الهدى أمر الله وحده

( الهدى أمر الله وحده )

وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)

ما موضوع هذا المقطع، وما هي مناسبته لمقصد السورة؟ وما هي المعاني التي تنتهي إليها هذه الأحداث؟

بعد أن انتهى الحديث عن قصة موسى وفرعون، وبعد أن فرغت الآيات من الحديث عن هذه المشاهد المتتابعة والتي بينت على طولها كيف كانت عاقبة الظالمين المفسدين فرعون وملئه، وكيف كانت عاقبة المتقين – موسى عليه السلام -، انتقل الحديث هنا إلى موضوع آخر تماما، لكن له تعلق بمقصد السورة ويخدم قضيتها، ويمكن أن نعون لهذا المقطع بآخر آية فيه ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين، فكأن المقطع يريد أن يقول لنا: الهدى أمر الله وحده، ولكن يبقى السؤال: ما هي العلاقة بين هذه القضية وهي أن الهدى أمر الله وحده وبين كون العاقبة للمتقين؟

الذي يظهر أن الهدى أمر مطلوب ولا شك للجميع، ولكن هذا المقطع يريد أن يبين لنا أن الهدى أمر الله وحده، كما أن العاقبة أمر الله وحده يضعها حيث يشاء ولا يؤتيها إلا المتقين، فقد آتاها امرأة فرعون والرجل الصالح وهما في وسط الظلم والفساد، ثم آتاها موسى بعد أن قتل النفس لأنه تاب واستغفر، وآتاها موسى في مدين حين كانت التقوى رفيق دربه هناك، لكنها لم يؤتها فرعون وقومه لأنهم اعترضوا على رسالة موسى باعتراضين:

الأول: أنه قالوا أنه سحر.

الثاني: أنه لم يسمعوا بهذا في آبائهم الأولين.

وهذا واضح في قوله تعالى ( فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين )، فجاءت المقاطع الجزئية في هذا المقطع لتجيب عن هذه الشبهات ثم لتخلص إلى هذه النتيجة التي سبق ذكرها.

وهذا الأمر – أن الهدى أمر الله وحده – فيها رسالتين:

الأولى: للنبي صلى الله عليه وسلم وورثته من الدعاة، أن لا تهتموا مهما بلغت شدة التكذيب، ولا تلتفتوا لهذا الأمر وامضوا على ما أنتم عليه من الدعوة إلى دين الله والقيام به، فإن العاقبة لكم – كما هو مقصد السورة -.

الثانية: لكفار قريش تقول لهم: إن استمريتم في تكذيبكم بمثل هذه الحجج الواهية فسوف تكون عاقبتكم مثل عاقبة من قبلكم من الظالمين، الذين سبق للتو بيان حالهم في تلك العاقبة،

أما المقاطع الجزئية فيمكن بيانها على النحو التالي:

المقطع الجزئي الأول: الجواب عن شبهة ( ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين )

في بداية هذا المقطع وما بعده يعود الحديث إلى ( الكتاب )، وليس هذا انتقالا غريبا، بل هو عودة مرة أخرى إلى أول آية بدأت في السورة، وهي قوله تعالى ( تلك آيات الكتاب المبين )

فكما كانت البداية مع الكتاب عاد الحديث هنا إليه مرة أخرى

فبعد أن استرسل الحديث عن قصة موسى عليه السلام وبين كيف كانت عاقبته بعد هذه الأحداث، ينتزع القرآن القارئ مرة أخرى من خضم الأحداث إلى الوقوف والتأمل في الكتاب، وجاء الحديث هنا عن قضية معينة خاصة بالكتاب، وهي إنزاله على موسى من بعد إهلاك القرن الأولى، والمتأمل في هذا المقطع الفرعي يلحظ الارتباط الشديد فيه بين موسى عليه السلام وبين محمد صلى الله عليه وسلم، وبين التوراة وظروف إنزالها وحاجة البشرية لها في وقتها، وبين القرآن ووقت نزوله وحاجة البشرية له في وقته، وبين من كذب بموسى ورسالته وبين من كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، بالإجابة عن الشبهات التي أوردها فرعون وقومه، ولكن في حق محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، وكأنه يقول لنا:

أنه الكفر بعضه من بعض وأن الإيمان بعضه من بعض وأن السنن لا تختلف

فبين أن موسى أوتي الكتاب بعد هلاك القرون الأولى، حيث لم يكن هناك سبيل لمعرفة أخبارهم إلا بالكتب، وكأنه يجيب عن الشبهة الأولى ( ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ) ومع أن هذه الشبهة لم تذكر على لسان كفار قريش في هذه الآيات، وإنما ذكرت سابقا على لسان فرعون وملئه، إلا أن هذا المقطع أجاب عن هذه الشبهة وكأنها ذكرت على لسانهم لبيان أن ملة الكفر واحدة كما ذكرنا سابقا.

والتداخل في هذا المقطع في غاية الإبداع والعجب، فقد استشكل كثير من المفسرين ورود الاستدراكات في هذا المقطع:

ولكنا أنشأنا قرونا

ولكنا كنا مرسلين

ولكن رحمة من ربك

واشتبكت هذه الاستدراكات بنفي متعدد:

وما كنت بجانب الغربي

وما كنت ثاويا في أهل مدين

وما كنت بجانب الطور إذ نادينا

وكأنها تدل على صدق رسالته صلى الله عليه وسلم، وتجيب عن شبهتهم الأولى ( ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ) بأمرين:

الأول: التشابه بين رسالة موسى ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن موسى عليه السلام قد أرسل إلى قومه بعد تطاول الأزمنة دون رسالة فيها،

الثاني: عدم إمكانية الإتيان بمثل هذه الأخبار إلا عن طريق الوحي الصادق، فلنفرض أن الأمر اشتبه عليهم بالشبهة الأولى، وعن كيفية تراخي الأزمان بين الرسالة والرسالة، أفلم يتفطنوا إلى أن مثل هذه الأخبار لا يمكن لأحد الإتيان بها إلا عن طريق وحي صادق، أفلم يردوا المتشابه إلى المحكم الذي لا مرية فيه.

ولم تأت هذه المعاني بنص جامد فاتر، ولكنها جاءت بنص في غاية الجمال والإبداع، لا يمكن لبشر أن يأتي بمثله.

المقطع الجزئي الثاني: الجواب عن شبهة ( ما هذا إلا سحر مفترى )

في هذا المقطع جواب عن شبهة كون القرآن هذا سحر أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الفكرة لم تأت هكذا مجردة مباشرة، ولكنها ابتدأت بداية تحمل في طياتها تهديدا مبطنا لهم، فتقول: لولا أن تصيبكم مصيبة بما فعلتم من الكفر والتكذيب فتقولوا لم يأتنا رسول، والجواب محذوف تقديره: لعاجلناكم بالعقوبة أو نحو ذلك، ويكون المعنى: لولا إصابتهم بمصيبة يقولوا بعدها: ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا لما عبأنا بإرسالك إليهم، لأنهم أهل عناد وتصميم على المفر، ولكنا أعذرنا إليهم بإرسالك لتنقطع معذرتهم، فتشعر أن هذا فرع من سابق قوله تعالى ( ولقد أهلكنا القرون الأولى .. )، وتشعر أن العقوبة متربصة بهم في السماء، تنتظر أمر الله لتقع بهم.

ولا يزال الالتحام بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وبين شبه هؤلاء وشبه هؤلاء، ليؤكد على أن الكفر ملة واحدة، وأن الأنبياء أولاد علات.

كما أن المقطع يؤكد أهمية الكتاب المنزل، وأنه لولا هذا الكتاب لأنزل الله عليهم عذابا يستأصلهم به، ولكن الله أمهلهم مع وجود الكتاب حتى يكون حجة عليهم يوم القيامة، ولا يقولوا: لم يأتنا نذير ولا رسول، فهو رحمة بهم ولكنهم لا يعلمون.

وكما ردت الآية شبهتهم في المقطع السابق ردت أيضا شبهتهم في المقطع الحالي، ولقنت النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: إن كان هذا الكتاب سحر كما تقولون فأكتوا بكتاب مثله وأنتم أهل اللغة والبيان، فإن لم يستجيبوا؟

بينت الآيات أن السبب في كل هذا الرد هو اتباع الهوى، فهم يعلمون أنه حق وأنه من الله، وأنهم عاجزون أن يأتوا بمثله، ولكنه الهوى، أي محبة سلوك طريق بغير دليل ولا بينة، وهذا هو منتهى الضلال كما بينته هذه الآية.

ثم ختم المقطع هذا بتقرير وصول القول لكفار قريش حتى لا يحتجوا يوم القيامة بهذه الحجة أن لم يأتهم نذير من قبل النبي صلى الله عليه وسلم.

المقطع الجزئي الثالث: وبضدها تتميز الأشياء

هذا المقطع ينتقل انتقالا مباشرة إلى طائفة من أهل الكتاب سمعوا الهدى فآمنوا به، وترتب على إيمانهم بعض أمور فصلت فيها الآيات، ومناسبة ذكر هذا الأمر هو إغراء كفار قريش بالإيمان بالهدى، وإعطاء مثال واضح ممن ( لم يتبع هواه ) فآمن وصدق، حتى يقتدوا بهم ويكونوا مثلهم.

وتختم هذه الفصول المتتابعة بالنتيجة والخلاصة، أن الهدى أمر الله وحده لا يملكه أحد غيره، وكأن هذه الآية تقول للنبي صلى الله عليه وسلم:

لا تهتم بمن كذبك فإنهم كذبوك كما كذبت رسل من قبلك، وبنفس الحجج والتعلات، والحقيقة أن سبب انصرافهم إنما هو هواهم بدليل من سمع الذكر فآمن به، وأثمرت شجرة الإيمان عملا طيبا.

وله عدة مناسبات:

منها: أن المقصود من الآيات السابقة من قوله ( فلما أتاها نودي ) إلى هنا: الاعتبار بعاقبة المكذبين الذين قالوا ( ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، حتى نقيس النظير على النظير، فنقيس رسالة محمد صلى الله عليه وسلم على رسالة موسى عليه السلام، وهذه المناسبة فيها نوع ارتباط بما قبلها.

ومنها: أنه لما صار الكتاب حاجة ماسة للبشر، بعد أن هلكت القرون الأولى ولم يكن من بد لمعرفة أخبارهم حتى يكونوا عبرة وعظة لمن بعدهم، آتينا موسى الكتاب لحاجتكم المسيسة إليه، حتى يكون لكم بصائر وهدى ورحمة.

وهذه المناسبة فيها نوع ارتباط بما بعدها، وهذا فيه تمهيد لما سيأتي بعد هذه الآية من الحديث عن إيتاء النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب، لمسيس الحاجة إليه أيضا، ولكن ليس من بعد إهلاك الأمم التي قبله، ولكن بسبب تطاول العهد بينه وبين التوراة، فنسيت الأحكام، وتغيرت الشرائع وطالت المهلة وفترت النبوة وتنوسيت الأديان، فاحتاج الناس حاجة ماسة إلى هذا الكتاب ليكون لهم هدى ورحمة، وتأمل ختام الحديث عن التوراة وختام الحديث عن القرآن بقوله ( لعلهم يتذكرون ) فهذا المعنى العظيم وهو كون العاقبة للمتقين ينسى في زحمة الأحداث ولا يذكرنا به إلا هذا الكتاب.

ما مناسبة افتتاح الكلام بالقسم والتوكيد؟

افتتح الكلام هنا بلام القسم وحرف التحقيق ( قد ) للإشارة إلى تكذيبهم، وشدته، فلولا التكذيب ما احتاج الكلام إلى توكيد يمؤكدات متعددة.

لماذا جعل الله الكتاب بصائر بالجمع بينما الهدى والرحمة بالإفراد؟

لأن البصائر هي أدلة والأدلة هي دائما متكررة، (وجعلناه بصائر) أنوارًا لما فيه من الأدلة الساطعة والحجج القاطعة على صحة إلهية الله وعلى صحة رسالة موسى فالبصار دائما تجمع بينما الهدى جنس الهدى وجعلناه حالة كونه هدى للقلوب ورحمة بينما البصار كأنني أفهمها ولقد آتينا موسى الكتاب حال تضمنه أنوارا وأدلة كثيرة. كانوا عميًا فجعل التوراة بصائر وكذلك القرآن فيه بصائر (قد جاءكم بصائر من ربكم وهدى ورحمة) هدى كانو في ضلال ورحمة كانوا مطرودين إذن أيها المشركون أيها القرشيون يا من يخاطبكم القرآن اهتدوا وعودوا إلى القرآن الذي يحمل كل هذه الهداية.

ما مناسبة ذكر إهلاك القرون الأولى؟

القرون الأولى: هم قوم نوح وعاد وثمود ولوط، وذكر الإهلاك هنا تمهيد لما سيذكر لاحقا من قوله ( ولولا أن تصيبهم .. ) وتقدير جواب ذلك أن: لعاجلناهم بالعقوبة والإهلاك، ولكن الله قدر أن يكون فرعون آخر المهلكين، وأن تكون سنته جل وعلا في خلقه من بعد فرعون أن يسلط رسله وعباده على من يشاء، فتكون هلكتهم على أيديهم.

لماذا أغفلت الآيات ذكر الحكمة من الفترة؟

ذكرت الآيات الحكمة من إرسال الرسل بعد فترة، وذلك بسبب تطاول العهد ونسيان الدين، أما سبب وجود الفترة نفسها ولماذا قدر الله عز وجل وهذا ولماذا لم يوجد رسل بشكل دائم في كل قرية وفي كل زمان، فالله أعلم بحكمته، وهو مالك الملك يقضي في ملكه كيف يشاء بعدله ورحمته.

ما مناسبة التذييل بقوله لعلهم يتذكرون؟

المقصود بهذا الكلام هم الناس الذين خوطبوا بالتوراة، والمراد التعريض بأمثالهم ممن كذب بالنبي صلى الله عليه وسلم من مشركي قريش وكأنها تقول لهم: قد أرسلنا موسى لعلهم يتذكرون، فحري بكم أن تتذكروا أنتم أيضا وقد أرسلنا لكم محمدا صلى الله عليه وسلم.

ما مناسبة التأكيد بقوله وما كنت من الشاهدين؟

هذا فيه نفي معنى زائد فإن الحاضر قد يحضر ولا يشهد، فنفى أولى الحضور وهو أعم ونفى ثانيا الشهود وهو أخص لتأكيد المعنى.

وانتفى بذلك بالأدلة الصحيحة أنه لم يتلق ذلك من غيره من البشر ولا علمه معلم منهم كما قدمنا تقريره.

ما مناسبة التكرار في هذا المقطع بقوله تعالى: وما كنت وما كنت ؟

الغرض منه التأكيد على هذا المعنى بكل تفاصيله، فالحديث عندما يطول حول قضية ما وتكرر الألفاظ حولها، فهذا دليل على إرادة إبرازها والاهتمام بها، فجاء النفي هنا مكررا لنفي أي شبهة حول تلقيه الأخبار من غير الوحي صلى الله عليه وسلم.

على من يعود الضمير في قوله تعالى: تتلو عليهم آياتنا؟

الذي يظهر أن الضمير هنا عائد على مشركي قريش في مكة وليس على اهل مدين، لأنهم هم الذين أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم يتلوا آياته عليهم.

والمقصود بالآيات: المعاني التي في قصة موسى بعد رجوعه من مدين إلى قومه، وما حصل بعد ذلك من الإرسال والإهلاك كما بينا في مقطع ( موسى نبيا ).

والمعنى: أنك لم تكن مقيما في أهل مدين ، ولم تحضر ما حصل بعد خروج موسى منها وعودته، فتحدث قومك بهذا الحديث بعد أن ترجع إليهم، ولكنا كنا مرسلينك بوحينا فعلمناك ما لم يكن لك سبيل إلى معرفته إلا بالوحي الصادق.

ما مناسبة ترتيب الاستدراكات الثلاث في هذا المقطع؟

الاستدراك الأول: كان في بيان سبب اندراس الدين وتغير العقائد، وهو تغير الأزمان ولم يذكر شيء آخر معه.

أما الاستدراك الثاني: فجاء لتأكيد الرسالة، وعدل عن الحديث عن الوحي إلى الحديث عن الرسالة لأن المقصد الأهم هو إثبات وقوع الرسالة من اله للرد على المشركين في قولهم وقول أمثالهم من قولهم ( ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ).

أما الاستدراك الثالث: فجاء لبيان الحكمة من هذه الرسالة أو أهم صفاتها، وهي كونها رحمة من الله عز وجل حتى يتذكر هؤلاء المشركون كما كنا نرجو أن يتذكر الذين من قبلهم إذ أرسلنا إليهم.

فيكون الكلام: ولكن كان علمك بهذا رحمة منا، أو أن يكون: ولكن لتنذر قوما وذلك رحمة منا.

 qasas 1

 

qasas 2

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved