاحبه؟

قَوْلُهُ: ﴿فِي عُنُقِهِ﴾ كِنايَةٌ عَنِ اللُّزُومِ كَما يُقالُ: جَعَلْتُ هَذا في عُنُقِكِ أيْ: قَلَّدْتُكَ هَذا العَمَلَ وألْزَمْتُكَ الِاحْتِفاظَ بِهِ، ويُقالُ: قَلَّدْتُكَ كَذا وطَوَّقْتُكَ كَذا، أيْ: صَرَفْتُهُ إلَيْكَ وألْزَمْتُهُ إيّاكَ، ومِنهُ قَلَّدَهُ السُّلْطانُ كَذا. أيْ: صارَتِ الوِلايَةُ في لُزُومِها لَهُ في مَوْضِعِ القِلادَةِ ومَكانِ الطَّوْقِ، ومِنهُ يُقالُ: فُلانٌ يُقَلِّدُ فُلانًا أيْ: جَعَلَ ذَلِكَ الِاعْتِقادَ كالقِلادَةِ المَرْبُوطَةِ عَلى عُنُقِهِ. قالَ أهْلُ المَعانِي: وإنَّما خَصَّ العُنُقَ مِن بَيْنِ سائِرِ الأعْضاءِ بِهَذا المَعْنى لِأنَّ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ إمّا أنْ يَكُونَ خَيْرًا يَزِينُهُ أوْ شَرًّا يَشِينُهُ، وما يَزِينُ يَكُونُ كالطَّوْقِ والحُلِيِّ، والَّذِي يَشِينُ فَهو كالغُلِّ، فَهَهُنا عَمَلُهُ إنْ كانَ مِنَ الخَيْراتِ كانَ زِينَةً لَهُ، وإنْ كانَ مِنَ المَعاصِي كانَ كالغُلِّ عَلى رَقَبَتِهِ.

وفيه خيط متصل بقوله تعالى سابقا (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير)

ما مناسبة قوله تعالى بعدها: من اهتدى.. الآية؟

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَنِ اهْتَدى فَإنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾ فَذْلَكَةٌ لِما تَقَدَّمَ مِن كَوْنِ القُرْآنِ هادِيًا لِلَّتِي هي أقْوَمُ ولِلُزُومِ الأعْمالِ لِأصْحابِها، أيْ: مَنِ اهْتَدى بِهِدايَتِهِ وعَمِلَ بِما في تَضاعِيفِهِ مِنَ الأحْكامِ وانْتَهى عَمّا نَهاهُ عَنْهُ فَإنَّما تَعُودُ مَنفَعَةُ الِاهْتِداءِ بِهِ إلى نَفْسِهِ لا تَتَخَطّاهُ إلى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَهْتَدِ ﴿ومَن ضَلَّ﴾ عَمّا يَهْتَدِيهِ إلَيْهِ ﴿فَإنَّما يَضِلُّ عَلَيْها﴾ أيْ: فَإنَّما وبالُ ضَلالِهِ عَلَيْها لا عَلى مَن لَمْ يُباشِرْهُ حَتّى يُمْكِنَ مُفارَقَةُ العَمَلِ صاحِبَهُ ﴿ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ تَأْكِيدٌ لِلْجُمْلَةِ الثّانِيَةِ أيْ: لا تَحْمِلُ نَفْسٌ حامِلَةٌ لِلْوِزْرِ وِزْرَ نَفْسٍ أُخْرى حَتّى يُمْكِنَ تَخَلُّصُ النَّفْسِ الثّانِيَةِ عَنْ وِزْرِها ويَخْتَلُّ ما بَيْنَ العامِلِ وعَمَلِهِ مِنَ التَّلازُمِ، وخُصَّ التَّأْكِيدُ بِالجُمْلَةِ الثّانِيَةِ قَطْعًا لِلْأطْماعِ الفارِغَةِ حَيْثُ كانُوا يَزْعُمُونَ أنَّهم إنْ لَمْ يَكُونُوا عَلى الحَقِّ فالتَّبِعَةُ عَلى أسْلافِهِمُ الَّذِينَ قَلَّدُوهم.

ما مناسبة التذييل بقوله تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا؟

يستمر الحديث هنا عن الأسلوب الثاني الذي يعتمده المفسدون في الأرض لنشر فسادهم وتمكينه، وهو: إفساد الكبراء وأصحاب الشأن في الأرض، فيفسد كل من ورائهم، فالناس تبع لهؤلاء في غالب شأنهم، فإن فسد الرأس فسد الجسد ولا بد.

ولما كان القرآن نظام حياة ومجتمعات إضافة إلى كونه نظام تعبد فردي، استكمل الحديث هنا عن محاسبة القرى عامة بعد أن كان الكلام عن المسؤولية الفردية، فقوانين الثواب والعقاب تسري على الأمم كما تسري على الأفراد، وجاء هذا التذييل توطئة وتهيئة لما سيأتي لاحقا من الحديث عن إهلاك القرى، والمقصود بالعذاب هنا الإهلاك في الدنيا بعد أن يبعث الرسول وتظهر آياته، وهذا استكمال لما كان من التهديد لمشركي مكة – ومن وراءهم من المكذبين – بالتبار كما حصل مع بني إسرائيل بسبب تكذيبهم للرسل.

وهذا فيه توطئة وتهيئة لما سيأتي لاحقا من الحديث المتطاول عن تكذيبهم للنبي صلى الله عليه وسلم ورد رسالته بأوهى الشبه.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها تذييل الآية بقوله ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )؟

هذا فيه انتقال وتهيئة وتوطئة للحديث عن هلاك القرى والأمم ونجاتها، بعد الحديث عن هلاك الأفراد ونجاتهم، وهو بيان للعناية الربانية بأهل القرى بعد بيان اختصاص آثار الهداية الضلالة بأصحابها خاصة دون غيرهم، والمعنى : لا يصح منا ولا يستقيم بل يستحيل، في سننا المبنية على الحكم البالغة أن نعذب أحدا بنوع ما من العذاب دنيويا أو أخرويا على فعل شيء أو ترك شيء حتى نبعث له رسولا يبين له الحق ويقيم الحجج ويمهد الشرائع

ما مناسبة ما جاء بعد ذلك: وإذا أردنا إلى قوله تعالى: فدمرناها تدميرا؟

السياق مستمر مع ما قبله، في نقطتين:

الأولى: استكمال الصورة بالحديث عن المسؤولية الجماعية بعد الحديث عن المسؤولية الفردية.

الثاني:   في تهديد المشركين الذين بذلوا جهدهم في طريق الشر وكأنهم يطلبونه طلبا حثيثا، وكأن سائلا يسأل: إذا أرسل الرسول إلى القرية فلم تؤمن فمتى يحل عليها العذاب؟

فيأتي الجواب هنا في الأسباب والوقت المستوجب حلول الهلاك والعذاب على الأمم، وهذا فيه عودة بطريقة أو بأخرى وتفصيل وتوضيح للحديث عن أسباب انتقال الإمامة من بني إسرائيل ثم تهديدهم بالهلاك في الوعد الآخر بعد أن ( آتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا) ولكنهم كما جاء أفسدوا في الأرض فسيحل بهم ما سيحل بهم، وفي الآية مباحث:

الأول: كيف يستقيم الكلام هنا عن أن الله يريد إهلاك قرية؟

المعنى هنا ليس كما يتبادر إلى الذهن من أن الله يريد بالناس هلاكا، حاشا وكلا وهو الغفور الرحيم المتفضل على عباده من لدن آدم حتى آخر واحد من بنيه، كرمه وكرمهم وسخر لهم ما في السموات والأرض كما سيأتي لاحقا في السورة، ولكن قيل فيها معان ثلاثة:

الأول: أن المراد بالإرادة هو القرب، كقوله تعالى ( يريد أن ينقض ) أي اقترب موعد انقضاضه، فيكون المعنى: وإذا اقترب موعد هلاك قرية أمرنا مترفيها .. إلى آخر الآيات، وإنما نسب الإرادة إلى نفسه ولمن ينسبها إلى القرية كما نسبها للجدار، لأجل أن يعلم أن الله هو الذي يقدر الأمور فعال لما يريد، وهو وجه قوي.

الثاني: أن المراد بقوله تعالى أمرنا يعني بالخير، لكنهم فسقوا فيها، كمثل قولنا أمرته فعصاني، وهو وجه قوي أيضا.

الثالث: أن في الكلام تقديم وتأخير والمعنى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا فأمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فإذا أردنا أن نهلكها دمرناها تدميرا، فكانت الإرادة وحدها هي شريطة حصول الهلاك بعد استحقاق أسبابه، فهو الفعال لما يريد، وجاءت الآيات بهذا الأسلوب وكأنها إمعان في تهديد مشركي قريش قائلة لهم: ليس بينكم وبين أن يدمركم الله إلا إرادة إهلاككم، بعد بعثنا لكم رسولا فلم تأتمروا بأمره واشتريتم الكفر بالإيمان، وتغيير الترتيب بهذا الشكل فيه نظر وإبقاء الكلام كما هو على وجه مقبول أولى والله أعلم.

الثاني: في الجواب عن أمرنا؟

جاء في تفسيرها أقوال:

الأول: أمرنا بمعنا أمرناهم باتباع الهدى على لسان رسولنا فلم يأتمروا وفسقوا فيها، على شاكلة أمرته فعصاني.

الثاني: أمرنا مترفيها أي بعثناهم ففسقوا فيها، وفيه أيضا إشارة إلى الفاعل الأصلي وهو الله عز وجل بأمره الكوني القدري.

الثالث: آمرنا أي أكثرنا عددهم، وفيه إشارة إلى وجوب القول بالهلاك حين كثرة الخبث كما جاء في الحديث.

والمترفون كثيرو الاستمتاع بما أنعم الله عليهم من متاع الدنيا والبطرون مالتسكبرون.

الثالث في اختيار المترفين دون غيرهم؟

خص المترفون وهم أصحاب الترفة أي النعمة دون غيرهم، لأن الناس تبع لهم والمترف صعب الانقياد لا تسمح نفسه بأن يكون تابعا بعد أن كان متبوعا، فهؤلاء هم الذين يتولون كبر الفسق ثم يتبعهم غيرهم لأن الأصاغر تبع للأكابر، فيطبقون جميعا على المعصية فيهلكهم الله.

وهكذا يكون الإفساد عامة وإفساد بني إسرائيل خاصة، يقودون الناس إلى الفساد بإفساد رؤسائهم ومتبوعيهم، فإن فسد الرأس فسد الجسد ولا شك فهو تبع له.

ما مناسبة ذكر المصدر بعد الفعل في قوله: فدمرناها تدميرا؟

ذكر المصدر هنا لبيان المبالغة في الفعل فكأنه يقول: فدمرناها تدميرا لا يكتنه كنهه ولا يوصف.

ما مناسبة ذكر إهلاك القرى من بعد نوح بعد ذلك؟

الاستفهام هنا مسوق للتكثير والمعنى: لقد أهلكنا قرونا كثيرة بعد نوح.

وذكر نوح خاصة لأنه أول من كذبه قومه، والحديث هنا كما ذكرنا كله في التعريض بالمكذبين من المشركين.

وفي ذكر نوح هنا عودة إلى ذكره في أول السورة، ولم يذكر هلاك قبله لأن من قبله كانوا مؤمنين وإنما جاء الكفر بعد نوح وهو أول رسول فبدأت الإهلاك بقومه، وفي هذا تأكيد على ما سبق أن الهلاك إنما يكون بتكذيب الرسل وأما المؤمنون فحاشا لله أن يهلكهم، ويؤكد ذلك التذييل في آخر السورة في قوله تعالى: وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا

أي أن الهلاك لا يكون إلا بسبب الذنوب وأن الله مطلع عليها يعلم من يستحق الهلاك ممن لا يستحقه

وفيه من التهديد الشيء العظيم، وكأن الآية تقول لهم: افعلوا ما شئتم فأنا مطلع على كل ما تفعلونه بكل تفاصيله، فاحذروا عقابه.

وفيه بلازمه بشارة عظيمة لأهل الطاعة لأن العلم التام والخبرة الكاملة يقتضي إيصال الجزاء إلى مستحقه بحسب الاستحقاق، ولا ينافيه مزيد التفضل على من هو أهل لذلك.

 2022 01 30 18h53 31

ما مناسبة الآيات الثلاث التي ختم بها الفصل؟

الآيات الثلاث الأخيرة خارجة من رحم سابقاتها، وفيها تصريف للكلام لإيضاح المعنى أكثر فأكثر ليدبروا كما قال تعالى لاحقا ( ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل ) وقال ( ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا ):

من كان يريد العاجلة خارجة من رحم وكان الإنسان عجولا

ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا خارجة من رحم وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا، ومن رحم وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما.

من أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن خارجة من رحم دعاءه بالخير

كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك خارجة من رحم لتبتغوا فضلا من ربكم.

ومن القصور أن تظن أن الكلام مجرد تكرار فحسب، بل فيه معان جديدة:

فقد أفاد أن العاجلة بأمر الله وحده قد يعطاها طالبها وقد لا، بحسب المشيئة والحكمة، فكثير من الكفار الضلال يتركون الدين لأجل الدنيا فتفوتهم الدنيا والآخرة.

وأفاد اشتراط إرادة الآخرة في السعي، واشتراط الإيمان في السعي الصالح وأن السعي الصالح إن لم يكن نابعا من عقيدة لم ينفع.

ثم جاءت بعدها الآية الفاذة الجامعة وهي عموم فضل الله جل وعلا للناس كلهم.

وكل هذا للتأكيد على تفرد الله عز وجل بالعطاء والمنع، وأن الأمر لا يكون بطريق السعي والعمل فحسب، بل هو بمحض التفضل، ومما يؤكد ذلك ختام المقطع بالآية التي أمرت القارئ المتدبر بالنظر في أحوال الناس: وكيف فضل الله بعض الناس ممن لا يبدو أنه يستحق ما فضل به على آخرين هم أحق منه بحسب السعي والعمل، فعطاؤه غير ممنوع عن أحد عاصيا كان أو مطيعا، لأن شأنه جل وعلى شأن الإفاضة حسبما تقتضيه الحكمة.

وختمت الآية بالترغيب بالآخرة حتى لا يتجرف الإنسان مع الحديث عن العاجلة وحتى يبقى تطلبها شاخصا في قلبه وذهنه، فهناك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر السعي مع الدار الآخرة؟

السعي هو المشي السريع دون العدو، ويستعمل للجد في الأمر وأكثر ما يستعمل في الأفعال المحمودة، وذكر السعي دون المشي إغراء للناس بأن يطلبوا الآخرة طلبا حثيثا لا طلبا بطيئا، وأن الآخرة لا تكون إلا لمن يبذلون جهدهم لأجلها ويمشون مسرعين حاثين الخطى لينالوها.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها التقييد بالإيمان في قوله: وهو مؤمن؟

هذه الكلمة مما يؤكد على ارتباط النجاة بالإيمان، مهما صلح العمل، وهذه من الفتن التي عمت كثيرا في هذه الأيام، وهي اعتبار العمل الصالح والخلق الحسن سببا في النجاة مهما كانت العقيدة، وهذا المذهب الإنسانوي الباطل جزء أصيل من إفساد بني إسرائيل الثاني، أخرجوه للناس وسوقوه ودعموه حتى اعتقده كثير من المسلمين.

وقيد شكر السعي هنا: أي وجادة نتائج هذا السعي وآثاره في الآخرة، هنا بأمرين:

إرادة الآخرة: وهي النية.

السعي للآخرة: وهو العمل الصالح

الإيمان: وهو العقيدة الصحيحة

فمن تحلى بهذين الأمرين ممن أراد الآخرة أدركها، أي أدرك النجاة فيها، ومن فاته شيء منهما فاته منها بحسبه، وكثير من الناس يفوته واحد من هذه الثلاث فيردى:

فمنهم من تختلف عليه نيته، فيريد أحدا غير الله بعمله، أو أحدا مع الله فلا يجد عمله في الآخرة يتركه الله وشركه.

ومنهم من يتقاعس عن العلم الصالح ويركن إلى حسن ظنه – زعم -، ولو أحسن الظن لأحسن العمل.

ومنهم من يفوته استكمال الإيمان فيحبط عمله لارتكابه شيئا من المكفرات الموجبة لدخول النار.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها قوله تعالى: ربك؟

ذكر كلمة الرب في هذه السورة كثير، وفيها إشارة إلى جانب الحياطة والرعاية، وتبليغ الكمال شيئا فشيئا، فليس للعبد في تحصيل الرزق تأثير سوى الطلب، وأما العطاء فهو من الله سبحانه وتعالى، وهذا العطاء ليس واجبا عليه وإنما هو تفضل بحكم ربوبيته للناس.

ما مناسبة التعبير عنهم بأولئلك؟

تنبيها على علو شأنهم

ما مناسبة تعليق المشكورية بالسعي؟

وفي تَعْلِيقِ المَشْكُورِيَّةِ بِالسَّعْيِ دُونَ قَرِينَيْهِ إشْعارٌ بِأنَّهُ العُمْدَةُ فِيها.

ما مناسبة ختام الحديث بالعطاء الشامل؟ وما هي المعاني التي ينتهي إليها ربط العطاء بالربوبية؟

في الآية عدة مناسبات:

منها: الحديث عن العجلة التي يعاني منها الإنسان، فالإنسان يعجل ويريد العاجلة ويحبها ويؤثرها على الآخرة، أما الله فشأنه مختلف جل وعلا، وشتان بين الخالق والخلق، فالله لا يعجل بعقوبة أحد فهو قادر مقتدر يعطي الكل في الدنيا ثم يحاسبهم في الآخرة.

ومنها: التأكيد على قضية في غاية الخطورة، وهي أن العطاء في الدنيا ليس دليل كرامة أبدا، فإن الله يعطي هؤلاء وهؤلاء والشأن شأن الآخرة، كما في الآية التي تليها مباشرة.

وجاء العطاء مرتبطا بالربوبية، لأن الربوبية هي محل العناية والحياطة والرعاية فالعطاء من لوازمها لذلك تكررت عبارة (عطاء ربك) في هذه الآية مرتين.

وكل هذا تعريض بمشركي قريش وببني إسرائيل، ألا تظنوا أن ما أنتم فيه من القوة والمال هو لكرامتكم على الله، أبدا، بل هو عطاء غير ممنوع عن أحد في الدنيا، وشتان بين هذا التفاضل في الدنيا وبين التفاضل في الآخرة.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها بعد ذلك قوله تعالى: أنظر كيف فضلنا.. الآية؟

الغرض من هذه الآية ( ترغيب الناس بالسعي للآخرة وذلك ببيان التفاضل بين الفرق بين درجات الدنيا ودرجات الآخرة ) فمع أن التفاضل في الدنيا قليل وأن أصحاب الدنيا مهما فاقوا من هم دونهم، فإن الفارق بينهم يبقى ضئيلا إذا ما قورن بالفارق بين أصحاب الدرجات العالية في الآخرة مع من دونهم،

 

Map Shot 1

 

Map Shot 2

 

Map Shot 3

 

Map Shot 4

( الهدى والضلال في ظلال القرآن )

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved